فن وثقافة

رواية ”لا يهزمني سواي“.. تعيد جدلية الحب والحرب في الواقع الفلسطيني

”لا يهزمني سواي“؛ عبارة اختارتها الأديبة الفلسطينية رولا خالد غانم عنوانًا لروايتها الأخيرة، لتسلط الضوء على جدلية الحب والحرب في الواقع الفلسطيني، متخذة من صيغة المؤنث مدخلًا يضفي على العمل صبغة رومانسية تحيل القارئ إلى اجتماع اللين والقسوة وتداخل العاطفة والهم الجمعي.

وفي حديث خاص لـ“إرم نيوز“، تقول غانم عن سبب اختيارها لهذا العنوان: ”كما ترون فالعنوان يدفع نحو أمر ذي قيمة تحفيزية من جهة، ولا يخلو أيضًا من معاني الحرب، فما النصر والهزيمة سوى مصطلحين يستخدمان في المعارك عادة، وإذا ما نظرنا إلى تداولهما بين الناس، فإنهما لا ينفكان يسيران بين الألفاظ على أنهما من اللغة المتداولة دون الالتفات إلى محمولاتهما، لكن هنا؛ في عملي هذا، تبنت الرواية معنى عنوانها“.

وتضيف: ”فلسطين بلادي، لا تزال في حالة حرب، منذ أن سيطرت دولة الاحتلال عليها، لذا قد لا يكون غريبًا عنوان الرواية، وإن صبغته البطلة بصبغتها الأنثوية، إلا أنه متسلل من لاوعينا؛ نحن الفلسطينيين. نحن بين يدي عالمٍ يظلم فيه القوي الضعيف، ولا يترك مجالًا للإنسانية، حتى تكون في حالة من الرومانسية، وهذا العنوان إذن سيقودني إلى صلب المتن الروائي، إذ كُتِب على غرار الحرب بين القيم المجتمعية والغرائز الإنسانية، بين الانفلات من قيودٍ تُشكل العقد الناظم لعادات الناس في بلادي، وبين طفرات الإنسان الذاتية ومحاولاته للخروج عن نظم يشعر أنها تقيد رغباته“.

تدور أحداث الرواية حول سهاد المرأة التي سلكت طريق الغواية، وانحرفت أخلاقيًا في مجتمع ذكوري، لتتحمل بناتها تبعات قراراتها، ويتعرضن لاضطهاد أزواجهن عقابًا على جريمة لم يقترفنها.

وتعج الرواية بالنقد اللاذع للعادات الاجتماعية السائدة والعقلية الذكورية، التي حملت بنات سهاد جريرة أخطاء لا ذنب لهن فيها، ما يحول حياتهن إلى جحيم، لتبقى لعنة والدتهن وصمة تلاحقهن وتشهِّر بهن. لينتصر الخط الروائي في النهاية للأنثى، مع تجريم الخيانة وتحميل الوالدة التي حادت عن جادة الصواب تبعات التفكك الذي سيؤول إليه المجتمع في حال كان هذا السلوك هو هواها.

وتتصارع في الرواية الرغبات مع القيم، ما يفضي إلى كارثة إنسانية، لتركز الكاتبة على إبراز مساوئ الحرب وتبعاتها؛ تقول غانم: ”من قال إن الحروب تنبت ورودًا، وما دام هناك صراع فإذن هناك حرب، والحرب من مخلفاتها الخراب، وبالفعل بطلتي تقود هذه الحرب وتقود شخوص الرواية معها، بأزمنتهم وأمكنتهم وقواهم الظاهرة والباطنة، لنجد أنفسنا في أتون نار مشتعلة في كل مكان داخل الحروف؛ لنعرف بعد ذلك، من أين يمكن أن نطفئها ومن الذي سينتصر أو انتصر بالفعل، هذا ما تموج به صفحات هذا العمل“.

صمم غلاف الرواية الفنان الفلسطيني الدكتور جمال بدوان، الذي نجح خلال مسيرته الفنية في إيصال الفن التشكيلي المشرقي والفلسطيني بشكل خاص إلى المحافل الفنية الدولية، لتشكل اللوحة تجسيدًا فنيًا للعمل الأدبي يتسق وخط الرواية العام.

ووضع على غلافها الخلفي الأديب والسينارست السوري محمد خير الحلبي بصمته، بعبارات قبضت على مفاصل جمَّة في روح المادة الفنية.

يقول الحلبي عن الرواية: ”يخبرونك عن الشيء الذي يمت لها بصلة، إنه ذلك الخيط الذي ينظم اللؤلؤ حتى يصير عقدًا، إنهم لا ينظرون إلى الخيط حينما تكون عنقها محاطة بالعقد الثمين.. لكن كيف لو انقطع هذا الخيط.. ترى هل تصمد اللآلئ على عنق صابرين؟ هذا هو الذي ستسيل خيالاتك وراءه، وأنت تتابع حركاتها وراء الكلمات.. وهذه هي أسرار أبطال رولا غانم.. إنه سر الشوق على جفون العاشق وسر التراب على خارطة الوطن“.

وتدور أحداث الرواية في أواخر القرن الماضي، وتستمر حتى العام الحالي، ما يتضح من خلال سرد أحداث جرت حديثًا؛ ومنها المسيرات التي خرجت في الضفة الغربية من أجل صرف رواتب موظفي غزة، والتطرق للحرب في سوريا.

وتوزعت أماكن الأحداث ما بين طولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة، والقدس المحتلة، ومدينة رام الله، وبلدان المهجر؛ ومنها إسبانيا وكندا والأردن.

وعن الحافز وراء تأليفها للرواية؛ تقول غانم  لـ“إرم نيوز“: ”مثلما تنبت الأعشاب والأزهار والنباتات في الأراضي الخصبة، ويكون للماء حضور فيها، ينبت الأدب في داخلي، فكيف لا تكون الرواية عالمًا محفزًا لظهور هذا النبات الإنساني! هذا هو الحافز الأهم وراء صناعتي لهذه الرواية وما سبقها من نتاج أدبي، ولما سيأتي أيضًا من أعمال، فأنا بانتظار أن يأذن لي الزمن بخلقها وإدراجها على صفحات هذا الوجود المتعب.. إن كتابة الرواية هي الحافز الذي يدفع بي للبقاء، وليس البقاء فحسب، بل للتطلع نحو الخلود الأبدي، ومن حقوق الإنسان، أن يجد كتّابًا يكتبون له، فيخلدون الوقائع ويتركون الأحداث تتناقلها الأجيال، وبهذا يكون حضورنا على هذه الأرض وغيابنا عنها له معنى“.

وتضيف: ”لا يخفى أنني أريد أن أسهم في عون بلادي وأهلها على النهوض بهذا الجسد المتعب، وعلى صناعة ذات قادرة على استرداد حقها، هذا دون أدنى شك من أولوياتي في الكتابة، ومن تتبع أعمالي لمس هذا الخيط؛ فجميع أعمالي ينظمها خيط متين، هو الحافز الذي أقصده وهو البحث عن الإسهام في دعم الذات القادرة على أن تنهض بالدفاع عن حقها، وهذا ليس خاصًا بفلسطين، كي لا يؤطر الأدب، هذا يدعم الإنسانية عامة، ويكفي أن تجد الاحتلال الإسرائيلي وقد حرمك من أبسط حقوقك، وقيد حريتك، من خلال الحواجز التي وضعها بين القرى والمدن، وسيطر على أجمل المناطق بفلسطين كمدينتي طولكرم، وأنت ممنوع من النزول إلى بحرك والاستجمام أو الاصطياف أو حتى بث شكواك إليه“.

وتتابع: إن ”الرواية تهدف بالمجمل، مثل أي أدب، إلى تفكيك القيم ثم إعادة بنائها من أجل تحديثها وتطويرها أو نقدها، وترك المجتمع ينظر إلى عيوبها فيه وعيوبه فيها من جهة، ومن جهة ثانية، تهدف لإظهار العوالم الأجمل التي تسكن تحت طبقات الروح، بخاصة الروح التي تسكننا في عصرٍ صار أكبر مما ظننا، أشد تدخلًا في أدق خصوصياتنا“.

صدرت الرواية حديثًا عن دار ”كل شيء في حيفا“ وتقع في 180 صفحة من القطع المتوسط.

الكاتبة في سطور

رولا خالد غانم؛ روائية فلسطينية من مواليد مدينة طولكرم في الضفة الغربية، بصدد الحصول على شهادة الدكتوراه من جمهورية مصر العربية. مدير المكتب الحركي لاتحاد الكتاب والأدباء في مدينة طولكرم. تحاضر في جامعات فلسطينية عدة؛ منها النجاح، وفلسطين التقنية والقدس المفتوحة.

سبق أن صدر للكاتبة رواية ”الخط الأخضر“ عام 2016، ورواية ”مشاعر خارجة عن القانون“ أواخر العام 2016.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر − ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى