فن وثقافة

المتحف الأثري بالرباط… جزء من التاريخ وبعض من هويتنا

الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز

تعتبر مدينة الرباط واحدة من أهم المدن الحافلة بالآثار، وكذلك الدور الثقافية التي تحتضن الجانب التراثي من المدينة، إنها المتاحف الأثرية، التي تؤثث الفضاءات بعبقها التاريخي الذي تكتنز كل قطعة أثرية منه حقبة معينة من التاريخ، بل أكثر من ذلك فإن هذه المتاحف تعتبر جزءا لا يتجزأ من الذاكرة والهوية المغربية التي تحجز لنفسها مكانة مهمة في سجل الحضارات التي تتثاقف عبر الزمن.

بالمتحف… الماضي بعيون الحاضر

المتحف الأثري بالرباط يشكل الوجهة المحددة، التي يتجه  إليها كل باحث عن جزء ولو كان بسيطا من التاريخ، كونه يضمن العديد من اللقى الأثرية المعثور عليها في مختلف المواقع التاريخية القديمة، والتي تعتبر بمثابة صورة نموذجية عن حقبة محددة من الزمن التي تلخص بعض المظاهر التاريخية التي ولى زمانها، لكنها لازالت تحتل موقعا مهما في ومن الحاضر، ويشار أن القطع الأثرية التي تعمر المتحف الأثري تعود بالدرجة الأولى لتلك التي تخص مدينة وليلي.

المتحف…سجل تاريخي يقدم دروسا بالمجان

إذا كنت مهتما بتارخ المغرب، وبعضا من المحطات التاريخية التي تهم الحضارات المتعاقبة على المغرب، يكفيك أن تول وجهك قبلة المتحف الأثري،  لتلمح أمام ناظريك أدوات الإنسان القديم، أدوات العصر الحجري الحديث، كتابات ليبية وبربرية، مجموعات رومانية برونزية ومرمرية، وقطع خزفية إسلامي، وهذه كلها عناصر تقدم للزائر دروسا تاريخية قد تعجز الروايات المكتوبة على تقديمها بطريقة مماثلة، سهلة لكنها ممتنعة ومنفلتة  عن كل تعقيد في الفهم والاستيعاب.

هنا…لك أن تجد رأس الملك جوبا الثاني ورأس كاطون

من أبرز المآثر الموجودة بقلب المتحف الأثري بالرباط، والتي تتحف ناظريك حال وصولك، التحف البرونزية خاصة رأس الملك جوبا الثاني ورأس كاطون وكذا التماثيل البرونزية الأخرى،ككلب ليلى و الصياد الشيخ، إلى جانب فمن ضمن أبرز الخاصيات المميزة للمتحف، والتي تشدك لزيارته أكثر من مرة هو الترتيب الذي يشمل هذه المآثر، خصوصا وأنها مرتبة بشكل يحيل على وجود عقول مدبرة تفقه جيدا مكامن التاريخ المغربي، وتصنفها بناء على ترتيب زمني ممنهج يخضع لمعارف ذات خلفيات تاريخية.

 وبزيارة أولية يصبح بإمكانك أن تحكم بانورامية، وصورة عاكسة لحقب متوالية من التاريخ المغربي، أولاها تلك المرتبطة بالحقبة الإسلامية، بالنظر لأهمية الأيقونات الأركيولوجية التي تجسد هذه الحقبة، كونها تعتبر الآليات الأساسية التي تم من خلالها النفاذ إلى خبايا هذه الفترة التي توثق لصلة المغرب بالإسلام بداية القرن السابع ميلادي، وتمكن المغرب من الاحتفاظ بكبريات هذه المآثر التاريخية التي تعتبر انعكاسا مرآويا حول هذه الحقبة.

المتحف…موطن الأيقونات التاريخية بامتياز

إلى جانب الآثار التي ترجع للفترة الإسلامية، يحتضن المتحف أيضا مآثر أخرى تعود لمنطقة شالة اعتبارا لكونها تؤرخ لفترة تاريخية ظلت موشومة في الذاكرة العربية بشكل عام، وهي تلك المرتبطة بمقبرة الملوك المرينيين في القرن 13،  أبانت الحفريات التي أجريت بها شواهد عن ازدهارها في العهود الأولى، كما أن المعالم الإسلامية التي لازالت تحتضنها تبين عن فن رفيع في البناء.

النقيشات الهامة المغربية كمقبرية النخيلة، والحجرة التي تحمل نقوشا ليبية، وأخرى تحمل رسم خنجر، كلها من الشواهد المقبرية التي  عثر على بعضها في وليلي،  وفي مناطق أخرى أيقونات تاريخية، تتوسط هذا المتحف وتعتبر من أهم الشواهد القبرية التي تتوسط المتحف، بل أكثر من ذلك يذهب الباحثين في التاريخ إلى اعتبار هذه العناصر التاريخية من أهم الثوابت التي تحفظ للمتحف مكانته "المهمة" إلى جانب المتاحف الأخرى.

وقفة تاريخية …

ومن خلال العودة إلى المعطيات التاريخية المرتبطة بمتحف الآثار بالرباط، يتبن أنه ذو أهمية خاصة بالنظر لفرادة الأيقونات الأثرية التي يضمنها، حيث تم وضعه على رأس اهتمامات المؤسسة الوطنية للمتاحف منذ سنة 2004، الأمر الذي يترجم مكانته الخاصة، حيث تم الشروع في ترميمه وإعادة تهيئة مرافقه، الأمر الذي يبين أن أهميته تجاوزت حدود البعد العلمي، لتشمل مسارا بيداغوجبا حافلا بالدروس التاريخية الناطقة بأهم المحطات التي عبر منها المغرب.

ويشار في هذا الصدد، أن  تشييد المتحف كانت في عشرينات القرن الماضي، لإيواء «مصلحة الآثار»؛ حيث إن حفريات وليلي الشهيرة ابتدأت، منذ 1915، بتعهد من الجنرال ليوطي الذي نصّب لويس شاتلان مديراً للحفريات، بعد أن استدعت أهمية ووفرة اللّقى المكتشفة إحداث دائرة للآثار، سنة 1918. 

كنوز تاريخية يطالها العزوف والانصراف

أما عن علاقة المغاربة بالموروث الثقافي، وعن مدى قابليتهم لحفظ الصلة  حتى تظل قوية مع التراث الثقافي، يقول مصطفى القادري الباحث في علم الآثار، إن مدينة الرباط تتربع على ناصية المدن الأثرية التي تحتضن العديد من المآثر التاريخية الشاهدة على تميز المغرب، واحتلاله مكانة مهمة في سجل الحضارات التي تحافظ على صيتها التاريخي، غير أن الأمر يحتاج لممارسة نوعا من التعريف بأهمية هذه المآثر في أفق تحسيس الساكنة والزوار بأهميتها، بهدف تجديد الصلة بها والمداومة على زيارتها، مشيرا أن زيارة المآثر التاريخية يحتاج لثقافة تاريخية ومعرفة مسبقة، خصوصا وأن زيارة المتاحة هو سلوك ثقافي يتجاوز حدود النشاط العابر ليشمل أبعادا ثقافية تحيل على رمز من رموز الهوية والوطنية.

وأوضح أن العلاقة التي يكنها المواطنين المغاربة للآثار، يمكن وصفها بالفاترة التي تعكس الأهمية التي تكتسيها هذه المآثر، خصوصا وأن عدد الزيارات التي تطأ أقدام الزائرين فيها المتحف تكاد تعد على رأس الأصابع، الأمر الذي يدل على اندثار ثقافة مهمة كان لزاما إعادتها  وإدراجها غي ممارسات الحياة اليومية، لأن المتحف يعتبر جزءا من الذاكرة التاريخية التي تحفظ الهوية المغربية، خصوصا وأنها تضم العديد من المآثر التاريخية التي تنسل من حقب تاريخية حافلة بالأحداث التاريخية التي تهم المواطن المغربي، أكثر من ذلك فأن توطيد العلاقة مع هذه المتاحف يحتم تخصيص مواد تدرس في المدارس المغربية، في أفق تربية الناشئة على تهذيب النفس، والرقي بالذوق وتطوير المكتسبات، وهي كلها احتياجات لا تتحقق إلا من خلال اكتساب المعرفة التاريخية بهذه الأيقونات التي تعتبر شكلا من أشكال الفن.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر + 17 =

زر الذهاب إلى الأعلى