المواطن

الفقيه.. هل من خُدام الرب أم صناعة بشرية لا أكثر

الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز

هل لازال المجتمع المغربي في حاجة لرجل الدين؟ ما المقصود برجل دين أو فقيه؟ وهل رجل الدين الذي ينتمي للطاقم الديني يعتبر صناعة من الرب أو العبد الذي يخبر خبايا دينه، أو بالأحرى  الذي يحرص على حفظها ظهرا عن قلب، بما يكرس المغالطات والتقليد الأعمى؟.

هذه كلها تساؤلات تحل محل الموضوع المثار للجدل، كلما طرح موضوع دور "الفقيه" في المجتمع، خصوصا وأن التطورات التي أحرزتها الثورة التكنولوجية، مكنت المرء من الحصول على الاستشارات والمعارف وكذلك أحكام دينية فقط من خلال الإبحار في العالم الرقمي. موقع "الدار" يبحث الموضوع.  

من يشرف على صناعة الطاقم الديني؟ هل صناعة ربانية أم بشرية؟

انطلاقا من الكتب الدينية التي تتضمن أهم المعارف بخصوص الديانات، وبدءا من الاطلاع على ما جاءت به من من معارف يكون من البديهي، أن تكتشف أن السؤال المحوري الذي يتبادر إلى ذهنك، هو من يشرف على صناعة رجال الدين، خصوصا وأن المعطيات تنفي وجود رسل أشرفوا في القدم على خلق طاقم ديني، يتكلف عناء نشر الدعوة على اختلافها، إسلامية، يهودية، أو مسيحية، إضافة إلى انتفاء ظاهرة الفقهاء، ورجال الدين الذين ينصبون أنفسهم رعاة للشأن العام، والحقل الديني في المجتمع قيد حياة هؤلاء الرسل.

الفقيه…الوسيط الرباني الذي يأكل الطعام ويمشي على الأرض…

مسلما كنت أو ملحدا، من السهل أن تتصفح القرآن، لتدرك أن الخطاب الموجه هو بالأساس لك أنت، وأنت في موقع العبد، ما يفيد أن منطق الوسطات والقربات والمطيات التي تفصل بينك وبين الله، وتنصب شخصا يأكل الطعام ويمشي على الأرض وسيطا بينكما لا وجود له، بل الخطاب الديني في الإسلام يبين، أن زمن القربات في العبادة زمن ولى وأدار ظهره، لأن العقيدة هي واحدة من الشؤون الخاصة التي يطالها البعد الذاتي، ومن ثم لا يمكن إلا أن تكون نسيبية مختلفة باختلاف صاحبها، حيث يصعب على فرد أن يجعل من نفسه وسطا وحلقة تواصل في هذا الشأن.

رجل الدين مجرد موظف وليس من خدام الرب…

يفيد المفكر والباحث أحمد عصيد في تصريح خاص لموقع "الدار"، أن دور رجل الدين شهد تراجعا ملموسا في ظل الطفرة النوعية التي حققتها الثورة التكنولوحية، خصوصا وأن مبرر وجود رجل الدين في المجتمع كان دافعه هو الجهل الذي يطال عقول العباد، ومن ثم كانت مسيرة البحث على أشدها في الوصول إلى طريق الهداية، الأمر الذي جعل من رجل الدين الوسيط الذي يتكلف عناء الأخذ بأيدي الناس لفهم الدين، واستيعاب أحكامه ومعتقداته.

وأضاف أن رجل الدين اليوم، فقد العديد من صلاحياته في المجتمع، ولا يكاد يراوح مكانته التي تختزله في موظف عادي يتقاضى أجرا محددا من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في أفق أن يشغل مكانة الوسيط الذي يترجم مجموعة من الرسائل والأهداف والتي إن لم تكن دينية فإنها تظل أهدافا سياسية محضة.

هذا وأضاف أن دور الفقيه أو رجل الدين أصبح مقتصرا على بعض الاستشارات الشخصية ذات الطابع الذاتي، لأن المرء أصبح يتوجه لرجل الدين في بعض الحالات النادرة، خصوصا تلك المتعلقة بالحياة اليومية، والأمر لا يرتبط بالدين بقدر ما يرتبط بالعرف الاجتماعي الذي أصبح متوارثا في المجتمعات العربية، كما هو الشأن بالنسبة للمجتمع المغربي، ومن ثم فقد اعتبر الباحث أن هذا الأمر يعتبر شكلا من أشكال العادات التي ظلت راسخة في العقل الجمعي، بالرغم من كونها لا ترتبط بالأحكام الدينية البتة.

من الدعاء والتبرك إلى ممارسة الوصاية والسلطة على العباد

في السياق ذاته  أشار الباحث  أنه وفي ظل انعدام القرائن الدينية التي توجب حفظ مكانة خاصة للفقيه، تفيد الدراسات في هذا الشأن أن العديد من الأشخاص وهم أشباه وأنصاف العارفون بالله، ينصبون أنفسهم في المجتمع على أساس أنهم خدام الرب، الذين يتوسطون له بالدعاء والصلاة في أفق الاستجابة لأماني ومطامح العباد في الحياة، وهو الأمر الذي ينصرف بهم في ظل هذه الضبابية إلى ممارسة نوعا من السلطة التي تمتد إلى الوصاية أحيانا على شؤون البلاد والعباد.

كما تفيد الدراسات التي أدلت بدلوها في هذا الصدد، أن المطامع السياسية والرغبة في وضع اليد على مطامح تتحول في الكثير من الأحيان إلى مطامع، هو السبب الذي يفسر ظهور مجموعة من الأشخاص الذين وإن كانت مغرفتهم بالدين بسيطة، إلا أن هذا الأمر لا يقف حائلا دون تنصيب أنفسهم رعاة للحقل الديني وكذلك الدنيوي في المجتمع، وهو الأمر الذي كان نتاجه الفعلي ظهور الإسلام السياسي الذي أفرز بدوره أكثر من ظاهرة، ترتبط أساسا باستغلال الدين لاستمالة مشاعر الناس في أفق خدمة أهداف سياسية.

وقفة تاريخية…

هذا وتشير المعطيات التاريخية، أن مكانة رجالات الدين في الماضي تعاظمت إلى حد كبير، والسبب هو انعدام المطابع ومن ثم انتفاء الكتب، الأمر الذي يجعل من الفقهاء الوسيط الوحيد الذي يحرص على رعاية العلاقة قائمة بين الرب والعبد، فكانت المهة توكل إلى العارفون بالدين حتى يتمكنوا من تحقيق الفهم ببساطة وقابلية للفهم والاستيعاب، ارتباطا بالأحكام الدينية وكل ما له علاقة بالتدين والمعارف العقائدية.

ومن ثم فإن انتفاء الجهل بالقدر الكافي في الظرفية الحالية، إلى جانب انتشار الوسائل الكفيلة بنشر المعرفة والتعلم، خصوصا في الحقل الديني، هو الأمر الذي سلط الأضواء على دور رجال الدين في المجتمع، والذي يكاد يكون منتفيا، اللهم إذا ارتبط الأمر بخطبة الجمعة إلى جانب الأذان، ما أدى إلى طرح النقاش حاليا حول ما مدى أهمية الطاقم الديني في الحياة اليومية، هل الدور الأساسي هو التوجيه الديني، أم أن الأمر يتعلق أساسا بخدمة مجموعة من الأجندات والأهداف السياسية التي تتوارى عن الأنظار، ولا يمكن أن يفقهها إلا ذوي المعرفة المسبقة بالموضوع.

ما محل الدين من الإنسان…القلب أو العقل

ومن التساؤلات المثارة أيضا والتي تنبثق كلما طرح السؤال حول صلاحية رجل الدين في المجتمع، هو هل الدين يصطف في خانة العلوم أن الأمر يرتبط بالروحانيات التي تتربع القلب بالأساس وليس العقل، ومن فإن الضوء يسلط على محل الدين، هل القلب أم العقل، وهنا تختلف الاجتهادات والآراء لترصد البعض منها أن الدين محله القلب ومن ثم فلا حاجة لنا بالفقهاء وعلماء الدين، فقلبك سيرشدك إلى خالقك، وآراء أخرى تفيد أن العقل هو الحكم الأساسي في فهم واستيعاب الدين كعلم، الأمر الذي يبرر حتمية وجود علماء وفقهاء الدين الذين يتكلفون عناء التوضيح والفهم.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − ستة =

زر الذهاب إلى الأعلى