فن وثقافة

طلحة جبريل يكتب حلقات عن قصة تأسيس “وكالة المغرب العربي للأنباء” (الحلقة الأخيرة)

طلحة جبريل

يتحدث المهدي بنونة في هذه الحلقة الأخيرة عن تجربة صحيفة "لادبيش" (la  depeche) . يقول في هذا الصدد " كانت البداية صعبة للغاية، لأنني لا أملك مطبعة، لذلك اتفقت مع الاتحاد المغربي للشغل (أكبر تنظيم نقابي وقتها) للاستفادة من مطابعه في الدار البيضاء وهي مطابع في حالة سيئة اصلحناها في فترة قصيرة وبدأنا في طبع الصحيفة فيها. ورغم أن طباعتها لم تكن جيدة لكنها صدرت وهي تختلف شكلا ومضمونا عن بقية الصحف. واضطررت للتنقل بين الرباط حيث عملي في الوكالة والدار البيضاء للإشراف على اصدار الصحيفة. صدرت لادبيش في ست صفحات واحيانا كانت تصدر في ثماني صفحات. خصصنا الصفحة الصفحة الاخيرة التي درجت الصحف المغربية على تخصيصها للرياضة للرأي وكنا ننقل اراء الاحزاب المعارضة والموالية كما ترد في صحفها الى جانب المقال الافتتاحي.


الأخبار التي تنشرها الصحيفة اختلفت من حيث صياغتها عن اخبار الصحف الاخرى اذ عملنا على تجميع اخبار الوكالات ثم يتولى المحررون عجنها وإضفاء طابع خاص عليها يحمل توجهات وروح الصحيفة. واعتدنا على عقد اجتماع صباحي نستعرض خلاله جميع الأخبار. ويتم اثناء الاجتماع اختيار المواضيع الرئيسية وتحديد كيفية صياغتها.
استمرت لادبيش تصدر حتى عام 1972 وخلال تلك السنة تغير الوضع اذ تحولت ملكية صحف"ايف ماس " الى ملكية مجموعة مغربية. يترأسها مولاي أحمد العلوي الذي سبق ان عمل وزيرا للاعلام وشغل عدة مناصب وزارية في الحكومات المغربية المتعاقبة.
بعد ان تولى مولاي احمد العلوي مسؤولية صحف ايف ماس، تغيرت أسماء الصحيفتين اليوميتين اللتين اصدرهما ايف ماس، الاولى اصبحت تسمى le matin (لوماتان) والثانية maroc soir (ماروك سوار).
اضطررت لايقاف صحيفة لادبيش لان إصدارها تطلب مني جهدا كبيرا الى جانب اعبائي كمدير لوكالة المغرب العربي للانباء. ولم تكن هناك جدوى مالية من اصدار الصحيفة اذ تحملت خسائر مادية كبيرة. ثم انني لم اجد مبررا لإصدار الصحيفة بعد ان حصل ما رغبت فيه، وهو خروج صحف ماس من الميدان، اذ كنت ضد فكرة اصدار فرنسيين لصحف في المغرب. وعلي الان الاقرار بأنني رغبت في أن أحل محل صحف "ايف ماس" لكن هذا لم يحدث ونشأت صحف أخرى، ولم يعد ممكنا مواجهة التيار الجديد ففضلت الانسحاب من الميدان وإغلاق صحيفة لادبيش. والواقع أن مجموعة الشباب الذين عملوا معي في تلك الصحيفة وجدوا في انسحابي إقرار بالهزيمة لكنهم رغم ذلك تفهموا الوضع وجلهم سيعملون لاحقاً في رئاسة تحرير عدد من الصحف التي تصدر في المغرب.
حين أنشأت وكالة المغرب العربي للانباء. كان هدفي الرفع من مستوى الصحافة في المغرب، عبر تزويدها بأكبر قدر من المادة الاخبارية أملا أن يتولى محررو الصحف تقديم تلك المادة  بصياغة ملائمة. لكن يبدو أن الصحف لم تفهم الغاية من الوكالة. فقد اكتفوا بنشر قصاصات الاخبار كما تبث. دون أي تعديل او إضافة، بديهي أنك حين تقرأ الصحف المغربية لا تجد فرقا في أخبارها وفي اسلوب تقديمها وأعتقد أنني لم أنجح في مهمتي كما رغبت.
مع تطور وتوسع عمل الوكالة ارتفع معدل الاخبار التي توزعها مابين 150 الى 180 خبرا يوميا بالعربية داخل المغرب ومثلها بالفرنسية ووصلت النشرة الموجهة الى افريقيا بالفرنسية والانجليزية الى 7000 كلمة يوميا. تتوزع ما بين الاخبار و التعاليق المختلفة.
لقد سعيت الى توزيع أخبار الوكالة في الاقطار الافريقية الناطقة بالانجليزية خاصة في نيجيريا وكينيا وتنزانيا، نظرا لدورها ووزنها على الصعيد السياسي وكان عدد الأشخاص الذين يتقنون الانجليزية في المغرب محدود جدا لذا استعنت باحد أصدقائي الفلسطينيين كان يدرس اللغة الانجليزية في مدرسة النجاح بنابلس. وهو الأستاذ المرحوم عبد الرحمن باميا. الذي عمل على تأسيس قسم اللغة الانجليزية في الوكالة وظل يشرف على تسييره إلى أن توفي في الرباط.
خلال عام 1971 وقعت محاولة انقلابية في المغرب وهي المحاولة التي عرفت "بإنقلاب الصخيرات"  وتلتها في عام 1972 محاولة أخرى كانت تهدف إسقاط طائرة الملك الحسن الثاني . الحادثتان كانتا بمثابة مسألة غير مألوفة في المغرب واحدثتا رجة نفسية في الوسط السياسي ونتيجة لهذه الرجة تنبه المسؤولون في المغرب إلى الدور الخطير لوسائل الإعلام وضرورة إشراف الدولة على هذا القطاع. فبدأت تروج في مطلع عام 1973 فكرى لدى بعض المسؤولين بضرورة تأميم قطاع وكالة المغرب العربي للانباء.
سارعت وقتها وكالة رويترز بنشر خبر مقتضب لا يتجاوز ستة أسطر يقول، علمنا من مصدر مسؤول في الرباط أن وكالة المغرب العربي للانباء ستؤمم. وجاءت ردود الفعل سريعة على نشر الخبر، اذ طلبت بعض الدول الافريقية ايقاف اشتراكها في الوكالة بحجة ان انتقال ملكيتها للحكومة سيجعل منها وكالة للدعاية وليست وكالة للأنباء. وفي يوليوز 1973 انقطعت كل الاشتراكات الافريقية وهنا بدأت الح على الحكومة القيام بهذه الخطوة، بعد  أن تأكد لدي وجود اتجاه للتأميم، وبالفعل تولت الحكومة إدارة الوكالة مباشرة عن طريق وزارة الإعلام  في يناير 1974 لا أحتاج أن أتحدث عن التعويض الهزيل فقد اعتبرته مجحفا لكنني لم أكن أهتم بالجانب المادي.
حيث تحولت ملكية الوكالة للدولة. كانت قد خلقت سمعة دولية طيبة، ولها اتصالات على نطاق واسع، وتربطها عقود مع عدد واسع من الوكالات الأجنبية. ولها زبائن داخل وخارج المغرب. ويعمل بها مجموعة من الصحفيين والفنيين، الذين تدربوا تدريبا جيدا. تولت الحكومة مسؤولية مؤسسة متكاملة. وظلت الاطر التي عملت معي هي الأطر نفسها التي أشرفت على تسيير الوكالة فيما بعد، وحتى بالنسبة لعبد الجليل فنجيرو الذي تولى منصب المدير العام . كان هو نفسه المدير خلال فترة  اشرافي على الوكالة. كل ماحدث بعد التأميم ان وزارة المالية عينت مندوبا لها داخل الوكالة ليتولى مسؤولية الإشراف المالي طبقا لنظم وقواعد عمل المؤسسات الحكومية.
ويختم المهدي بنونة  حديثه قائلاً "منذ قرار تأميم الوكالة عام 1974 تخليت نهائيا عن ميدان الإعلام والصحافة ورفضت تولي أي منصب لقد انتهى تاريخي الشخصي مع هذا القطاع بقرار التأميم.
كنت معترضا على قرار تأميم الوكالة، ورغم أنه لاسبيل للمراجعة. وانصب اعتراضي على ان وضع المغرب كبلد ديمقراطي اختار ملكه وشعبه النظام التعددي ويمنع دستوره قيام الحزب الواحد. لا يتلاءم مع وجود وكالة أنباء حكومية، لانها في هذه الحالة لن تعكس جميع وجهات النظر على الساحة السياسية، وبالتالي فهي ليست مرآة صادقة للخارطة السياسية، ظل هذا هو اعتراضي الأساسي على فكرة التأميم.
وعلي القول بأن قرار خروجي من وكالة أسستها من الصفر، شكل لي صدمة قوية، إذ كان القرار يعني خروجي  من ميدان بقيت أعمل فيه منذ عام 1941، وحين صدمت تلك الصدمة قررت إنهاء حياتي الصحافية".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إحدى عشر − ثمانية =

زر الذهاب إلى الأعلى