عبد الله كنون: رائد التعريف بالنبوغ المغربي في الفكر والأدب
الدار/ خاص
ضيف هذا الركن علامة مغربي بارز وإسم شامخ في سماء العلوم التي تنفع الناس. نقول هذا ونحن نأخذ بعين الاعتبار مستوى ومؤشر التبعية التي أصابت العديد من المغاربة خلال العقود الأخيرة، وخاصة في المجال الديني، حيث أصبح بعضنا تابعا ذهنيا لما يأتي من الخارج، مع أنه لا يوافق بالضرورة الخصوصية المغربية في التدين والثقافة والحضارة… إلخ.
إنه عبد الله كنون، (1908 ــ 1989)، من مواليد مدينة طنجة، حيث استقرت أسرته بعد أن حالت ظروف الحرب العالمية الأولى دون هجرتها إلى الشرق.
تلقى كنون العلم على يد والده العلامة الفقيه سيدي عبد الصمد بن التهامي كنون، في بيت الأسرة بطنجة، بعد تعذر الهجرة إلى الشام من فاس على إثر دخول الاستعمار إلى المغرب. وكان والده عالما ضليعا، متبحرا، مشاركا، له قدم راسخة في العلوم والمعارف المتنوعة. كما تلقى العلم في صباه المبكر ويفاعته على علماء طنجة في بعض المساجد التي كانت بمثابة جامعات مفتوحة تعج بالعلم والعلماء وشداة المعرفة من كل الأعمار والفئات، وكان أحيانا يختلف إلى بيوت بعض العلماء ليتلقى دروسا خصوصية في علوم معينة. ثم ما لبث أن أغرق نفسه في قراءات حرة يلتهم ما يصل إلى طنجة في مطالع هذا القرن من كتب ومجلات وصحف، التهاما شديدا.
مما اشتهر به كنون، أن قراءته كانت متنوعة، ونَهِمَة، وموصولة الأسباب، وبجهده الخاص تعلم الإسبانية والفرنسية، فكان يقرأ بهما، ويتابع الجديد الذي يصدر بطنجة وهي يومئذ خاضعة للإدارة الاستعمارية الدولية، حتى صار من قادة الفكر والعلم والعمل الوطني لما انتظم في إطار الحركة الوطنية، من كتلة العمل الوطني في عام 1934، إلى الحزب الوطني في عام 1937. ولكنون مواقف مشرفة في هذه المجالات جميعا.
اشتغل ابتداء من سنة 1936 بالتدريس حيث أسس مدرسة "عبد الله كنون" الحرة والمعهد الديني بطنجة، كما عمل سنة 1937 مديرا للمعهد الخليفي ثم أستاذا بالمعهد العالي وبكلية أصول الدين بتطوان. تقلد منصب وزير العدل في الحكومة الخليفية بين سنتي 1954-1956. ثم عين عاملا بطنجة سنة 1957 وقدم استقالته عام 1958.
ترك الفقيد كنون مجموعة كبيرة من المؤلفات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، كتابه الشهير "النبوغ المغربي في الأدب العربي"، ويعتبر من المؤلفات المرجعية في التعريف بالخصوصية والإبداع المغربي في عدة مجالات إبداعية، أمراؤنا الشعراء، مدخل إلى تاريخ المغرب، واحة الفكر، تلقيب الوليد الصغير لعبد الحق الإشبيلي، ديوان ملك غرناطة يوسف الثالث، القدوة الزقاقية، أحاديث عن الأدب المغربي الحديث، أزهار برية، جولات في الفكر الإسلامي، تفسير سور المفصل من القرآن الكريم، أدب الفقهاء، وأعمال أخرى، ولكن يبقى كتابه المرجعي "النبوغ المغربي" من أشهر هذه الكتب، حيث ترك أثرا طيبا في المشرق العربي، ومن ذلك ما صدر عن شكيب أرسلان في عرضه للكتاب، ونشره في صحيفة "الوحدة المغربية"، قائلا: "إن المؤلف جمع في كتابه بين كل من العلم والأدب والسياسة"، منوها ببراعة العلامة كنون وإبداعه في تصوير الحياة الفكرية في المغرب.
والملاحظ هنا أن إنتاج الفقيد كان غزيرا، حيث شمل كتابة المقالات الصحفية، وتأليف الكتب الجامعية إلى جانب إصداره لمنشورات فكرية وثقافية، فكانا النتيجة أنه حظي عضوية لائحة من الهيئات الإسلامية، نذكر منها: المجمع العلمي بدمشق عام 1956، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة عام 1961، ورابطة علماء المغرب، وهيئة القدس العلمية عام 1973، ومجمع اللغة الأردني عام 1978، والمجمع العلمي العراقي عام 1979.
ترأس عبد الله كنون تحرير مجلة "لسان الدين"، كما عمل مديرا لجريدة "الميثاق"، وساهم في تحرير مجلة "الإحياء". وقد حظي بعضوية مجموعة من الهيئات: المجمع العلمي بدمشق 1956، مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1961، رابطة علماء المغرب، هيئة القدس العلمية 1973، مجمع اللغة الأردني 1978، المجمع العلمي العراقي 1979، أكاديمية المملكة المغربية 1980.
توفي عبد الله كنون في 1989، ولا زالت أعماله من المراجع الهامة تطلب في الجامعات، وتدرس، وتدور حولها الرسائل والأطروحات، ولا تزال جوانب عديدة من حياته في حاجة إلى البحث والدراسة وتسليط الأضواء، فهو شخصية متعددة العطاءات، غزيرة الإنتاج، وجديرة بكل عناية واهتمام، خاصة في السياق الزمني الراهن.