أخبار الدار

الاحتجاج…ثقافة الرفض وتنصيب رأي المواطن

تعيش مجموعة من المدن المغربية في الظرفية الحالية نوعا من الاحتقان الشعبي، ومرده هو رفض الساعة الإضافية بعدما عمدت الحكومة إلى ترسيمها  على مدار السنة بأكملها، وهذا الأمر أثار حفيظة المواطنين المغاربة، خصوصا منهم التلاميذ الذين سجلوا السبق في تدشين الحركات الاجتماعية التي تجوب شوارع المغرب، في خطوة تهدف إلى ثني الحكومة عن قرارها هذا الذي اعتبره المواطنون مرفوضا، داعين إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار رأي المواطنين، قبل الإقدام على اتخاذ خطوة جريئة كهذه. جريئة لأنها لا تتلاءم والبرنامج اليومي للتلاميذ على حد تعبيرهم.    

في السياق ذاته فإن الاحتجاج العارم الذي اجتاح المدن المغربية، والذي شمل العديد من الشوارع والأماكن العامة،إلى أكثر من ذلك الإقدام على المساس بالعلم الوطني والتطاول على ممتلكات الشارع العام من قبل الحدائق والأشجار المؤثثة للمساحات الخضراء، هو الأمر الذي جعل مجموعة من المحللين يعتبرون الأمر تجاوز حدود الاحتجاج السلمي ليشمل الفوضى والتخريب.

في هذا السياق يسوق لنا الأستاذ في علم الاجتماع رشيد جرموني قراءة في الموضوع، من خلال تأكيده أن هذه الاحتجاجات تعبر عن  فقدان الثقة بين المجتمع والدولة، وهو الأمر  نفسه  الذي يعبر عنه الامتناع عن المشاركة في الحياة السياسية، عن طريق ضعف المشاركة في الانتخابات  على سبيل المثال، ما ينم عن عدم الاهتمام بالسياسات التي تنهجها الدولة في  تدبير الشأن العام،  معتبرا ذلك بمثابة نتاج فعلي لمجموعة من خيبات الأمل التي تطال المواطن المغربي، في الكثير من المحطات السياسية، التي لا ترقى لمستوى متطلبات فئة عريضة من المواطنين المغاربة.

كما يشير المتحدث في الصدد نفسه، أن المواطن الذي يجنح إلى ثقافة الاحتجاج في الوضعية الراهنة، سواء بمدينة الرباط أو غيرها من المدن الأخرى، لا يشكل سوى تعبيرا مصغرا يختزل موقف فئة عريضة من المغاربة، الذين يعبرون عن  رفض السياسات التي تتهجها  الدولة في الكثير من القطاعات الحاسمة، مؤكدا أن الاحتجاجات الحالية تعتبر فقط مظهرا واحدا من مجموعة من المظاهر التي تعبر عن هذا الموقف.

وأشار الأستاذ الباحث في علم الاجتماع رشيد جرموني، أن هناك مجموعة من المناطق في المغرب التي تعرف هذا الصنف من الاحتجاجات، غير أنها احتجاجات تختمر ولم تخرج للعلن بعد، يمكن ملاحظتها انطلاقا من مستويات متعددة، كوسيلة يعبر أفراد المجتمع المغربي من خلالها عن امتلاكه لمستوى كبير من الوعي، كونه  شهد تغييرات جذرية و لم يعد كما كان في الماضي، بل  أصبحت له مطالب و احتياجات وتطلعات ترتبط بمستجدات العصر، غير أنها مطالب تظل في معظم الأحيان حبيسة الدعوة إلى تحقيقها فقط، في ظل غياب من يستجيب لهذا المطلب الذي وصفه بالحتمي و الاستعجالي.

في نفس السياق يشير المتحدث أن المستوى الثاني المرتبط بارتفاع حدة الاحتجاج، هو  تزامنه مع فرض قرار حكومي، الأمر الذي يضفي عليه طابعا سياسيا أكثر من كونه حقوقي، كونه جاء موازيا مع تنصيب القرار الذي يرفضه المواطنون المغاربة، الأمر الذي حملهم على اعتبار هذه الحكومة حكومة "هجينة"، ليست لها القوة  الكفيلة بالاستجابة لمتطلبات المواطن المغربي، معتبرا أن هذا الرفض عبر عنه جزء من الشارع المغربي بطريقة  تنم أنه  أصبح على وعي بضرورة إحداث مجموعة من المراجعات السياسية، خدمة لاحتياجات المواطن المغربي، الذي يقول بشكل ضمني من خلال خوض هذه الاحتجاجات :اطفح الكيل والأمر يستلزم رد الحقوق والمظالم لأهاليها".

وأردف القول أن الأغلبية تعبر عن هذا الموقف،  الأمر الذي يكشف العنصر الدال  على وجود تحول ملموس في الوعي بأهمية المطالبة بالحقوق، إلى جانب بروز نوعا من اليقظة الفكرية، لدى هذا المواطن الذي  لا يقبل بما كان يمارس عليه في الماضي، خصوصا وأن  المعطيات المتوفرة والظروف المعاشة، جعلت المواطن المغربي  يفهم أن  المغرب ينقسم إلى مغارب  متعددة،  فهناك من يسير بسرعة قصوى و البعض الآخر  بسرعة متوسطة لتظل الفئة العريضة في آخر الركب بدرجة تطور سرعتها جد ضئيلة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرة − ثمانية =

زر الذهاب إلى الأعلى