فن وثقافة

الدار في حوار مع الكاتب الموريتاني مؤلف “كتاب الردة”؟

 حاوره: سعيد المرابط

ضيفنا موريتاني، عاش بالمملكة السعودية، فجمع بين مشرق العروبة ومغربها؛ أدبا وثقافة وحتى هوية.. كاتب من بلاد المليون شاعر، وشاعر في وسط مشرقي يكتظ بالكتبة، له ثورية خاصة في الكتابة، تحدى بها أحذية العسكر الخشنة، وهو أعزل إلا من قلمه، فأعطى خزانة الأدب العربي، رواية جمعت في أحداثها ما قال عنه النقاد؛ أنه يلخص -مفارقات في غرب إفريقيا-، عبر إماطة النقاب عن مشاكل الصراع الإثني، في أفريقيا، من خلال استحضاره، برؤية أدبية فنية، ما وقع في غرب في موريتانيا أبريل 1989، من أحداث دامية بين ذوي البشرة السوداء والبيضاء، إبان الصراع الموريتاني السينغالي، وعنون باكورة أعماله الروائية تلك بعبارة ”تيرنجا“، وكان قد سبقها له ثلاثة دواوين شعرية: ”أبجديات أخرى“ الصادر في ال1997، ”قواف وأصداء“، صدر في العام 2007، و”الحالات والمقامات“ الذي رأى النور سنة 2010.

عمله الأخير، ”كتاب الردة“، كان نصاً كإسفنجة مبللة تمتص أدخنة مباخر الكهنوت، وعمداً يوقف أمام المرايا، عاريا؛ ذلك اللامرئي- إلا في التواري- لمجتمع ظلت عفونته، متشحة ملاحف الورع ستراً، ودراريع التقوى الفضفاضة مواربةً، من حقيقته المتقيحة، ”طافياً على غيمة التبغ“، التي افتتح بها عمله. 

فخرج ”محمد فاضل“ هذه المرة، متزنرا قلمه مشرطاً يشرح به جسد موريتانيا الحنطي، كاشفاً لتناقضات التدين والدين، فاتحا الباب أمام تساؤلات جمة، من بينها هل نحن مسلمون، متأسلمون، أم متمسلمون؟!..

حول ”تيرنجا“، و”كتاب الردة“، تحاور صحيفة ”الدار“، الكاتب الموريتاني، لتنقله للقارئ، من خيال الكتابة، إلى أرض الواقع.

محمد فاضل، أهلا وسهلا بك معنا على صحيفة ”الدار“، وهلا عرفت لنا القارئ، بمن هو محمد فاضل عبد اللطيف في كلمات؟.

 أهلا بك، بداية؛ محمد فاضل هو مواطن عربي، ينتمي لهذا الوطن العربي كله، ويحمل هموما عادية، على إعتبار أن كل مواطن عربي يحمل هموما فوق طاقته.

– كونك موريتاني-سعودي، تجمعت فيك جينات مشرقية ومغربية لإنسان عربي، هل شكل لك ذلك يوما عائقا، أم كان ذلك التنوع حظوة لك؟.

تعدد أشكال الانتماء؛ يعني مقدرة الإنسان على تقبل أكثر من فكرة وموالاتها، وهو أمر إيجابي، ومن الرائع أن يعي الإنسان هذا التنوع، ويحتفل بقيم الإختلاف ونعم التعدد، لأن التعدد صفة طبيعية خلاقة، على عكس التفرد، الذي هو صفة إلهية، لا تناسب الإنسان.

-بمعنى؟

حسنا؛ قد يبعدنا هذا عن الجواب الدقيق، لكن عدم وعي الإنسان بقيم التعدد يوقعه في إشكالية أزمة الهوية!.

– أنت شاعر من شعراء الألفية الجديدة، وروائي تنتسب للكتاب الحداثيين العرب، هل يوجد صراع داخلك بين الشاعر والكاتب، وهل يقبل الشاعر فيك بالكاتب، فالرواية أرض شاسعة بينما القصيدة ضيقة إذا ما قارناهما ببعض، أم أنهما يمشيان بك بنفس الحذاء؟!.

أعتقد أن الرواية والشعر لا يشكلان إزدواجية متنافرة، ربما يعثر المرء على صيغة تشارك، و(ميتزا ترا) خاصة به، وأنا أعتبر الرواية جانبا واعياً، والشعر جانبا حالما، ولا غنى عن تلك الأبعاد لشخصيتي.

– ماذا يريد أن يوصل عبد اللطيف، من خلال نص تيرنجا؟، محاولة لنبش جراح الماضي، أم مصالحة مع التاريخ من خلال اللغة والأدب؟.

لاشك أنها مصالحة، ولنقل إنها مكاشفة، وهي خطوة أولى، إذ أن المصالحة تعني عملية يقوم بها طرف ثالث.. وأنا في هذه الحال ابتدر مسؤولية تاريخية وإنسانية،  وأكاشف النشء بتلك الخوابي، بيد أن مسؤولية المصالحة تقع على المؤسسات الرسمية -في البلدين-؛ فهي القادرة على تجاوز تلك الثقوب السود حين تطرح الأمر بشكل جدي.

– بالنسبة لروايتك المعنونة ب”تيرنجا“، والتي من الوهلة الأولى، يظن القارئ عند وقوفه على عتبة العنوان، قبل اقتحامها؛ أنه يشير إلى بلاد السنغال، لماذا اختار عبد اللطيف هذه -الكنية- إن صح التعبير، عنوانا لروايته؟.

هو عنوان من فئة الكوميديا السوداء، إشارة إلى الضيافة الحميمة التي تلقتها الجاليتان في البلدين، وهي من جهة تقنية على صلة بتقنية ”المفارقة“، المستخدمة بكثرة داخل الرواية.. أما لماذا استخدمت هذه الكلمة الولوفية بالذات؛ فذلك لجعلها مدخلا يشرك تلك الثقافة الجارة والوطنية في هذا العمل عربي اللسان.

– روايتك ”تيرنجا“، تصنف ضمن نوع الرواية التاريخية، فعندما كنت في مطبخ كتابتها، هل وضعت خطوطا حمراء للعمل؟، أم أطلقت له العنان؟. 

لا أصنفها كرواية تاريخية، فهي أقرب إلى الواقعية الحديثة. وأما من جهة المنهج والرقابة؛ فقد عمدت إلى كسر حتى رقابة القارئ على الكاتب، واستخدمت ضمائر تتحرش بذائقة القارئ أحياناً، وكنت حريصا على الكتابة بحرية تامة.

هل كان لديك تخوف ما من الرقابة أو من غضبة نظام العسكر في بلدك. ففي الرواية، مثلت الشمولية بمعد الشاي الواحد، وقلت ”أن الحرية في موريتانيا مثل الشاي الأخضر، يعدها واحد ويقسمها على دفعات“؟!. 

لعل تلك الشمولية أو الفردية بشكل أدق ملاحظة في مجمل التاريخ البشري، فغالبا ما كانت المبادرات والأفكار المحركة للتاريخ تجيء من شخص واحد.

– قسوت على الشعب الموريتاني في ”تيرنجا“،  هل السبب هو ما عشته أثناء تلك الأحداث الدامية، وما شهدته موريتانيا من تقتيل ومن تذبيح وموت وإلى آخره؟.

لم أقسو على الموريتانيين، بل كنت حريصا على تبرئتهم، وإلقاء المسؤولية على الحكومتين في البلدين، ولعل هذه من المغالطات التي تشعرني بقصور أدواتي في تبيين ما قصدت، وعدم وضوحه أحيانا.

– الرواية حازت على جائزة الشارقة للإبداع، وتجاوب معها القراء العرب بإعجاب باهر، لكن، كيف استقبل القارئ الموريتاني ”تيرنجا“؟.

– أعتقد أن القارئ الموريتاني إحتفى بها أكثر من القارئ العربي، وقد حركت ساكنا في بحيرة الثقافة الراكدة هناك، إلا أن تلك الحركة لك تمس أوثان الثقافة المتكلسة، وحسبها أنها خاطبت الأجيال الجديدة المكونة من طينة أكثر بشرية.

– أومن أن عبقرية الكاتب وخياله ليس لهما حدود، وأن الرواية بنت زواج الواقع بالخيال، ولكن؛ ألا تخشى من أن تصبح ”تيرنجا“، نوعا من التأريخ الصرف، كما حدث مع العديد من الأعمال الأدبية. 

لا أخشى أن تتحول إلى كتاب تاريخ لأنها لا تمتلك أسس الكتابة التاريخية، وإن حدث فذلك شيء رائع.

-في عملك الثاني، ”كتاب الردة“، اتجهت شرقاً، نحو السعودية، حيث تقيم، وكانت تيمة الرواية، تدور حول المجتمع الموريتاني، في السعودية، حدث قراء ”الدار“، عن هذه الرواية التي كانت لها ضجة وزوبعة، في موريتانيا.

تتحدث الرواية عن أزمة التدين، وعن المذهبية والصراعات التي كانت تدور بين السلفية والأشاعرة، في منتصف التسعينات في السعودية والتشظي الذي حدث داخل السلفية، وتتحدث كذلك عن أزمة الهوية التي كانت تعصف بالشناقطة المولودين في السعودية، من الجيل الثالث الذين هم ليسوا سعوديين قانونيا وليسوا موريتانيين من ناحية الإنتماء والتربية والثقافة.

كما تتحدث عن بعض المشاكل الإجتماعية داخل الجالية الموريتانية في السعودية، وهي من نوع من الروايات بدأ يظهر مؤخرا ويكسر وحدة الموضوع، ويتناول طائفة من الأفكار، وهي عبارة عن ساحة نقاش، وتلك عادة لا تكون أحادية الموضوع وغير مزورة، ويجعلها أقرب للنقاش الطبيعي وذات سمات اجتماعية بارزة، وقد تركز على موضوع معين ولكنها تفتح عدة نوافذ للنقاش.

-لكن، لماذا تعرضت الرواية، لهجمة شرسة وتشويه من الموريتانيين؟

قبل طرح الرواية في معرض الرياض للكتاب، تسربت منها بعض النسخ للجالية وقرأها الشناقطة واعتبروا أنها تسيء للمجتمع الشنقيطي، في السعودية مُقوّلين الرواية ما لم تقله، وربما يعود ذلك إلى أنهم لأول مرة يجدون أنفسهم موضوعاً لعمل أدبي أو حتى كتاب، فهم جالية شبه خاملة لا يتحدث عنها أحد، ولا يتعرض لها الإعلام إلا نادرا، وإذا حدث ذلك فيكون الحديث عنهم سلبيا، ولذلك ظنوا أن الرواية تعمم مساوئهم لأن أحداثها تدور بين هذه الجالية.

ولكي يشوهوا الرواية قاموا بعملية اجتزاء للنصوص، واجتثوا مقاطع واقتباسات منزوعة  من سياقاتها لكي تحمل أفكارا أخرى، وتظهر على أنها إساءة للمجتمع الشنقيطي من ضمنها كلمات جارحة على لسان بعض الشخصيات السيئة عن بعض العلماء معتبرين أن المؤلف يوجهها إلى أولئك العلماء، واعتبروا بطلة الرواية التي كانت تمارس “المسيار” كنموذج للفتاة الشنقيطية، بينما الرواية حاولت تبرئة الفتاة الشنقيطية، وبالطبع تتحدث الرواية عن مجتمع وعن ظواهر اجتماعية، وتتحدث عن أصالة المجتمع وتحاول تقديم وجهه الحقيقي، وتبرز بعض المشاكل في المجتمع وتضعها في إطاره الزمني.

-هل أثر هذا على محمد فاضل الإنسان، أم غلب عنفوان الكاتب؟

الحملة فشلت في منع الرواية، ولكنها نالت مني شخصيا ومن عائلتي، ووصلت هذه المجموعات لمستويات حقيرة لا أستطيع وصفها من خلال التشهير بي وتشويه سمعتي، خصوصا في مجتمعنا الشنقيطي المحدود الذي تسري فيه الشائعات بسرعة. 

وقد وصلتني اتصالات من كل مكان؛ من موريتانيا ومن السودان ومن أوروبا والخليج، وغيرها وهي اتصالات من غاضبين يعتبرونني أسأت إليهم وارتكبت في حقهم جناية، وكل ذلك بسبب هذه الحملة التي تم التشهير فيها بالكتاب وبي وبعائلتي، وتم تقديمي كحاقد على الشناقطة وتاريخهم وتراثهم.

 

-محمد فاضل عبد اللطيف، شكراً على قبولك الدعوة، وعلى إجاباتك عن مافي جعبتنا من أسئلة، ولقد شرفت صحيفة ”الدار“، بهذا الحوار.

شكراً لإستضافة والأسئلة الرحيمة الجميلة، وأتمنى لكم التألق والتقدم، ولهذا الموقع حياة ثقافية مزدهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين + تسعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى