المواطن

حكاية مؤلمة.. التشدد الديني لوالدها حولها إلى شابة “لادينية”

كشفت شابة سورية (عائشة 40 سنة) مقيمة في لندن في حديثها لـ"بي بي سي" قصتها حول تركها للديانة الإسلامية، وتحولها إلى "لادينية" بسبب ما وصفته بـ"تشدد والدها" الذي فرض عليها حصارا داخل البيت، باعتبارها، من منظور والدها، الوحيدة التي تحمل مسؤولية شرف العائلة وكرامتها وسمعتها، لكونها فتاة.

وفي سردها لطبيعة حياتها، قبل تحولها إلى "لا دينية"، أكدت عائشة بأنها نشأت وسط عائلة متدينة ومحافظة، وأنها "قضت 16سنة تحت رعاية والدتها، وتعلمت منها فروض الإسلام وقراءة القرآن، ورباها أهلها على حب الناس وكرم الأخلاق".

 بعد وفاة والدتها، وهي ابنة 16 سنة، لم تعد عائشة ترغب في الحياة، وكثيراً ما فكرت بالانتحار". بسبب المعاملة القاسية لوالدها.

وتضيف عائشة أنها أصبحت تحت وصاية الأب وشقيقاها اللذان يكبرانها سناً، حيث  تشدداً في تربيتها، وباتت جميع تصرفاتها، كالفتاة مراهقة "خاضعة للمراقبة من قبل والدها الذي فرض عليها الكثير من القيود والقواعد الجديدة لتربيتها".

تقول عائشة: "كنت أذهب مع جدتي إلى جلسات تلاوة القرآن في المسجد دون رغبة مني، بل بأمر من والدي بهدف عدم بقائي وحيدة في المنزل أثناء غيابه، ظناً منه بأنني قد أرتكب خطأ ما وأشوه سمعة العائلة". وتضيف عائشة: "من السهل بالنسبة لوالدي أن يطلق الألفاظ المهينة ويشتم، فقد كان عصبي المزاج، ينهر ويضرب في حالات الغضب الشديد، كما ينتابه الشك في تصرفات الجميع من حوله، ولا يعجبه الرأي الآخر… لا يهنأ إلا بطاعة الجميع حتى لو كان على خطأ".

وحسب عائشة، إن والدها لم يكن يقبل الحوار، وكان مقتنعاً بطريقة حياته و"تربيته الصالحة"، لكن هذه التربية لم تشمل ولدَيه، فكانت هي الوحيدة المعنية بها، لتجد نفسها بعد مرور السنوات معزولة عن العالم الخارجي وعن صديقاتها، تعيش "تحت الإقامة الجبرية في منزلها"، إذ لم يُسمح لها بإكمال دراستها الجامعية أو العمل، فقط انتظار زوج ما في بيتها المحاصر.

وعن هذه الظروف قالت عائشة "كنت وحيدة وتعيسة ويائسة، حتى صديقاتي من بنات الجيران كنَّ يقمن بزيارتي سراً أثناء غياب والدي الذي حظر صداقتي لهن لأسباب مختلفة، فكارولين بسبب قوميتها الأرمنية ودينها المسيحي، ولمياء لأنها كردية ومن أسرة مسلمة أيضاً، لكن ليس على طريقة والدي، وكانت فاطمة محظورة أيضاً، رغم أنها صديقة الطفولة، بسبب صوت ضحكتها العالي الذي كان يصفها والدي بقلة الحياء".

بداية التمرد

إن أكثر ما دفع عائشة إلى البحث عن معتقدات أخرى بحسب تعبيرها، هو "ذلك التشدد وضيق الأفق من والدها"، حيث شبهت حالتها في تلك الفترة، بالغريق الذي يبحث عن بصيص أمل فيمسك بقشة. لكن في صورة متناقضة، كان شقيقاها يعيشان حياتهما على أحسن ما يرام، "لا قيود على زياراتهما وأصدقائهما وسهراتهما خارج المنزل"، الأمر الذي كان يجعلها، بحسب تعبيرها، تشعر بالغيرة والظلم.

وتتذكر عائشة أثناء استحضارها للكتب التي كان يجلبها لها والدها، نصاً في وصف جهنم يقول:" إن من يدخل جهنم، سيرى امرأة معلقة بشعرها ويغلي دماغها لأنها كانت سافرة، وأخرى معلقة بلسانها والجمرة تنزل في حلقها لأنها كانت لا تطيع زوجها، وأخرى معلقة بثدييها لأنها كانت تمتنع عن مضاجعة زوجها عندما كان يطلب منها ذلك، وامرأة تأكل لحم جسدها والنار توقد من تحتها لأنها كانت تتزين للناس، وأخرى تحرق وجهها ويدها وهي تأكل أمعاءها لأنها لم تغتسل من الجنابة والحيض وغيرها الكثير من القصص المرعبة مثل عذابات القبر المضاعفة للمرأة".

من الإسلام إلى اللادينية

رويداً رويداً، بدأت عائشة تبتعد عن الدين،  بعد أن سئمت تشدد والدها وتعصبه الديني. إذ كانت بحسب قولها، تتساءل مع نفسها "أيعقل أن ينتهي جميع هؤلاء الطيبون من حولي وكذلك جاراتي الأرمنية والمسيحية والكردية والعلمانية وغيرهم إلى نار جهنم وهم بهذه الطيبة والإنسانية؟ من سيدخل الجنة إذاً؟ وهل سيكون والدي الذي يوبخني ويؤلمني ويمنعني من التعامل مع الجيران هو من سيدخل الجنة". وهنا كانت تتمنى لو كانت مجرد ابنة الجيران وليس ابنة والدها،  وتضيف عائشة "كان والدي يصرّ على صيامي عندما كنت حائضاً، لئلا يصبح أمر عدم صومي في رمضان أمراً اعتيادياً، وكان يستشيط غضباً عندما أتأخر في إعداد مائدة الإفطار لدقيقتين أو أكثر، وإذا حدث ذلك، كان صراخه علي يخترق جدران المنزل، لأشعر بالإحراج والخجل من الجيران، إذ لن يصدق أحد أن كل ذلك الصراخ سببه مائدة طعام".

وفي سردها الطويل، أوضحت عائشة كيف هجرت الكتب التي فرضها عليها والدها، وانكبابها على البحث والقراءة في كتب أخرى ممنوعة.

شخصيتين متناقضتين

في ظل هذا التشدد، كانت لعائشة حياتها السرية التي تمارها في غياب والدها، وعن طيبعتها، قالت "كنت متقمصة لشخصيتين في حياتي، واحدة مزيفة، أبدو فيها مؤمنة ومحجبة ومطيعة بلا صوت وبلا اعتراضات، وأخرى حقيقية، كنت أعيشها بين الأصدقاء سرا…".

بعد سنوات من القراءات المتنوعة، تحكي عائشة، اقتنعت بأنه "من غير المعقول أن يحاسب الله أو الخالق العظيم مخلوقاً ويعذبه ويحرقه من أجل قطعة قماش للرأس، أو يذل مخلوق أمام مخلوق آخر لاختلاف الجنس…" وتصف محبتها لله بقولها: "من غير المعقول أن يكون الخالق الذي أحبه وأؤمن به أن يكافئني بحرقي في جهنم لخطأ ما قد أرتكبه، لأنني إنسانة ولست كاملة، والكمال له وحده".

ما يرضي عائشة الآن، بحسب اعتقادها، هو إيمانها بالخالق، الذي لا يستطيع العقل البشري معرفة أي شيء عنه، وعدم إيمانها بالأديان بسبب الاختلافات والخلافات بينها."لم أشعر بسعادة حقيقة وراحة ضمير إلا بعد أن حسمت قناعاتي وتقربت أكثر من الخالق وابتعدت عن الأديان، ولو علم والدي بمعتقداتي، لتبرأ هو وعائلتي مني فوراً، لذا قررت أن أبقي الأمر خاصاً بي ولن أفصح عنه فلا جدوى من ذلك."

وبحسب "بي بي سي" تزوجت عائشة من أحد أقربائها، وهي متفقة وسعيدة مع زوجها ويعيشان في لندن منذ أن تزوجا قبل عشر سنوات. أما اسم عائشة، فهو مستعار وتم بناءً على رغبتها لأنها لا تريد أن تخسر عائلتها.

الدار/ بي بي سي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى