أخبار الدار

بعد الحكومة والمنتخبين.. سهام النقد الملكي تطال الخواص

الدار/ رشيد عفيف

بعد أن خصص خطابات عديدة لانتقاد الطبقة السياسية والإدارة يفتح الملك محمد السادس في خطاب افتتاح البرلمان الذي ألقاه اليوم قوسا جديدا في مسلسل تشخيص الاختلالات والأعطاب السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد وهو يسلط الضوء على إخفاقات القطاع الخاص وتعثراته. فبمناسبة بمناسبة ترؤسه لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة لم يوفر الملك النقد اللاذع الذي وجهه سابقا للهيئات السياسية في حديثه عن الأبناك والمقاولات داعيا هذه الجهات إلى استنهاض النشاط من أجل المساهمة الفعلية في حل مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية.

"من المعروف أن جهود الدولة وحدها لا تكفي في هذا المجال. و هو ما يقتضي انخراط القطاع الخاص في عملية التنمية. وأخص بالذكر هنا القطاع البنكي والمالي، الذي نعتبره حجر الزاوية، في كل عمل تنموي" بهذه العبارة الواضحة والمباشرة حاول الملك محمد السادس في خطابه تحميل المسؤولية التاريخية للقطاع الخاص الذي على ما يبدو لم ينجح في مواكبة بعض المبادرات الحكومية التي حاولت سد الخلل وتجاوز المعيقات التي أفضت إلى فشل النموذج التنموي وإعلان إفلاسه بصفة رسمية. ويأتي هذا الخطاب الذي شمل الفاعلين الخواص في سياق حظيت فيه الحكومة وأجهزتها ووزاراتها والمؤسسات العمومية والشبه عمومية بانتقادات واسعة عقب صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات.

في هذا التقرير كشف المجلس التجاوزات واختلالات التدبير ومظاهر الفساد التي تنخر الإدارة والمؤسسات العمومية. وقد فاقم هذا الوضع من أزمة الثقة التي تعرفها العلاقة بين المواطن والدولة، وبين المواطن والأجهزة المنتخبة. لكن حديث الملك محمد السادس في هذا السياق عن القطاع الخاص وأدواره المتعثرة لفتة هامة يبدو أن الهاجس من ورائها سياسي بالدرجة الأولى يستهدف التأكيد على أن سهام النقد والتشخيص لن تستثني أيا من المكونات الوطنية التي يفترض أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية لإخراج المغرب من أزمته الاقتصادية وتعثراته التنموية.

وزيادة في وضوح الرسالة النقدية خص الملك محمد السادس بالذكر  القطاع البنكي والمالي، الذي اعتبره "حجر الزاوية، في كل عمل تنموي". وقد تضمن الخطاب بشكل ضمني مكامن الخلل في سلوك القطاع الخاص بالمغرب الذي لا يزال متوجسا من المغامرة الاقتصادية وتشجيع المبادرات المقاولاتية وخوض غمار المخاطر، ولهذا أكد الخطاب الملكي أن "تنزيل ومواكبة المشاريع والقرارات، لا يقتصر فقط على توقيع العقود والاتفاقيات على الأوراق؛ وإنما هو عقد أخلاقي، قبل كل شيء، مصدره العقل والضمير".

ورغم اعتراف الخطاب الملكي ببعض التقدم الذي حققه القطاع البنكي إلا أنه لم يتردد في وضع الأصبع على مكمن الخلل الأساسي والذي اعتبره الخطاب خللا ثقافيا بالدرجة الأولى عندما تحدث عن "العقليات البنكية التي من الصعب تغيير بعضها". إن هذه الرسالة الاستثنائية في الخطابات الملكية تعيد نوعا ما نتائج التحليل والتشخيص إلى دفة التوازن بعد أن حظي القطاع العام والمؤسسات الحكومية والمنتخبون في السنتين الأخيرتين بالكثير من الانتقادات لكن تبين بشكل واضح أن رفع رهان التنمية والنمو الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق بجناح واحد ترعاه الدولة فقط وإنما أيضا بانبثاق قطاع خاص شجاع وجريء في المبادرة الاقتصادية لا يبحث فقط عن "الربح السريع والمضمون" كما جاء في الخطاب الملكي.

ويأتي هذا التوجيه للقطاع البنكي على الخصوص تماشيا مع ما سبق اتخاذه من إجراءات تستهدف بالأساس تشجيع الاستثمار حيث عرفت السنتان الماضيتان إلحاحا ملكيا صريحا في كثير من الخطابات على ضرورة التسريع بإصدار ميثاق الاستثمار وإعادة هيكلة المجالس الجهوية للاستثمار وإصدار ميثاق اللاتمركز الإداري، وغيرها من الإصلاحات. وقد تبين بالملموس أن بيروقراطية القطاع البنكي أضحت من كوابح التنمية الاقتصادية وهو ما انعكس على كثير من القطاعات من أهمها قطاع العقار الذي يعرف نوعا من الركود بسبب ارتفاع نسب الفائدة سواء المتعلقة بقروض السكن أو بقروض الاستثمار. فهل يتفاعل بنك المغرب مع الرسالة الملكية بإعادة مراجعة نسب الفائدة وإجراءات الاقتراض؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 − اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى