تصريحات مزوار تهدم شهورا من الحياد المغربي
الدار/ رشيد عفيف
تظهر اللهجة الشديدة لبلاغ وزارة الشؤون الخارجية ضد تصريحات صلاح الدين مزوار رئيس الاتحاد لمقاولات المغرب استمرار نهج الخط الأحمر في مقاربة الشأن الداخلي الجزائري. وتبرز الاستقالة السريعة لوزير الخارجية الأسبق من منصبه الحساسية الشديدة التي لا تزال تتعاطى بها السلطات المغربية مع كل ما يتعلق بشؤون الجارة الشرقية التي تعيش منذ فبراير الماضي حراكا شعبيا أودى بنظام الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة وبرؤوس نظامه إلى الاعتقال والمحاكمة. ومنذ انطلاق فعاليات مظاهرات الجمعة في الجزائر احتفظت السلطات المغربية بقدر كبير من الصمت والحياد تجاه ما يجري هناك، وفضلت الانتظار والترقب لما ستسفر عنه الأحداث.
لكن تصريحات رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب في أشغال النسخة 12 من مؤتمر السياسة العالمي، الذي افتتح يوم أمس السبت في مراكش أخرجت وزارة الشؤون الخارجية من صمتها لتضطر من جديد للتأكيد على ضرورة توخي الحذر في مقاربة قضايا الجارة الجزائر. وكان صلاح الذين مزوار قد صرح أمس أن “الجزائر لن تعود إلى الوراء، لذلك يجب على السلطة العسكرية قبول مشاركتها السلطة”، مسترسلاً بالقول “ما نراه اليوم في الجزائر من احتجاجات سلمية يبعث على الأمل؛ عكس ما يعتقد الكثير”.
وباعتباره مسؤولا عن أكبر مؤسسة تمثيلية لقطاع رجال الأعمال ووزيرا سابقا للشؤون الخارجية كان لزاما على الوزارة الوصية تنبيه الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني للأحرار للخطأ الفادح الذي ارتكبه. وهو خطأ على ما يبدو كلفه مستقبله السياسي وأخرجه من دائرة رجالات الدولة الذين كان من المتوقع أن يلعبوا أدوارا حيوية في المستقبل. ويبدو من بلاغ وزارة الشؤون الخارجية أن المؤاخذة على تصريحات مزوار تأخذ منحيين. فمن جهة انتقد البلاغ التوقيت والسلوك الذي بدر عن مزوار الذي "اعتقد أنه يتعين عليه التعليق على الوضع الداخلي بالجزائر خلال مؤتمر دولي منعقد بمراكش" ومفهوم هذه العبارة هو أنه ليس من اختصاص مزوار أو حقه الخوض في قضايا تهم الشأن الخارجي الذي يعتبر من مجالات السيادة التي يحفظها الدستور للملك.
وقد بدا هذا التنبيه الشديد اللهجة واضحا في صياغة البلاغ الذي حرص على التذكير ب"حكومة صاحب الجلالة" التي "تشجب هذا التصرف غير المسؤول والأرعن والمتهور". إن التذكير هنا بمسألة الاختصاصات الدستورية المنوطة بالحكومة وعدم اختصاص الاتحاد العام لمقاولات المغرب بالحديث في قضايا من هذا القبيل يظهر بجلاء قوة الدافع السياسي وراء هذا الرد السريع والرادع ضد رجل كان إلى حدود الأمس واحدا من رجالات الدولة المعول عليهم. لكن الأمر في خطأ مزوار لا يقتصر على منازعة اختصاصات الحكومة أو الملك فقط، بل يتعلق أيضا بحساسية الملف الجزائري.
هذه الحساسية هي التي وردت في بلاغ وزارة الخارجية في عبارة "إن الاتحاد العام لمقاولات المغرب لا يمكنه الحلول محل حكومة جلالة الملك في اتخاذ مواقف حول القضايا الدولية ولاسيما التطورات في هذا البلد الجار. إن موقف المملكة المغربية بهذا الخصوص واضح وثابت”. إن تخصيص الملف الجزائري في ما يتعلق بقضايا الشؤون الخارجية يؤكد أن تدبير العلاقات مع الجزائر وخصوصا في ظل الحراك الحالي يحظى بعناية فائقة وحذر شديد من طرف السلطات التي تحرص كل الحرص على عدم منح النظام الجزائري أي ذريعة يوظفها في صراعه مع الفرقاء الجزائريين. هذه اللعبة يتقنها كثيرا العسكر في الجزائر ويحرص المغرب على تفويت هذه الفرصة.
فمنذ بداية الحراك الجزائري لزم المغرب حيادا وصمتا دبلوماسيا تجاه ما يجري في الداخل الجزائري معتبرا الأمن شأنا داخليا يجب أن يديره الجزائريون، ورغم ذلك لم يتردد القائد الأعلى لجيش الجزائري قايد صالح في خطاباته المتعددة في محاولة الزج بأطراف خارجية في النزاع الداخلي في إشارة ضمنية للمغرب. وبعد أن فشل العسكر في الجزائر في لعب هذه اللعبة تضع تصريحات مزوار أمس وزارة الشؤون الخارجية في موضع "التي نقضت غزلها" بعد أن حرصت حرصا شديدا طوال شهور على الابتعاد عن دوائر التوظيف السياسي الجزائري. ومن المتوقع أن يشكل تصريح مزوار في الأيام القليلة المقبلة مادة سياسية دسمة للفرقاء الجزائريين يتم توظيفها بشكل أو بآخر.