فن وثقافة

طلحة جبريل يكتب حلقات عن قصة تأسيس “وكالة المغرب العربي للأنباء” (الحلقة الثانية)

طلحة جبريل

يواصل المهدي بنونة في الحلقة  الثانية الحديث عن زيارة الملك محمد الخامس إلى واشنطن فيقول:
"حرص الأميركيون خلال زيارة للملك محمد الخامس للولايات المتحدة الإحتفاء بأول معاهدة وقعت بين أميركا ودولة أجنبية وكانت مع  المغرب، وهي المعاهدة التي وقعها الملك محمد بن عبد الله مع جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة. إذ أن المغرب كان أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة . وهي مسألة ثابتة في نصوص الرسائل المتبادلة بين ملك المغرب آنذاك ورئيس الولايات المتحدة ". 
ثم يواصل بنونة قائلاً " ربما يخطر ببال كثيرين، سؤال حول علاقة المغرب بهذا الموضوع، والاجابة لا تحتاج إلى كبير عناء. كان المغرب عام 1779، وهي الفترة التي استقلت فيها الولايات المتحدة، يملك اسطولاً تجارياً وحربياً، كثيرا ما اصطدم مع الاسطول البريطاني، إذ كانت بريطانيا تشكل مصدر تهديد للمغرب .
 لذلك يبدو طبيعيا أن يبادر المغرب للاعتراف باستقلال الولايات المتحدة ، لان  اسطولها الذي يخضع للسيطرة البريطانية سيتحرر من تلك السيطرة . كما أن البحر الأبيض المتوسط كان ايامئذ يعج بسفن القراصنة ، تلك السفن كان يملكها المغرب وأخرى تملكهاوالجزائر وكانت ليبيا أيضاً تملك بعض السفن. 
كان توقيع معاهدة بين المغرب والولايات المتحدة يسهل مرور السفن عبر البحر الأبيض المتوسط ، لان الاسطول المغربي يتعامل كحليف مع الاسطولين الجزائري والليبي . لذلك اشارت المعاهدة إلى أن يتوسط المغرب مع سلطات الجزائر وليبيا، لحماية السفن الأميركية أثناء مرورها في البحر الأبيض المتوسط .
قصة وملابسات هذه المعاهدة، ربما تفسر استمرارية العلاقات الودية بين الولايات المتحدة والمغرب رغم الاختلاف في المواقف السياسية تجاه عدد من القضايا . ويبدو طبيعيا أن يشارك المغرب في احتفالات الولايات المتحدة بمناسبة مرور قرنين على استقلالها لان للمغرب صلة بهذا الحدث . 
بعد عودتي من رحلة الولايات المتحدة بدأت أحس أن عملي أضحى روتينيا، لذلك اختمرت في ذهني فكرة القيام بمبادرة جديدة. وبدأت أفكر في تأسيس وكالة مغربية للأنباء. المهمة صعبة وشاقة، وتتطلب إضافة إلى رأس المال، إمكانيات تقنية لم تكن متاحة في المغرب كما أنها تحتاج الى كوادر صحفية وفنية غير موجودة. الا ان الفكرة بدأت تضغط على خاطري بالحاح. ولم أستطع الشروع في العمل، إذ لم تحظ الفكرة في بدايتها بقبول من طرف الملك محمد الخامس.
وفي خطوة أولى قمت بإعداد دراسة حول الموضوع، وطرحتها على الملك.. لكنه لم يقتنع حجته في ذلك عدم وجود سوق لترويج اخبار هذه الوكالة ثم إن الكوادر المطلوبة للمهمة غير موجودة. وقال لي يومها "أنت عزيز علينا ولا نريدك أن تدخل في مشروع فاشل".
لكن ظللت وبموافقته، وأثناء عملي في الديوان الملكي اواصل دراسة المشروع. وفي هذا الاطار قمت بزيارة المراكز الرئيسية لبعض الوكالات الاجنبية في الخارج. إهتممت بصفة خاصة بوكالة الانباء السويسرية A.T.S سافرت الى بيرن والتقيت هناك مع المسؤولين في الوكالة، ودرست كيفية عملها، خاصة في بلد صغير مثل سويسرا يتحدث شعبها ثلاث لغات (الفرنسية والالمانية والايطالية) وحاولت استخلاص اجابات على بعض التساؤلات: كيف تعمل هذه الوكالات في ظل وجود ثلاث لغات. كيف تغطي مصاريفها. كيف توزع أخبارها.


أنني استفدت كثيرا من تجربة وكالة الانباء السويسرية وكانت أنني استفدت كثيراً من تجربة وكالة الأنباء السويسرية وكانت مساعدتهم لي حافزا للإقدام على تأسيس وكالة المغرب العربي للأنباء.
وضعت دراسة متكاملة حول مشروع الوكالة مستفيداً من اتصالاتي مع الوكالات الأجنبية الأخرى، رغم أنني تأثرت بالتنظيم الذي تعتمده الوكالة السويسرية. وبعد اكتمال الدراسة التقيت مجددا بالملك محمد الخامس، وأجبته على جميع الاسئلة التي طرحها علي. فاقتنع هذه المرة وقال لي: "على بركة الله". لكنه طلب مني الاستمرار في منصبي بالديوان الملكي.
أسسنا شركة مغربية من مجموعة محدودة من الاخوان الذين اقتنعوا بفكرة قيام وكالة للانباء في المغرب، إذ كان صعبا إقناع عدد كبير للمساهمة في مشروع تشكل نسبة الخسارة فيه 70 بالمئة في سنواته الاولى. والذين ارتضوا المشاركة في المشروع كانوا من اصدقائي واقاربي، دافعهم في ذلك المساهمة في عمل يخدم البلاد.
بعد مرحلة التأسيس، وضعنا خطة تقضي ببدء الوكالة عملها في 18نوفمبر 1958. وبدانا الخطوات العملية فاشترينا الالات. ودربنا عليها مجموعة من الشبان وتعاقدت مع شاب فلسطيني يسمى اورهان سامي عمل في لبنان، ويتقن العمل على الات التلتيب TELETYPE بالعربية اذ لم تكن لدينا مشكلة مع اللغة الفرنسية. وتولى اورهان سامي، الذي عمل معنا لسنوات، تدريب أول طاقم على أعمال الاستقبال والارسال.
 كما دربنا مجموعة من الشبان والفتيات خريجي المدراس الثانوية على مختلف الاعمال واستقدمنا من طنجة مجموعة من الشبان متمرسين في عمليات الارسال والاستقبال عملوا مع شركة أمريكية هي شركة R.C.A التي كان لها مركز مهم في طنجة. واعتقد ان بعض هؤلاء الشبان ان لم يكونوا كلهم مازالوا يعملون مع الوكالة حى اليوم.
دخلنا  الميدان. لنواجه أمامنا وكالات أجنبية توزع أخبارها في المغرب، ولها مع الصحف المغربية نصيب الاسد. في البداية كانت مصادرنا غير كافية ووسائلنا الاعلامية تغطي رقعة محدودة، لذلك أضحت عملية المنافسة مرهقة وعسيرة. رغم اننا تمكنا من تغطية اخبار المغرب وبعض الدول المجاورة، واخبار منطقة الشرق الاوسط عن طريق الاستماع للاذاعات.
ظلت الوكالات الأجنبية بمثابة شوكة في جنبنا، خاصة وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس بريس) ووكالة فرنسية أخرى لها نفوذ كبير في المغرب وفي دول شمال افريقيا هي وكالة A.C.P التي أنشأتها مجموعة من الصحف الفرنسية ذات الميول الاشتراكية، إلى جانب الصحف الاقليمية، وبات لزاما علي أن أجد حلا لهذه المشكلة.
قررت في البداية الدخول في عملية مفاوضات مع الوكالة الأضعف، وهي وكالة A.C.P للحصول على حق توزيع اخبارها في المغرب خاصة أن أخبارها تشغل حيزا مهما مما تنشره الصحف التي تصدر بالفرنسية في المغرب.. وتم ذلك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى