أخبار الدار

الإجهاض في المغرب.. هل هو حرام على المغربيات حلال على الريسوني؟!

 

الدار/ خاص 

شهدت مدينة مراكش، في شهر أبريل المنصرم،  قضية إجهاض كبيرة تورط فيها ثلاثة أطباء داخليين، وربان طائرة، وعدد من الطالبات، والذين تم تقديمهم جميعا أمام العدالة بتهمة تكوين شبكة إجرامية متخصصة في الإجهاض السري والمساعدة عليه والمشاركة وتعريض حياة الأشخاص للخطر.  

وقد أسالت هذه القضية الكثير من الحبر الأسود في أعمدة الصحافة وفي منصات التواصل الاجتماعي، وكلّها أجمعت على أن الأمر يتعلق بممارسة محظورة تمس بالصحة العامة، وتنطوي على خرق واضح للنصوص الجنائية والتنظيمية المجرّمة للإجهاض والمقننة للعمل الطبي. واستنكف الجميع، وقتها، عن الخوض في تقاطعات هذه القضية مع مجال الحريات الفردية والممارسات الجنسية الرضائية، بحيث لم يسجل أي موقف لدعاة الحرية ينادي بعدم متابعة الأطباء، وتبرئة المتابعين في هذه القضية تحت ذريعة الجنس الرضائي أو شعارات من قبيل "جسدي ملكي".

أكثر من ذلك، سبق لتقارير رسمية أن أشارت إلى أن عدد قضايا الإجهاض التي تمت معالجتها قضائيا، في السنوات الأربعة الأخيرة، تجاوز 39 قضية زجرية، وأحيل بموجبها على العدالة 45 طبيبا في أمراض النساء والولادة و8 ممرضات و12 مولدة (قابلة)، فضلا عن سيدات حملن من سفاح نتيجة علاقات جنسية غير مقننة بالزواج. وفي كل هذه القضايا لم يسجل أي نقاش عمومي حول علاقة الإجهاض بالحرية الفردية إلا في قضية هاجر الريسوني لوحدها! وهو ما يدعونا لطرح أكثر من علامة استفهام حول السبب في ذلك، هل لأن الأمر يتعلق بصحافية؟ أم لأنها قريبة داعية إسلامي؟ أم لأنها اشتغلت سابقا تحت إمرة توفيق بوعشرين في جريدة أخبار اليوم؟

إن "شخصنة" القضايا الزجرية يكاد لا يوجد في أي بلد في العالم باستثناء المغرب! فعندما يتعلق الأمر بإجهاض المغربيات فوق أسِّرة العيادات وفي غرف الشقق الاقتصادية، لا أحد يتكلم عن العلاقات الرضائية والحرية الفردية، بل الكل ينشر أخبارا مثيرة عن عدد الأجنة المنزوع حقها في الحياة والبقاء، وعدد النُطفِ التي تم إجهاضها في الرحم والمشيمة والأحشاء. لكن، عندما تكون واحدة من أطراف القضية تحمل اسما عائليا بنكهة الدعوة الدينية أو بنبرة القرب من فلان أو علان، وقتها يتهافت المتهافتون، ويجتهد المجتهدون للحديث عن قدسية الجسد، مسوغين الواطئ في الرحم بعقد أو بدونه، ومحللين قتل الأجنة ولو بدون وجود عارض طبي يهدد صحة الحامل. 

فالمؤسف اليوم في المغرب، أننا لا ندقق في حيثيات كل قضية على حدة، ولا نمعن القراءة والنظر في الجوانب القانونية للملفات القضائية التي تصير موضوع نقاش عمومي. بل إننا مستعدين لتقبل كل الأفكار والخلاصات والاستيهامات حتى الذاتية والمؤذلجة منها، خصوصا من أولئك الأشخاص الذين باتوا يصنعون رمزيتهم الإعلامية من مدى بعدهم المفترض عن الدولة والنظام والمخزن وغيرها من الفقاعات التي يطلقونها كل مرة في فضاء الإعلام البديل.

فقضية هاجر الريسوني يجب أن تعالج وتناقش قضائيا، لأنه مخطئ من يعتقد أن تبييض السمعة إعلاميا سيؤثر في المعالجة القضائية وسيجلب البراءة للمتابعين في الملف. فقد ناشد- بصيغة الرجاء- رئيس أمريكي سابق قضاة المحكمة العليا ببلده لكي    لا يتابعوا الأخبار المكتوبة والمرئية لئلا يتأثروا بالحملة الإعلامية التي أفرزتها قضية جنائية شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية القرن الماضي. 

كما أنه واهم من يعتقد بأن النضال السياسي يُصنع بتدوينات وتعليقات افتراضية على الفايسبوك،  جاعلا من قضايا الحق العام التي يتورط فيها الأشخاص أصلا تجاريا لتصريف رسائله- في كل مرة- في مواجهة الدولة، مثلما يفعل كثيرون مثل الأمير "الأزرق"  و "المعطي منجب" والآخرون.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى