أخبار الدار

في قلب الجدل الدائر.. من المستفيد من عدم إجبارية التصويت؟

الدار / تحليل إخباري: رشيد عفيف

إثارة فرضية التصويت الإجباري في انتخابات 2021 التشريعية ليس مجرد بالون اختبار أو قضية للمناقشة، إنه يعكس في العمق توجها رسميا يحاول إعادة تنظيم المشهد السياسي والمواقع الحزبية في الخارطة الانتخابية من خلال التأثير على ديمغرافية الناخبين. هذا الهدف غير المعلن هو الذي دفع وزارة الداخلية إلى العودة لطرح هذا النقاش خلال لقاءات أجرتها وزارة الداخلية، في الأسابيع الماضية، مع بعض قادة الأحزاب السياسية، ورغم أن بعض المصادر الإعلامية ذكرت أن اللقاءات التي أجرتها وزارة الداخلية مع مكونات سياسية جاءت في إطار فتح مشاورات حول موضوع التصويت الإجباري إلا أن العودة مرة أخرى لإثارة هذا الموضوع رغم التحفظ الذي تم رصده في مناسبات سابقة يؤكد أن هاجس الخريطة الانتخابية المقبلة بدأ يكبر.

ورغم أن وزارة الداخلية لم تتخذ أي قرار بعدُ في اتجاه إعداد مشروع قانون يُلزم المغاربة بالتصويت، وتعتبر أن الأمر سابق لأوانه، إلا أن هذا الملف سيثير خلافات واسعة في المستقبل بين مختلف الأحزاب السياسية. فمن المؤكد أن مواقف الأحزاب من هذه المسألة تختلف بالنظر إلى اتساع أو ضيق دائرة المصالح الانتخابية المحرزة في الاستحقاقات الأخيرة والتي كان العزوف عنوانها الرئيسي. فقد سجلت الانتخابات التشريعية لسنة 2016 مشاركة سياسية ضعيفة بلغت 43 في المائة؛ إذ صوت في الانتخابات ستة ملايين و750 ألفا من أصل قرابة 16 مليون مغربي مسجل في اللوائح، وفق أرقام صادرة عن وزارة الداخلية.

ويعتبر بعض المراقبين أن استمرار العزوف الانتخابي يخدم مصالح أحزاب سياسية معينة ويؤثر على أخرى. ويأتي حزب العدالة والتنمية على رأس المستفيدين من استمرار العزوف، بالنظر إلى أنه يتمتع بقاعدة متعاطفين ومنخرطين تتميز بقدر كبير من الانضباط الانتخابي يجعلها خزانا للأصوات بينما تجد الأحزاب الأخرى سواء في الأغلبية أو المعارضة نفسها مجبرة على النحت في الصخر بحثا عن أصوات الناخبين. وهذا ما يفسر في نظر هؤلاء المراقبين عودة الحديث عن التصويت الإجباري بعد أن استشعرت السلطات أن استمرار العزوف سيؤدي إلى استنساخ النتائج الانتخابية الماضية التي تصدرها حزب العدالة والتنمية، ولن يسمح ببروز فاعلين سياسيين آخرين في واجهة التدبير الحكومي.

هذا التفسير يجد مصداقيته في كون حزب العدالة والتنمية أحد أكثر الأحزاب معارضة لفكرة التصويت الإجباري والدليل على ذلك أن الاقتراح لم يأت من رئاسة الحكومة التي يمثلها الحزب وإنما من وزارة السيادة التي تمثلها الداخلية. في 2014 اقترح حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي تقنين إجبارية التصويت وترتيب غرامة تصل إلى 500 درهم على الذين لم يدلوا بأصواتهم خلال الانتخابات. وقد تبين حينها أن أحزاب الحركة الوطنية استشعرت أن حظوظها في الانتخابات الجماعية لسنة 2015 لن تكون كبيرة في ظل منافسين قويين أحدهما حزب العدالة والتنمية الذي كان متصدرا لنتائج الانتخابات التشريعية، وثانيهما حزب الأصالة والمعاصرة الذي يمثل ماكينة انتخابية قوية خصوصا في العالم القروي.

لكن معارضة الاقتراح بإجبارية التصويت جاءت صراحة من حزب العدالة والتنمية رغم أنه سبق له أيضا أن رفع مذكرة إلى وزارة الداخلية قبل الانتخابات الجماعية، تضمنت اتخاذ إجراءات زجرية ضد المتخلفين عن التصويت عبر التنصيص على إجبارية التصويت. لكن القرار الحزبي الرسمي واكبه معارضة من بعض قيادات وأعضاء الحزب الذين تكفلوا بالتعبير عن الموقف الحقيقي المعارض لإجبارية التصويت. جاء ذلك على لسان عبد العزيز أفتاتي، القيادي في حزب العدالة والتنمية، الذي اعتبر أن على الأحزاب المقترحة لقانون التصويت الإجباري، احترام ذكاء المواطن، ف"التصويت عملية إرادية، ولا يجب أن تكون بالإكراه"، مضيفا حينها أنه "قبل فرض التصويت الإجباري على المواطن، يجب مراجعة النخب المهيمنة على الأحزاب، وتصحيح الأوضاع السياسية وتنقيتها من المفسدين، حينها لن يجد المواطن نفسه مجبرا على التصويت، بل سيذهب من تلقاء نفسه".

وإذا كان حزب العدالة والتنمية من أكبر المستفيدين من عدم إجبارية التصويت بالنظر إلى الخزان الانتخابي الاحتياطي الذي يمتلكه، فإن بقية الأحزاب وعلى رأسها حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي يدافعان بشراسة عن ضرورة فرض إجبارية التصويت في محاولة لتدارك الفجوات الهائلة التي طالت نتائجهما الانتخابية منذ 2012 حيث عرفا تراجعا كبيرا من تصدر المراتب الأولى إلى تدني كبير على مستوى النتائج في ظل تصاعد مستمر لحزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة + ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى