أخبار دوليةسلايدر

لماذا تراهن بكين على أبوظبي؟ الإمارات شريك الثقة في شرق أوسط يعاد تشكيله

الدار/ إيمان العلوي

في لحظة إقليمية ودولية شديدة التعقيد، جاءت زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى أبوظبي لتؤكد أن العلاقة بين الصين والإمارات لم تعد مجرد تعاون اقتصادي عابر، بل تحوّلت إلى خيار استراتيجي محسوب بدقة في حسابات بكين. فالمنطقة تعيش إعادة رسم للتوازنات والتحالفات، والصين تبحث عن شركاء يتمتعون بالاستقرار والقدرة على تنفيذ الالتزامات بعيداً عن التقلبات السياسية، وهو ما تجده بوضوح في النموذج الإماراتي.

الزيارة، التي تندرج في سياق توسيع الحضور الصيني في الشرق الأوسط، تعكس رغبة متبادلة في تعميق الشراكة لتشمل السياسة والاقتصاد وحتى بعض جوانب الأمن الإقليمي. فبالنسبة لبكين، لم يعد كافياً الاكتفاء بعلاقات تجارية، بل بات ضرورياً الاعتماد على دول قادرة على لعب أدوار سياسية متوازنة في ملفات شائكة مثل غزة واليمن، والتحضير لاستحقاقات كبرى من قبيل قمة الصين–العرب المقبلة. أما الإمارات، فترى في هذا الانفتاح الصيني فرصة لتعزيز موقعها كوسيط إقليمي موثوق، ينسج علاقاته مع القوى الكبرى دون الارتهان لمحور واحد.

الشق الاقتصادي يظل المحرك الأبرز لهذه العلاقة. فمذكرات التفاهم المرتقبة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والاقتصاد الرقمي، إلى جانب مشاريع مرتبطة بمبادرة “الحزام والطريق”، تفتح الباب أمام تدفقات استثمارية ضخمة قد تصل إلى مليارات الدولارات. هذه الاستثمارات لا تخدم المصالح الصينية فقط، بل تتقاطع بشكل مباشر مع رؤية الإمارات 2031، وتكرّس موقع الدولة كمركز لوجستي وتجاري عالمي يربط آسيا بالشرق الأوسط وأفريقيا.

ولا يقتصر الرهان الصيني على الاقتصاد الصلب فقط، بل يمتد إلى القوة الناعمة. فتعزيز حركة الطيران وزيادة التدفقات السياحية الصينية يعكسان إدراكاً متبادلاً لأهمية البعد الثقافي والإنساني في ترسيخ العلاقات طويلة الأمد. الإمارات باتت وجهة مفضلة للسائح الصيني، ليس فقط لما توفره من بنية تحتية متقدمة، بل أيضاً لكونها بيئة آمنة ومستقرة، قادرة على استيعاب هذا الزخم السياحي وتحويله إلى قيمة مضافة لقطاعات الضيافة والترفيه.

في القطاعات الاستراتيجية، يبدو أن الطرفين يبنيان على تجارب ناجحة سابقة، أبرزها التعاون في المجال الصحي خلال جائحة كورونا وإنتاج لقاح “سينوفارم”. هذا النموذج يعزز الثقة المتبادلة ويفتح المجال أمام شراكات أعمق في التكنولوجيا الحيوية، والطاقة، والابتكار المتقدم. شركات إماراتية كبرى تمثل اليوم بوابة عملية للتكامل التكنولوجي، تمنح الصين موطئ قدم متقدماً في قطاعات حساسة، وتمنح الإمارات في المقابل وصولاً أوسع إلى التكنولوجيا والأسواق الآسيوية.

الرهان الصيني على الإمارات لا ينفصل عن جملة من الاعتبارات الاستراتيجية. فاستقرار القرار السياسي ووضوح مراكز صنعه يمنح بكين طمأنينة نادرة في إقليم مضطرب. كما أن السياسة الخارجية البراغماتية لأبوظبي، التي تقوم على مبدأ التوازن والانفتاح، تتقاطع مع الفلسفة الصينية القائمة على الشراكات لا التحالفات العسكرية. يضاف إلى ذلك سجل إماراتي قوي في الالتزام بالاتفاقات، حيث أثبتت التجارب أن العقود تُنفذ بعيداً عن التسييس أو التقلبات الظرفية.

من منظور أوسع، تنظر الصين إلى الإمارات ليس كسوق محلي فحسب، بل كنقطة ارتكاز إقليمية آمنة. فالبنية التحتية المتطورة، والموانئ العالمية، والبيئة القانونية الجاذبة، تجعل منها منصة مثالية لتجميع المصالح الصينية في الخليج وأفريقيا وجنوب آسيا. كما أن الحساسية الأمنية المنخفضة، مقارنة بدول أخرى، تقلل من مخاطر تعرض المشاريع الصينية لضغوط أو عقوبات، وهو عامل حاسم في الحسابات الصينية الراهنة.

عند مقارنة مستوى الثقة الصينية بين شركاء المنطقة، تتقدم الإمارات بوضوح. فهي تُصنّف كشريك عالي الموثوقية، حيث يجتمع استقرار القرار مع قابلية التنبؤ وفصل نسبي بين الاقتصاد والخلافات السياسية. في المقابل، تبقى دول إقليمية أخرى شركاء مهمين ولكن أكثر تعقيداً، إما بسبب تحولات سريعة في سياساتها، أو بسبب بيئات اقتصادية وبيروقراطية أقل جاذبية، أو بسبب حساسية أعلى تجاه الضغوط الدولية.

إن الصين لا “تغامر” مع الإمارات، بل تستثمر في نموذج أثبت فعاليته. أبوظبي، في الحسابات الصينية، ليست مجرد شريك جيد، بل البيئة الأكثر أماناً لتجميع المصالح الاقتصادية والسياسية في شرق أوسط مضطرب. ولهذا تُمنح أدواراً استثنائية: مركز لوجستي، منصة استثمار، وقناة سياسية هادئة، في إطار استراتيجية صينية أوسع تقوم على اختيار شركاء موثوقين في عالم تتسارع فيه التحولات.

زر الذهاب إلى الأعلى