المواطن

إكرام… التحدي والممانعة عنوان النجاح

الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز

 

الأثر الحسن، أو فلنسميها القدوة، كلها مسميات تفيد المعنى الواحد، إنه ذاك المعنى الذي غالبا ما يقترن بطابع الذاتية، وإن دل على شيء فإنه يدل حتما على شخص بعينه، وهذه أمور كلها تقترن بالعرف المنطقي الذي لا يجانب الصواب، غير أن الأمر يصبح مثارا للوقوف والتأمل، حينما يتعلق الأمر بأشخاص مصنفون في خانة ذوي الاحتياجات الخاصة، غير أنك حينما تتأمل تفاصيل حياتهم، تدرك حتما أن الحياة أوجدتهم ولسبب لا يجب أن ينصرف إلا بعد أن ينثر بين الأرجاء الرسالة التي خلق من أجلها هذا الشخص، إنها رسالة الأمل والتحدي.

 

الإعاقة لا تعدم الرغبة في إثبات الذات

إكرام البالغة من العمر 20 سنة، والتي تنحدر من مدينة فاس،  تعشق السفر وتشد الرحال إلى العديد من المدن دون أن تحدد وجهة بعينها، زادها وحقيبتها يرافقانها أينما حلت وارتحلت، حيث أن الرغبة في استكشاف المغرب والتعرف على سكانه الذين ينحدرون من مختلف المناطق هو هاجس يسكنها منذ الصغر، غير أن المثير في الشابة إكرام هو تجاوزها للتحديات والمعيقات، خصوصا وأنها ظلت تكتنز هذه الرغبة في استكشاف المغرب بالرغم من كونها تعاني إعاقة مستديمة، فإكرام مبتورة اليدين اليمنى واليسرى معا، غير أن هذا الأمر لا يثنيها عن طي المسافات والكيلومترات الطويلة في سبيل إشباع الرغبة التي تصفها ب "الجامحة" في التجوال والترحال بين مختلف ربوع المملكة.

 

كسب الرهان والتحدي…جزء من وجودنا

الإعاقة الجسدية، أو العاهات التي تدلي بدلوها في عرقلة الحياة اليومية للإنسان، لا تقيم لها إكرام أي اعتبار يذكر، بل تؤمن قطعا أن قيمة الإنسان تكمن في مدى إصراره على العطاء والتحدي، والسير قدما نحو العطاء والعمل، معتبرة أن المعيقات والتحديات هي العامل الذي يشحذ العزيمة حتى تكون في المستوى المطلوب في أفق تحقيق أحلامها، التي "مهما طال أمدها وامتدت المسافات الفاصلة بيننا وبينها، وجب علينا أن نحققها، لأن ذلك يعتبر جزءا من وجودنا الذي لا يجب أن تشوبه الشائبات".

 

 

إكرام: "أينما وجد التحدي…فأنا أتواجد هناك"

في تصريح خاص لـ"الدار" تفيد إكرام أنها تعشق الطبيعة، الأمر الذي يحملها على الاستمرار في التنقيب عن المساحات الخضراء التي تكسوها الحبال والهضاب، معتبرة الأمر فسحة للروح والجسد، فهي تعتبر السفر مبدأ أساسيا لما فيه من ترويح عن النفس وتجديد للطاقة والرغبة في العمل، وتؤكد إكرام أن من كبريات الأحلام التي تعيش على أمل تحقيقها هو استكشاف جميع مناطق المغرب، على اختلافها لتتمكن حينها من الشروع في المغامرة الثانية وهي المتمثلة في استكشاف العالم بأسره.

 

"أحب السفر والدراسة…لكن لازلت في بداية الطريق"

ما يميز إكرام هو خلق التوازن في الحياة اليومية الأمر الذي تعتبره أساسيا في الحياة، خصوصا وأنها تنكب على العديد من الأنشطة في حياتها اليومية، فإلى جانب السفر الذي أصبحت عادة قارة في نشاطاتها اليومية، فإنها تحرص على إتمام دراستها الجامعية التي تتابعها في مدينة فاس، حيت اختارت  الحقوق كمجال للتخصص، معتبرة أن هذا المجال يتميز بالقابلية للانفتاح على الآفاق العلمية المتفرعة على مختلف التخصصات، أكثر من ذلك فإن المثير في حياة إكرام هو أنها تحرص على إيصال مجموعة من الرسائل ذات الحمولة الإيجابية، موضحة أن الأمر يتعلق بالكم الهائل الذي يصلها من الرسائل من قبل أشخاص وصلوا إلى حالات ومواقف ميؤوس منها على حد تعبيرها، غير أن حياتهم تغيرت مباشرة بعدما اطلعوا على حياتها المثقلة بالعديد من الصعاب التي تتبخر أمام القدر الكبير من العزيمة الذي تتسلح به.

أثناء الحديث مع إكرام، يتبين أن الأحلام التي تكتنزها بدواخلها تتجاوز حدود المتخيل، لتشمل التحديات الكبرى هذه الأخيرة التي تستلزم الصبر والإصرار على النجاح، خصوصا وأنها تؤكد بالرغم من النجاحات التي تمكنت من تحقيقها لحد الآن إلا أنها تعتبر نفسها في بداية الطريق، هذا الأخير وإن لم يكن معبدا بالورود كما حلمت به، إلا أنها تقول إنها تعكف على تنقيتهمن الشوائب والتحديات التي قد تقف عائقا يحول دون تحقيق الذات في الحياة.

إن المتأمل في حياة هذه الشابة اليافعة، يدرك قطعا أنها تقدم العديد من الدروس التي وجب تصفحها، خصوصا وأنها تحرص على الاشتغال والمتاجرة في العديد من المنتوجات المصنعة، في محاولة أولية لتحمل تكاليف الدراسة وكذلك المصاريف التي تحتاجها من أجل التنقل والسفر، وتؤكد في هذا الجانب أن الاعتماد على النفس يعتبر ضرورة أساسية في الحياة اليومية، في  أفق ترويض الذات على تحمل المسؤولية، والإصرار على تحقيق الطموحات والمشاريع التي يخطط المرء للوصول إليها في وقت محدد.

 

إكرام …الحياة تمضي ولا تنتظر أحدا

من أكثر العبارات التي ظلت موشومة في الذاكرة، هو قول إكرام "إن الحياة تمضي وبسرعة، الحياة لا تنتظر أحدا للحاق به، ليست هناك دورات استدراكية لتدارك ما يفوتنا من الحياة"، بهذه الكلمات المشحونة بالأمل تمكنت إكرام من التأثير في العديد من الأشخاص بعدما انحرف بهم الأمل عن الطريق الصائب، وتؤكد أنها لم تعتبر من ذي قبل ما ألم بها من قدر "إعاقة"، بل تعتبرها اختلافا وهبة ربانية، لأنها العامل الفاعل من وراء الأمل والطاقة الإيجابية التي تتمتع بها، أكثر من ذلك فإنها تؤكد في جميع التصريحات التي قدمتها، لو عاد الزمان بها إلى الوراء وخيرت بين أن تكون لها أيد وأطراف عادية، وبين أن تولد وهي محرومة من اليدين كما هو الشأن اليوم، لكان الاختيار على ما هي عليه اليوم، معتبرة أنها تمكنت من قبول ذاتها كما هي بفضل تصالحها مع ذاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر + ستة =

زر الذهاب إلى الأعلى