“اقرأ”.. هل أصبح “فعل أمر” عصي على التطبيق بالمغرب
الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز
هل تقرأ؟ ماذا تقرأ؟ وهل أمة اقرأ تقرأ؟…هذه أسئلة من ضمن أهم التساؤلات التي يجب أن نعتد بها في أفق إنجاز استطلاع يسائل علاقة المغاربة بالمطالعة والقراءة، خصوصا وأن حسن توظيف الوقت، وتخصيص جزءا منه للقراءة هو التحدي الذي يقف في معظم الأحيان عائقا أمام منع المرء من الارتباط بالكتاب في الحياة اليومية.موقع "الدار" يبحث في خلفيات الموضوع.
لا يمكن أن تتضح الرؤية عن طبيعة العلاقة التي تربط المغاربة بالقراءة، دونما الحديث إلى العارفين بشؤون الكتاب بالمغرب، خصوصا وأنهم يفقهون جيدا حدود العلاقة الرابطة بين الإثنين، المواطن المغربي والكتاب، وهل هي علاقة فتور يطبعها الهجران أم علاقة يشد فيها الكتاب من عضد المطلع في حياته اليومية.
"القراءة معضلة العالم العربي بأسره"
خديجة رقي، رئيسة المكتب الوطني لشبكة القراءة بالمغرب، تقول في تصريح لموقع "الدار" إن مشكلة القراءة لا تعتبر حكرا على المغرب فقط، بل هناك العديد من الدول العربية التي تشكو من هذه المعضلة خصوصا وأن الأرقام تحدثنا عن هول الظاهرة، مشيرة إلى أنه أمام الضعف المهول للكتب التي يشرف على إصدارها الكتاب المغاربة، وأمام الأرقام الصادمة التي تفيد عن وجود عزوف كبير عن القراءة، قررت ثلة من الباحثين والأدباء خلق هذه المبادرة ذات الأهداف الفكرية المحضة، في أفق تشجيع الشباب على القراءة، وتبني مواقف إيجابية من القراءة، موضحة أن هذه الأسباب هي التي تفسر أسباب نزول شبكة تنمية القراءة في المغرب.
وأضافت الباحثة أن الهدف الأساسي الذي تنشد الشبكة تحقيقه، يكمن في خلق الرغبة والشغف بالقراءة، خاصة لدى الشباب بالنظر إلى الأهمية الكبيرة التي تحتلها القراءة في حياة هذه الفئة، حيث يتم العمل على إصدار مجموعة من الفعاليات التي تتاح فيها الفرصة للمشاركة في الكتابة والتأليف، في محاولة لتقريب الشاب من كواليس عالم الكتابة والإبداع.
"القراءة…مرادف الانفتاح الفكري"
أما عن أهمية القراءة في الحياة اليومية، فتقول إن القراءة هي المرادف للانفتاح الفكري، والإطلاع على ثقافة الحضارات والبلدان الأخرى، باعتبار أن القراءة هي مفتاح تقدم الشعوب من خلال عملية المثاقفة التي تتطور من خلالها قدرات الشعوب الفكرية عن طريق الأخذ والعطاء.
"القراءة هي حالة من العطاء الوجداني والطمأنينة الروحية"
وتحيلنا الباحثة خديجة رقي في هذا الصدد، على أهم التعريفات التي قدمتها بخصوص القراءة، من خلال قولها: "هي أن نعيش الحياة التي نختارها في وطن جديد يليق بأحلامنا وهي الحفاظ على دهشة هذه الأحلام، هي انفتاح على الديانات والمعارف الأخرى والاقتراب أكثر من الإنسان، كيفما كانت ديانته أو معارفه أو هويته… القراءة تعلمنا أن الهويات المنفتحة والمتجددة أكثر قدرة على التعايش من الهويات الصلبة والمنغلقة والموروثة. القراءة هي البحث المستمر عن حالة من العطاء الوجداني والطمأنينة الروحية".
وبخصوص تحسين علاقة المواطن المغربي، تشير الباحثة رقي أن الفعاليات الأساسية التي تبادر بها الجمعيات وباقي هيئات المجتمع المدني تظل هزيلة، ومن ثم فإنها لا تمثل العصا السحرية التي بوسعها أن تحل هذه المعضلة التي تعتبر بمثابة إشكالية كبيرة، بل الدولة وجميع هياكل المجتمع بما فيها الأسرة عليها أن تنخرط بفعالية للبث في الموضوع، وتشجيع الشباب على القراءة.
مواقع التواصل الاجتماعي تجس النبض
في استطلاع رأي انطلق من مواقع التواصل الاجتماعي، لوحظ أن موضوع القراءة أثار انتباه العديد من المتدخلين والناشطين المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أكد الشاب "ادريس السوسي" أن نسبة القراءة في العالم العربي هي دقيقتين لكل فرد لا تكفي سوى لقراءة فواتير الكهرباء والماء، مشيرا أن تحبيب القراءة للطفل العربي تبدأ من المنزل وليس من المدرسة، ويضيف: تعلمنا أن نقرأ كتبا خارج المقررات المدرسية مع التشجيع من طرف المعلمين، كانت لدينا خزانة صغيرة مملوءة بالقصص تكتري واحدة بعشر سنتيمات ويطلب منك أﻻ تتعدى أسبوعا، وبتلك المبالغ البسيطة كنا نشتري أخرى لملء الخزانة" يقول الشاب، ويضيف أن القراءة كالإدمان على النيكوتين أو الكافيين يجب فقط ترسيخها لدى الناشئة وسيستمرون في استهلاك الكتب.
بدورها، تقول رقية الإدريسي، أن الأغلبية يفضلون استعمال الهاتف على تصفح الكتب وقراءتها، فالتكنولوجيا سهلت البحوث، مشيرة أنها دمرت عقول الأجيال و"جعلتنا قوما تستهويه الأجوبة الجاهزة.. نحن نحتاج للعودة وبقوة للقراءة" على حد تعبيرها، كما أضافت أن القراءة اليوم أصبحت في عداد الأشياء الثانوية، وأوضحت أنه آن الأوان لأن ندق ناقوس الخطر لأمة إقرأ التي لا تقرأ للأسف .. ما اعتبرته سببا أساسيا ساهم في ما وصلت إليه قيمنا من تدهور.
"ﻻ يهم كم كتابا قرأت المهم هو ماذا قرأت، وماذا فهمت مما قرأت، فهناك كتب تزيدك جهلا وتخلفا فكريا وهناك كتب تضيء عقلك وقلبك وتترفع بك عن التفاهات، أكثر من ذلك فإن القراءة غذاء للروح فلا بد لنا من المطالعة لمواكبة التطور والتحضر فنمو وازدهار الشعوب لا يكون إلا بالقراءة"، تقول صفاء رامي الطالبة المغربية التي تتابع دراستها في سلك العلوم السياسية، وتضيف في تصريح لموقع "الدار" أن السياسة التعليمية المنتهجة في البلاد العربية هي المسؤولة عن تدمير الأجيال.. هذه الأخيرة التي لا تفقه معنى للكتاب ولا الأدب ولا الثقافة، فالمشكلة عميقة وليست عابرة.
"العزوف غن القراءة سبب ضعف التحصيل الدراسي"
في السياق ذاته، يضيف الشاعر والباحث في الأدب العربي، نجيب طاهري في تصريح لموقع" الدار"، أنه ومن خلال التجربة التي راكمها في مهنة التدريس، اكتشف أن المعضلة الأساسية التي تحد من العطاء الفكري والمردودية المنتظرة في التحصيل الدراسي هو القصور الكبير الذي يطال علاقة الطالب المغربي بالكتابة، مؤكدا أن عددا ضئيلا من الشباب يعكفون على تخصيص وقت محدد للقراءة والإطلاع، وهو ما اعتبره بمثابة ناقوس خطر يجب أن تعيه الفئة المثقفة والنخبة حتى يتم تجاوز الإشكالية القائمة، خصوصا وأن المؤثرات الحالية والتي تنجرف باهتمامات الشباب والطلبة كثيرة وتعتبر دخيلة على المجتمع المغربي وغالبا ما تتسبب في تشتيت الانتباه وعدم التركيز على التحصيل الدراسي، مشيرا إلى أن المسؤولية ملقاة بالدرجة الأولى على الفئة المثقفة والنخبة التي يتعين عليها أن تعكس الصورة الإيجابية، من خلال تبني الدعوة إلى إحياء العلاقة مع الكتاب، ما يستدعي بدوره الاهتمام بالمثقفين وإعادة الاعتبار لهم داخل المجتمع حتى يتمكنوا من تدشين مبادرات لتشجيع القراءة في المجتمع المغربي.