غير مصنف

الدَّاعية والسِّياسي…

صلاح بوسريف

السياسة، تَبَصُّرٌ وبُعْد نظر، ليست كلاما يُطْلَق على عواهنه، كما يُقال. والسياسي، هو من يكون منخرطا في واقعه اليومي، متتبعاً لمجريات الوقائع والأحداث، كلامه مبني على معطيات وحقائق. كل ما يقوله هو مسؤول عنه، وله ما يكفي من الحُجَج والبراهين لتبريره. غير هذا يكون الكلام في السياسة باطل، ومحض هُراء.

هذا ما يمكن أن نَسْتَشِفَّه من كلام رجل وجد نفسه فجأة رئيساً للحكومة، ترك خلفه الكثير من الجراح والغبار، لم يكن قادراً على الانتصار لسواد الناس، ممن كانوا سبباً في وصوله إلى هذا المنصب، فترة إدارته للشأن العام، اتَّسَمَتْ بالارتجال، والارتباك، بل بالفشل وسوء التدبير، ما أدَّى، في النهاية إلى التَّخَلُّص منه، لأنه لم يكن يعرف كيف تدور الأرض، ولا كيف يُدِير، هو، مجريات الأمور. أعني طبعاً، عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة السابق.

في آخر خرجاته، كما كُلُّ ما ينطق به من كلام، كلما خرج من جُحْرِهِ، اتِّهامُه للشبان من العاطلين، أنهم لا يريدون العمل، وأنَّ فُرَص العمل مُتاحة وموجودة، ما يعني أنَّ كل الذين لم يجدوا عملاً، هم أشخاص، رغم ما يحملونه من شواهد، غير مفيدين، وأنهم هم مصدر العطب والخلل، وأنَّ البلاد لا غبار عليها، أينما وليت وجهك فثمة عمل ينتظرك، ستجني منه مالاً وفيراً، ربما بنفس ما جناه بنكيران من ثروات، وما بات يتمتع به من تقاعد لم يبلغه حتَّى من قضوا نحبهم في العمل، وعاشوا سنوات من البؤس والشقاء والتعب.

أُذَكِّر السيد بنكيران، أن فرص الشغل هذه التي يتكلم عنها، تنطبق عليه وعلى محيطه، وعلى القريبين منه، ممن خرجوا من مهامهم في السلطة، بغير ما دخلوا به، وغيَّروا مجرى حياتهم الشخصية، كما غيروا جلودهم، قياساً، بما وضعوا فيه العمال والموظفين من حرج اجتماعي واقتصادي، وما اقتطعوه من أموال هؤلاء، ومن تعبهم، سواء في ما أضافوه في عملهم من سنوات، لسد عجز صندوق التقاعد، الذي لا مسؤولية لهم في فراغه، وما فرضوه على هؤلاء من اقتطاعات، كان جديراً برئيس الحكومة، آنذاك، أن يكون شجاعاً ويذهب إلى الأثرياء، ويشير بالإصبع  إلى المسؤولين عن خراب صناديق التقاعد، ومن كان سبباً في النزيف الذي جرى فيها. لم يحدث هذا، وتم حجب الشمس بالغربال، وها هو سبب كل هذه المحن، وغيرها من مشكلاتنا التي ما نزال نعاني تبعاتها إلى اليوم، يخرج علينا ببدعه التي لا يمكن فهم القصد منها، سوى التضليل، وتبرير الخسارة والعجز والفشل في التدبير، البارحة واليوم، باتهام الشبان بالكسل، وبالعطب، وأنهم هم من أوقفوا سوق الشغل، وأن الدولة فاضلة، أتاحت ما لا يُتاح، وأوجدت كل ما يرغب فيه الناس من عمل وسكن، إذن، العتب على من رفضوا كرم الدولة ورخاءها.

ليسمح لي السيد بنكيران أن أوشوش في أذنه، أنت تجري خارج حلبة السباق، اختزلت الزمن في ما سعيت إليه من تقاعد مريح، وفي ما وفرته من وظائف لأبنائك والقريبين منك، وخرجت تخطب في الناس بالباطل، أنت من تدعي الإيمان طريقاً، وتدعو إلى الموعظة الحسنة. ثمة مسافة بين السياسة والدين، وبين الحكومة والجامع، فالداعية لن يكون سياسياً، ولن يكون متبصراً، لأنه رجل يتكلم خارج سياق التاريخ والمجتمع، وخارج سياق الأحداث والوقائع، ويكتفي بالإنشاء والخطابة، وهو رجلُ يقين مطلق، يؤمن بالأجوبة، وليس له سؤال، لأن السؤال عنده ممنوع وحرام، لذلك ففكر الداعية، هو فكر مغلق، يقول ما لا يفهمه، راسخ، جامد، تجاوزته الأحداث، يعيش على الماضي في الحاضر، وهذا، يا سيدي، هو ما أنت فيه، فأعِد تفكيرَ ذاتك، وانظر حولك كيف الأرض تدور، إن كنت تراها، فعلا، تدور.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 − اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى