كلميم..باحثون موريتانيون ومغاربة يدعون إلى إحياء تراث الطرق التجارية بين واد نون وشنقيط
دعا باحثون موريتانيون ومغاربة، أمس السبت بكلميم، الى إعادة إحياء تراث الطرق التجارية التي كانت تربط بين واد نون وشنقيط وبين حواضر أخرى بالصحراء المغربية و حواضر من موريتانيا، والتي ساهمت في نسج علاقات تجارية وثقافية وحضارية بين موريتانيا والمغرب وبلدان إفريقية أخرى خلال القرون الماضية.
واستحضر الباحثون المتدخلون في ندوة حول موضوع" حديث لم ينقطع بين رباط الفتح ورباط الأندلس"، التي نظمت في إطار الدورة الثالثة لمهرجان "أهازيج واد نون: ثلاثية الكدرة والهرمة وكنكا"، متانة العلاقات التي نسجت على مدى قرون في هذا المجال الجغرافي الممتد من منطقة واد نون بالجنوب المغربي الى ثخوم شنقيط بموريتانيا، وكذا الى ما كان يسمى بالسودان الغربي أو السنغال حاليا.
واستعرض الباحثون عددا من الأحداث التي شهدها هذا الفضاء الجغرافي الشاسع كحركة المرابطين، التي انطلقت من الصحراء وشيدت مدنا وعواصم منها نون لمطة ومراكش، ثم من رباط الفتح الى رباط الأندلس، تاركة بصماتها التاريخية التي كانت لاحقا مادة خصبة للباحثين والمؤرخين.
وفي هذا السياق اعتبر الأديب والوزير الموريتاني السابق، محمد الأمين ولد الناتي، في مداخلة له، أن الثقافة تعد من من أهم عوامل التوحد والانصهار بين الحضارات، مستشهدا بالعلاقات الثقافية والحضارية بين دول الغرب الإسلامي، وموريتانيا والمغرب على وجه الخصوص.
ودعا المتحدث المثقفين في البلدين الى بذل المزيد من الجهود لاحياء هذه الروابط التاريخية والثقافية والحفاض عليها، على اعتبار أن هذه البلدان توحدها ثقافة مركزية واحدة لسانها اللغة العربية و منهجها التسامح والحوار في اطار الفقه المالكي والعقيدة الاشعرية والتصوف الجنيدي، مستعرضا تجربة عبد الله بن ياسين، مؤسس دولة المرابطين، التي حكمت في الصحراء في القرن الخامس الهجري،وامتد نفوذها من المغرب الى الاندلس.
وبدوره، وبعد أن ذكر ب"المكانة الخاصة التي تكتسيها مدينة كلميم ومنطقة واد نون ومدن مغربية تاريخية كمراكش وفاس لدى الموريتانيين"، يرى الباحث والشاعر الموريتاني، الناجي محمد الإمام، أن الصحراء المغربية و موريتانيا لا سيما شنقيط، وصولا الى حاضرة الجمال بمالي تمبوكتو شكلتا فضاء جغرافيا وتاريخيا "كان التنقل فيه أشبه بالتنقل من حي الى حي أو من مدشر الى مدشر".
من جهته دعا الباحث المغربي والمهتم بتاريخ المنطقة، عمر ناجيه، إلى اعادة احياء تراث الطرق التجارية الرابطة بين واد نون وشنقيط لتصبح قنوات ربط ثقافية، بعد أن وحدت لقرون من الزمان بين المنطقتين تجاريا، مشيرا الى أن السبب الرئيسي الذي جعل منطقة واد نون ترتبط ببلاد ببلاد شنقيط والسودان الغربي ، هو هذا الرابط الذي كان معروفا تاريخيا ب"التجارة الصحراوية"، و "الحركية التجارية" التي ظلت على الدوام متزامنة مع حركية قبلية، حاولت من خلالها مجموعة من الفئات الاجتماعية الارتباط بعلاقات عائلية وعلمية قوية.
واستشهد الباحث ب"الدور الكبير" للمرابطين في هذا السياق، باعتبارهم مؤسسي مدينة نون لمطة بمنطقة وادي نون (تتواجد آثارها، وفق المؤرخين، بجماعة أسرير بإقليم كلميم حاليا)، قبل تأسيس مدينة مراكش والزحف نحو الأندلس.
وفي نظر الباحث ، انعكست هذه الدينامية الثقافية في المنطقة حتى على "الطبونيميا" (علم الأعلام الجغرافية) وأسماء الأماكين والمدن المتشابهة بين موريتانيا وحواضر واد نون، هذا فضلا عن التواصل بين الأسر العلمية في المجال الممتد من جبال لأطلس الصغير الى بلاد شنقيط ،وهو مجال، يقول الباحث، "شكل منبتا للصلحاء والعلماء والمساجد والرباطات الصوفية"، حيث كان للعلماء الشناقطة "دور كبير في النهضة العلمية والتواصل الثقافي والروحي" من خلال وحدات عليمة متنقلة تسمى بشنقيط "المحضرة".
يذكر أن هذه النسخة الثالثة لمهرجان "أهازيج وادنون" ، الذي تختتم فعالياته اليوم الأحد ينظم ، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، من قبل المديرية الجهوية للثقافة تحت شعار "التراث أصالة وتجدي" بشراكة مع مجلس جهة كلميم واد نون وبتنسيق مع ولاية الجهة.