المواطن

حكايات لاجئين بالمغرب.. هاربون يروون لـ”الدار” لحظات الرعب

الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز

يكاد اللاجئ السوري يصبح عنصرا بارزا في المشهد اليومي المغربي، خصوصا  بمدينة الرباط التي أصبحت تشكل مجالا جغرافيا لاحتواء مجموعة من الأسر السورية، الذين انعتقوا من أسر الحرب والتنكيل الذي تعرضوا له بسجون داعش، إلى جانب ويلات الحرب التي خلفت مجموعة من الخسائر التي طالت المستويات جميعها، غير أنها وكما يبدو نالت من الجانب النفسي للاجئين أكثر من أي جانب آخر على حد تعبيرهم.

توجهنا لمدينة تمارة وارتباطا بالموضوع ذاته تواصلنا مع لاجئين آخرين يقطنون حاليا بألمانيا، لنكتشف أن اللاجئين يحملون معهم الكثير من الاضطرابات النفسية التي كانت نتاجا فعليا للتعذيب الذي أجبرهم على العيش تحت رحمته اضطرارا  لشهور عدة، غير أن الهروب من هذا الواقع لم يكن السبيل الكفيل بتخليصهم من ثقل ظل قرينا بهم، كون العديد من هؤلاء اللاجئين وجدوا أنفسهم ضحية الاستغلال الجنسي، ليصبحوا عملاء جنس في شبكات وخلايا للدعارة تنشط عبر مختلف أنحاء العالم، بما فيها المغرب وألمانيا.

كانت شهادات أقل ما يمكن القول عنها أنها صادمة، تقودنا إلى إنجاز هذا الروبورتاج الذي وقفنا من خلاله على مجموعة من المعلومات البارزة، والتي تخص بالأساس الشباب السوريين  الذين سبق وتم اعتقالهم في منظمات داعش بسوريا، وهم الآن ينشطون إما اختيارا أو اضطرارا في شبكات الدعارة بالمغرب وآخرون بألمانيا، منهم من برروا ولوج هذا بصعوبة تحصيل لقمة العيش في البلد المستقبل الذي يظل غريبا كالمغرب.

 

"خالد نوار"…معتقل سابق وشاهد عيان

خالد نوار شاب سوري يبلغ من العمر 28 سنة، بعد ساعات طويلة من الحديث تمكن من الاقتناع، بهدف مشاركتنا كواليس التعذيب التي طالت حياته لفترة طويلة، ليقرر بعدها أن يحط الرحال بالمغرب ويستقر بمدينة الرباط، غير أن التحدي الأكبر كان هو إقناعه للبوح بقصص إنسانية للاجئين آخرين اعتبرها أسرارا، لكن في النهاية تمكن من الإفصاح عن هذه القصص التي اعتبرها مآسي إنسانية ضاربة في الألم والمعاناة، خصوصا وأن معظم هؤلاء الشباب ذكورا أو إيناثا التحقوا اضطرارا بشبكات دعارة استقطبتهم بطريقة أو بأخرى للاشتغال تحت رحمتها.

يقول نوار في حديث لموقع "الدار" إن الفقر وصعوبة الاندماج هي أهم الأسباب التي يعتد بها معظم اللاجئين لتبرير اختيارهم الاشتغال بشبكة الدعارة التي يقول عنها نوار  'إنها تستقبل جنسيات من مختلف  البلدان".

 فهذه الأسباب كانت كما أكد على ذلك "نوار" الدوافع المباشرة التي جعلت منهم أشخاصا غير قادرين على الاندماج في الحياة اليومية بشكل عادي، كونهم تعرضوا إلى جانب التعذيب للاغتصاب الجماعي، وهو الأمر الذي خلف مجموعة من الأضرار النفسية، وكذلك العائلية بعدما أصبحوا غير قادرين على مسايرة التأقلم فاختاروا العيش بالمغرب تحت رحمة شبكة دعارة مكونة على حد تعبيره من نساء ورجال مغاربة وآخرون سوريون يعيشون تحت رحمة المال الذي يكسبونه من الاتجار في أجساد أباحت العلاقات غير الشرعية بكثير من البرودة.

تأكد هذا الأمر من خلال المعطيات التي أفاد بها نوار والتي تتلخص في كون أن اللاجئين السورين يستغلون من طرف أشخاص مجهولين، لاستعمالهم في التسول أمام مساجد بمدينة الرباط كنموذج حي على الاستغلال،  وكذلك المقاهي والأماكن العمومية، بهدف تحقيق الربح السريع على حساب هؤلاء اللاجئين الذين هربوا من ويلات الحرب فوجدوا أنفسهم في قبضة هذه الخلايا المجهولة، التي تستغلهم لتحقيق أهدافها، فضلا عن استغلال الشباب وكبار السن في أشياء أخرى، وما زاد من حدة المشكل استغلال الفتيات الصغيرات والمراهقات تحديدا في الدعارة، حسب ما أفادت به مصادر متابعة للموضوع. 

غير أن المعطى الذي شكل الاستثناء ولفت الانتباه في الشهادات التي قدمها نوار، هو أن عمل شبكات الدعارة لا يقتصر فقط على استقطاب النساء والفتيات خصوصا السوريات منهن، إنما الأمر يطال حتى الرجال الذين يوظفون في الخدمات الجنسية الشاذة المتمثلة أساسا في ممارسة العلاقة الحميمة مع الجنس نفسه، وهو الأمر الذي عزاه إلى كون معظم هؤلاء الضحايا الذين استقطبتهم الشبكات سبق وتعرضوا  للاعتداء الجنسي  في السجن بشكل يومي، الأمر الذي يفسر من خلاله هذا الانحراف الذي طال سلوكاتهم وميولاتهم الجنسية.

 

اللجوء مقابل الجنس

المثير في الموضوع نفسه، أن بعض اللاجئين أكدوا أنهم وجدوا أنفسهم مجبرين  في كثير من الأحيان على  امتهان التسول، أو الاتجار في أجسادهم استجابة لميولات جنسية شاذة، مقابل أثمنة بخسة دراهم معدودة، من طرف سوريين ينشطون إلى جانب مغاربة آخرين تحت التهديد في تنظيم هذه الخيايا، مما يدفعهم إلى تنفيذ أوامرهم اتقاء لشر قد يحوم بحياتهم، وحسب تصريح بعض المواطنين المغاربة بمدينة الرباط  بحي التقدم تحديدا، يتضح أنهم مستاءون من الأمر، مشيرين إلى أن عملية استغلال السوريين لا تمث للمدينة بصلة ولا لأخلاق سكانها، مطالبين السلطات المعنية بالتحرك العاجل واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل كشف خيوط من يقف وراء هذه الشبكات. 

 بهذه العبارات الثكلى بالحزن، والتمزق النفسي يبرر نوار أسباب انضمام اللاجئين لشبكات الدعارة بالمغرب، حيث الرجال والنساء وكذا الأطفال  بالجنسين معا فتيات وذكور، يشكلون المادة الدسمة، وعملة التداول الرخيصة التي تقدم فيها أجساد أشخاص دفعتهم ظروف حياة قاهرة، إلى الدخول في المزايدات الرخيصة وتحكيم منطق المقايضة التي يحضر فيها الشرف، ويباع بثمن بخس دراهم معدودة تسلمها الضحية للشخص المكلف مقابل الحصول على بعض الملابس التي لا تقيه من حر الشمس ولظاها، وبعض القوت اليومي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

محمود: داعش ترعى الضياع

محمود مصطفى عواض كاتب وباحث سوري، مهتم بقضايا حقوق الإنسان و بالقاضايا المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، يشرح في تصريح حصري انفرد يه موقع "الدار"، أن معظم المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب والتنكيل في سجون داعش، لم يتمكنوا من الاندماج في المجتمعات الجديدة بعد الإفراج عنهم أو بعد تمكنهم من الفرار.

 موضحا أن ألمانيا هي الأخرى بالرغم من كونها تعتبر واحدة من أهم الدول المتقدمة التي تتربع على عرش الدول التي ترعى حقوق الإنسان، إلا أنها تعرف انتشار العديد من الخلايا والعصابات التي تستقطب ضحايا الدعارة ومعظمهم لاجؤون سوريون، يتم استداجهم بعد توهيمهم بإمكانية الحصول على عمل قار بألمانيا، الأمر الذي يعبد الطريق للحصول على اللإقامة، غير أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد ذريعة للاتجار في أجسادهم، ودفعهم لتقديم الخدمات الجنسية المؤدى عنها.

يحدثنا محمود عن أحد أصدقائه الذي يدعى "زهران العقيل" الذي اختار أن يسلك طريق الاتجار في جسده، بعدما أخضعه لمجموعة من العمليات وأخذ حقن جعلت جسده تبدو أكثر إثارة وفتنة للرجال، كون أن إحكام الاستجابة لمثل هذه الميولات الجنسية الشاذة يعتبر هو الصنف المربح، والذي يدر أكبر عدد من الزبناء المقبلين، وهم مستعدين لدفع آلاف الدولارات مقابل الحصول على أحد الغلمان الشاذة.

بالإضافة إلى ما سبق يحكى أن زهران وجد نفسه ضحية لمخلفات الحرب والتعذيب الذي جعل منه جسدا مثقلا بالآلام، وأفرغه من الأحلام التي لطالما اعتبرها سببا مباشرا في السعي إلى تحقيق الذات كإنسان سوي، وبدون مقدمات على حد تعبيره، ومباشرة بعد التحاقه بالمغرب وجد نفسه فردا من هذه الخلية التي تتكون من نساء ورجال مغاربة وآخرون سوريون يعملون على استقطاب أكبر عدد من الشباب والشابات اضطرارا وأحيانا بمحض إرادتهم للعمل كبائعي وبائعات الهوى.

في هذا الصدد يقول زهران العقيل "عندما بدأت الثورة كان عمري ١٦ عاماً كأي شاب في هذا العمر لا يوجد أي هم أو صعوبات، وخصوصا بالنسبة لي كنت المدلل الذي إذا أراد شيءً يأخذ أضعافه ، و جل اهتمامي هو أن أظهر بمظهر منفرد عن غيري و بأن أطور من قدراتي في الكتابة و بالطبع ألعاب الانترنت".

 بنبرة انكسار يتابع كلامه"في السنة الأولى لم أفقه شيئا في السياسة و عندما بدأ النظام في قصف حمص وعند رؤية الشهداء المدنيين، بدأت بالخروج في مظاهرات مناهضة للنظام في الرقة والعمل ضده في مجال الشبكة العنكبوتية في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وغيره، تعرضت ٣ مرات للاعتقال من قبل النظام ولكن الحمد لله من خلال دفع الرشاوي و المعارف كنت أخرج بسرعة، وفي عام 2013 تم تحرير مدينة الرقة من قوات النظام، وبعدها ببضعة أشهر انشقت فئة كانت تابعة لجبهة النصرة و أسسوا داعش، هذه كانت بدايتهم أشخاص معدودين و يوما بعد يوم أصبحوا أكثر ف أكثر إلى أن أصبحوا فصيل ذو هيبة قوية في الرقة، و عندها نشبت بضع معارك بينهم وبين بعض الفصائل المسلحة التابعة للجيش السوري الحر، أصبح انتشارهم واسع في المدينة".

 

"زهران العقيل… رجل ولكن

 

ويقول زهران إن التعذيب كان  لغة يومية تنتفي فيها أدنى شروط احترام الكرامة الإنسانية، بل لا ترقى حتى لمعاملة الحيوان ، حيث يصل التعب النفسي لدرجات قصوى، خصوصا حينما يتم التهديد بقتل أفراد الأسرة، ويصير الموت أمرا عاديا بل مطلوبا كسبيل للخلاص من التعذيب النفسي والاغتصاب اليومي، في ساحة الإعدامات التي يتم تأثيثها برؤوس الأشخاص الذين تم إعدامهم، وأشار زهران أنه تعرض لاغتصاب جماعي من قبل مجموعة من الناشطين بداعش وهو الأمر الذي خلف مجموعة من الآثار النفسية الجسيمة على حد تعبيره.

لأسباب يجهلها زهران العقيل لحدود اليوم تراجع التنظيم عن قرار إعدامه، وتم تكليفه بتنظيم الحمامات التي كان يعكف على تنظيفها بشكل يومي، والتي كانت في أيام كثيرة على حد تعبيره، المكان الشاهد على استلابه كرامته الإنسانية، بالإقدام على اغتصابه وانتهاك عرضه بشتى الوسائل الأمر الذي جعله ضحية الاستغلال الجنسي فيما بعد حينما أصبح لاجئا بالمغرب ليختار العيش عبدا أو بالأحرى كما يقول "أمة" تحت رحمة شبكات دعارة.

كانت هذه قصة زهران الذي تعرض للاعتقال في سجون داعش، حيث التعذيب والاغتصاب لازمة لم تفارق حياته لمدة من الزمن لا يستهان بها، يقول زهران إنه جرد من الكرامة وانتهك شرفه، ليخرج للمجتمع المغربي الذي استقر به بعد الإفراج عنه، وهو إنسان غير قادر على استيعاب ما مضى، بالنظر لجسامته وثقله السلبي المحدث على نفسيته.

 خرج زهران من السجن، وهو  مثقل بالآلام التي طالت جسدا يحدثنا من خلال آثار التعذيب الموشومة عليه، عن فظاعة هذا التنظيم الذي استباح عرض هذا الشاب ومارس عليه مجموعة من الاغتصابات اليومية، من قبل كهول وشباب يدعون أنهم ينذرون حياتهم قربانا لتطبيق تعاليم الدين الإسلامي بالمجتمع السوري بشتى حذافيره، غير أن الحقيقة على حد تعبيره، كانت متجسدة في كونه جسد إرهابي قاتل يستبيح أعراض الأبرياء بدون أي ذنب يذكر.

هي أحداث ضاربة في الجرم والتنكيل بكرامة الإنسان، جعلت من زهران كيانا محطما، يرفض البحث عن ذاك الشخص السوي الذي لطالما حارب ليظل صامدا من أجله، غير أن التنكيل الذي تعرض له على حد تعبيره وقف عائقا حال دون تحقيقه هذا المكسب، وزهران  اليوم يقدم نموذج اللاجئ السوري بالمغرب غير القادر على الاندماج الاجتماعي والمهني، بل اختارت له الظروف على حد تعبيره الانضمام لشبكة دعارة تستقطب الرجال الشواذ، معتبرا هذا الصنف من الدعارة مدرة للدخل وأعداد زبنائها يتجدد على مدار اليوم. 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة عشر − 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى