في عهد حكومة العثماني: المامونية.. ذاكرة للبيع!
الدار/ سعيد المرابط
صار الحديث عن فندق "المامونية"، أحد الأحاديث الشاغلة للرأي العام المغربي، ليس لأنه أشهر معالم مدينة مراكش الحمراء، ولا لسجله الحافل بأسماء مشاهير والشخصيات العالمية التي اتخذت منه وجهتها المفضلة.
وحتى فوز، فندق ”المامونية“، بأفضل فندق في العالم لعام 2018، ليس هو السبب وراء هذا الحديث الذي يثيره الفندق الفخم.
سد العجز في ميزانية 2019
في خطوة منها، لسد العجز الذي تعاني منه ميزانيتها، قامت ”حكومة العثماني“، بعرض هذا الأثر التاريخي، الذي يحمل إسمه إشتقاقاً من ”حدائق المأمون“، التي يضمها سوره، التي أهديت ل”مأمون“، ابن السلطان محمد بن عبد الله، الذي حكم المغرب في القرن الثامن عشر، في زواجه وظلت محتفظة باسمه حتى يومنا هذا.
الحكومة، أعلنت بيع المامونية، إلى جانب شركة الكهرباء ”إنرجي إليكتريك تاهادارت“، محطة توليد الطاقة الحرارية ، المتموقعة على بعد 10 كيلومترات شمال مدينة أصيلة؛ بقيمة 553 مليون يورو، وبهذا الدخل، تتوقع أن يغطي ربع النفقات الإجتماعية الإضافية المتوقعة في عام 2019، حسب ما أعلنه المتحدث بإسم الحكومة مصطفى الخلفي في مؤتمر صحفي.
وكشف الخلفي، في ذات المؤتمر أن ميزانية 2019، التي مازالت تحتاج يوافق عليها البرلمان؛ تحتاج إلى مبلغ إضافي قدره حوالي 2500 مليون يورو، مقارنة بالعام 2018، ويرجع ذلك أساسا ”إلى زيادة الإنفاق الإجتماعي“.
حاجي: لا يجوز بيع إرث تاريخي وفني يملكه الشعب المغربي
ويرى المحامي، الحبيب حاجي، في حديث خص به صحيفة ”الدار“، أن قضية بيع فندق ”المامونية“، ”تستلزم من الدولة وضع دفتر تحملات، بشروط صارمة؛ تلزم من خلاله المُشتري لهذا الإرث التاريخي، الحفاظ عليه كمعلمة أثرية، ويمنعه منعاً باتاً من هدمه وإنشاء بناءٍ آخر بديلاً له“.
ويضيف حاجي، رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان-غير حكومية-، ”نحن لا نستطيع إيقاف الخوصصة، حين تقرر الدولة ذلك، ولكن من حقنا أن نعرف ماهي شروط البيع، وهل سيتم تغيير نشاطه بإعطاء الحرية للمشتري أن يفعل به ما يشاء“.
وشدد حاجي، من منطلق حقوقي، على عدم بيع ”المامونية“، وكل ما يعتبر إرث تاريخي وفني يملكه الشعب المغربي، مؤكداً أن ”المامونية“، ملك لوزارة الثقافة، المسؤولة عن ”المعالم التاريخية“، ويجب أن تدلي برأيها في هذا، وماذا تقول فيه“.
المامونية.. تحفة المغرب الفنية
ويعود تصميم، هذا الفندق في شكله الآني؛ إلى المهندسين، ”هنري بروست“، و”أنطوين مارشيسيو“، الذان مزجا في ديكور ”المامومينة“ المتكون من مائتي غرفة؛ بين هندسة المعمار المغربي، والهندسة الحديثة.
وعرف الفندق الضخم، عدة تعديلات، في مساره الزمني، إذ شهد إضافات مابين سنتي “1946-1953“، ليخضع بعد عقدين من ذلك، إلى عملية ترميم هي التي أحتفظ منها بصورته الحالية.
وحصد الفندق المغربي ”المامونية“، لقب أفضل فندق بالعالم، حسب تصنيف للمجلة البريطانية ”كوند ناست ترافيليه“، المتخصصة في المجال السياحي.
وسبق أن صنفته مجلة ”كوندي ناست“ المسافر، من بين أفخر أربعة عشر فندقا في العالم.
ويجمع الجميع، أن فندق ”المامونية“ مدرسة، يفتخر بها المغرب خاصة أن هذه المعلمة، دائما ما تكون مفخرة المغرب على المستوى العالمي.
المامونية.. عشق أعلام الفن والسياسة
المكان ذاكرة حية، وحياة صامتة، وفي هذا المكان التاريخي، ”فندق المامونية“، الذي تريد الحكومة بيعه، وبيع قيمة تاريخية، لا مادية، محفورة في أعالي الذاكرة المغربية، معشقة بأعلام الفن، الأدب، السينما والسياسة، الذين يعتبر أشهرهم، رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل، رونالد ريغان، الأميرة كارولين، الأمير الياباني ناريهيو، نلسون مانديلا، ديزموند توتو، جيسكار ديستان وجاك شيراك.
كاتب: منطق بئيس مستعد لتفتيت أي أثر رمزي.. لأنه لا يجلب الثروة
ورأى الكاتب المغربي، عبد الحميد شوقي، في تصريح لصحيفة ”الدار“، أنه : ”عندما يبدأ مجتمع في تفكيك ذاكرته وتبخيس قيمتها فذلك ليس له إلا دلالة واحدة وهو أن هذا المجتمع، أو بالأصح القيمين عليه، يتماهون مع صورتهم الخاصة، وهي أنهم بائسون ومستعدون لتحويل أية قيمة رمزية أو تاريخية إلى مجرد رقم بارد، ينضاف إلى رصيد بنكي“.
وأضاف شوقي، ”في حين أن أية دولة كدولة هي بالتعريف الضامن الأول والأخير للرأسمال الرمزي قبل الرأسمال المالي؛ فبيع المامونية هو طمس لذاكرة تاريخية وقيمة ثقافية تشكل سورا حصينا لرقعة جغرافية إسمها المغرب الأقصى، وفي هذه الحالة ستصبح الدولة، انطلاقا من هذا المنطق البئيس مستعدة لتفتيت أي أثر رمزي بدعوى أنه لا يجلب الثروة، ولا يساهم في السيولة المالية التي تحتاجها الدولة لتنفيذ مشاريعها“.
وأردف الكاتب شوقي متسائلاً، ”إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تغدق نفس الدولة أموالا باهظة على زوايا وإخوانيات دينية، ورابطات لشرفاء ينتمون لمجال متقادم ولا علاقة لهم بأي رأسمال مادي؟، إن تدمير الذاكرة هو فعل ممنهج يراد منه تأبيد صورة باهتة، وعتيقة عن البلد خارج التاريخ، في مقابل تدمير أي أثر مشرق يستمد منه البلد مقومات الوجود الذي يدفع نحو المستقبل“.
رفض وعلامة استفهام
ويرفض السواد الأعظم من المغاربة، بيع الفندق، الذي يمتلك المكتب الوطني للسكك الحديدية نسبة ستين بالمائة منه، ويمتلك صندوق الإيداع والتدبير ”السي دي جي“، مع بلدية مراكش؛ الأربعين الباقية؛ ويرفضون فكرة خصخصته، لأنه في النهاية محو للذاكرة الجمعية، التي تعيش في عمقه، في تاريخه، وفي جذوره.
ومن جهته، قال الكاتب المغربي، عبد المجيد سباطة، للدار، أن ”علامة استفهام كبيرة حول إحترام السلطات للمعالم السياحية والتاريخية والثقافية بالمغرب“، مضيفاً ”في الدول التي تحترم تاريخها وثقافتها، تُبذل كل الجهود للمحافظة على هذه المعالم، لتبقى في ملكية الدولة والمواطنين“.
أن تبيع دولةٌ أثراً، يشبه كتاب تاريخ، يحكي أكثر من ثلاثة قرون، ليس بالأمر الهيّن!، و”المامونية“، حكاية إرث خلفته الأجيال السابقة، وأورثوا همه الثقيل جيلا بعد جيل، وأن يشيد الصمت دون الإقدام على بيعه، معناها أن الحكاية، قد أنهتها آلة الحكومة القاتلة، وستكون خيانةً يسكت عنها التاريخ الحاضر لأنها تحرجه، وعندما سنتذكرها، سيكون كل شيء قد رُتب ولَفَتْهُ استحالة التغيير.