أخبار الدار

هل خلع بنكيران “جبة المناضل” سعيا وراء جبة “رجل الدولة”؟

الدار/ رشيد عفيف

الحيوان السياسي الذي يسكن عبد الإله بنكيران يرفض تصديق نهاية المسيرة وبداية التقاعد. هذا ما يؤكده إصرار رئيس الحكومة والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية على الظهور والخروج الإعلامي المستفز للكثير من الجهات والفئات والتيارات. مستفز للموظفين وخصوصا لرجال ونساء التعليم، ومستفز لتيار الاستوزار داخل حزبه، ومستفز أيضا لبعض الإخوة الأعداء من التحالف الحكومي. عملة الاستفزاز التي تجسدها تلك التصريحات المثيرة والمتواصلة للرجل تفصح عن رغبة واضحة في تمديد عمره السياسي رغم إحالته على المعاش ونهاية مهامه التقريرية الرسمية داخل الحزب.

لكن هل انتهت فعلا مسيرة بنكيران السياسية؟ إذا تتبعنا خرجاته وتوقيتها وسياقها فسنكون من السذاجة بما كان إذا اعتقدنا أن عبد الإله بنكيران قد شبع من ممارسة السياسة والسعي وراء السلطة. فرغم كل تصريحات "الزهد المصطنع" التي يعبر عنها بين الفينة والأخرى إلا أن كل رسائله الإعلامية التي لا تنتهي تكاد تنطق بنداء واحد مفاده "نحن هنا". فالرجل لم يتوقف أبدا عن الدفاع عن "الإصلاحات اللاشعبية" التي أشرف في الحكومة السابقة على تنزيلها وعلى رأسها إصلاح صندوق المقاصة برفع الدعم عن المواد الأساسية، ثم إعادة هيكلة صناديق التقاعد ونظام المعاشات. الدفاع عن قرارات مثل هذه والترويج لأخرى تشبهها رغم تأثيرها على شعبية البيجيدي ينطوي على استعداد الرجل للمزيد من التضحية برصيد الحزب في سبيل وضع نفسه رهن إشارة مهام مستقبلية باعتباره "رجل دولة".

عبد الإله بنكيران أكثر من يحلم اليوم بين الإسلاميين بتعيينه وزير دولة بدون حقيبة أو مستشارا ملكيا بعد أن خرج ضمنيا من جبة السياسي والحزبي المناضل، ليرتدي جبة "رجل الدولة". وهذا ما يفسر في كثير من الأحيان إمعانه اللامفهوم في استفزاز بعض الفئات الاجتماعية وعلى رأسها الموظفين، الذين خسر الحزب كثيرا من رصيده بينهم. شخصية رجل الدولة كما يمارسها بنكيران المحال على التقاعد تظهر كثيرا في تناقضات تصريحاته بين إشاعة روح اليأس والتشاؤم من خلال تهجمه على ما يسميه "التحكم"، وبث روح الأمل بحديثه مثلا يوم أمس في الدار البيضاء عن تميز المغرب وكونه من "أحسن البلاد العربية".

هذا السعي لامتلاك شخصية رجل الدولة أو الاعتقاد ببلوغها هو الذي يجعل بنكيران لا يتورع عن إطلاق النار على أقرب المقربين بمن فيهم رفاق الدرب مثل سعد الدين العثماني. بالأمس رفض بنكيران في لقاء نظمته "مبادرة تيزي" بجامعة محمد السادس للصحة بالدار البيضاء مقارنة حكومته بحكومة سعد الدين العثماني قائلا "تجب محاسبة كل حكومة على حدة، فالعثماني هو العثماني وبنكيران هو بنكيران". نحن هنا نتحدث عن زعيم سابق لحزب إسلامي كان يؤمن إلى الأمس القريب بروابط الأخوة والفداء والإيثار، لكن يبدو أن ارتطامه بالسلطة والسياسة أخرج منه ذلك الكائن السياسي الكامن والمستعد لرسم مساره الشخصي ولو على حساب الآخرين.

إن خرجات بنكيران التي لا تتوقف بعيدة عن فكرة الترويج الانتخابي لاستحقاقات 2021 كما قرأها البعض، فهي كثيرا ما تسيء للحزب أكثر مما تفيده، لكنها في العمق رسائل شخصية يبعثها الرجل الذي يبدو أنه لم يتوقع تقاعدا مبكرا كالذي تمت إحالته عليه. ومن ثمة أضحى مستعدا أكثر من أي وقت مضى للمزيد من التبني لطروحات التهدئة التي يمكن أن تبوئه في المستقبل مسؤولية جديدة. فوحده رجل الدولة من يستطيع أن يصرح كما فعل بنكيران قبل أسبوعين عندما قال إن "فرص الشغل متوفرة في المغرب وما كاينش اللي يخدم" علما أن جل الأرقام والإحصائيات بما فيها الرسمية تتحدث عن تفاقم البطالة خصوصا في صفوف الخريجين.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − أربعة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى