فن وثقافة

أرفود.. متحف أحفوري مفتوح في الجنوب الشرقي للمغرب

الدار/ ترجمة وتحرير: سعيد المرابط

ليس مجازاً إذا قلنا أن مدينة أرفود، كتاب تاريخي مفتوح، بين وادي زيز، ونخلٍٍ باسق يقف بشموخ، حارسا لهذا المكان الأثري، المعشق بروائح من تاريخ غبار.

يقول أهالي مدينة أرفود؛ عاصمة واحدة من أكبر واحات الجنوب الشرقي في المغرب، على الحدود مع الجزائر؛ أن جهتهم “أكبر متحف مفتوح” للحفريات في العالم.
في الجبال الصخرية القاحلة، والمحيطة بالمدينة؛ هناك صخور عملاقة تحتوي على بقايا، آثار وبصمات الحيوانات المنقرضة البرية، من الديناصورات لأسماك القرش مروراً بعدة أنواع من الأصداف البحرية، التي يعود تاريخها إلى عشرات الملايين من السنين، وحتى قبل ظهور البشر.
ولكن، ليس من الضروري الذهاب إلى هذه الجبال، أو الخروج إلى الصحراء لاكتشاف تلك الحفريات، حيث تزخر المدينة بالأماكن التجارية، وهي مزيج من المتاجر والمتاحف، حيث يتم عرض آلاف القطع، ومعظمها للبيع.


ويمكنك العثور فيها على أحافير في عصور مختلفة، العديد منها مدمج في القطع الزخرفية مثل المزهريات والأطباق، وأيضاً كأدوات للاستخدام اليومي في الطاولات وأحواض الغسيل والحمامات المنحوتة من نفس الصخرة، بالإضافة إلى حلقات المفاتيح ذات الأحجام المختلفة.
الأحافير الأكثر شيوعًا في المنطقة هي الأمونيون والفصوص الثلاثية، وكذلك البورفيري، وهي حيوانات بدائية انقرضت متذ مئات الملايين من السنين.


اكتشف السكان المحليين في منتصف القرن الماضي، أن هذه الحفريات الملقاة في كل مكان؛ يمكن أن تصبح مصدرا مدراً للدخل، فبدؤوا في بيع القطع التي تم جمعها من جبال المنطقة، للسياح الذين يزورون المكان.
يقول الخليفة بوعايش (39 عاما)، لوكالة ‘‘إيفي’’ الإسبانية، وهو مالك أحد هذه المعارض الأحفورية، إن مشروعه، نتيجة لجهد طويل من قبل أسرته، وذكر أن جده كان لديه الفكرة، في نهاية السبعينيات، لبيع السياح الأجانب، هذه الحفريات التي تم جمعها من الصّحراء، “جدي اختار حفريات الجبل، من دون أي عمل أو حفر، ووقف في الطريق حيث يمر السياح لبيعها”.


لقد مثلت سنوات الثمانينات من القرن الماضي، ازدهار بيع الحفريات في المغرب: ثم قرر والده إنشاء شركة عائلية حديثة لاستخراج وبيع هذه المواد.
في التسعينات، عانى هذا القطاع من أسوأ أزماته، حسب التاجر ما صرح به التاجر، بسبب سقوط السياحة زمن حرب الخليج، ولكن بعد العام 2000 استعاد زخمه، مما شجع شركته على إغلاق الصفقات مع الشركات الغربية لجذب السياح، وخاصة من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، الذين يسافرون إلى المغرب لوحدهم بحثًا عن الأحافير.
وأضاف المتحدث لـ‘‘إيفي’’، أن شركته تركز سياستها على ثلاثة أهداف: الحفاظ على سمعة جيدة في حالات التزييف الأحفوري، والحفاظ على عملياتها القانونية والإيكولوجية في الإنتاج، وخلق العمالة المباشرة وغير المباشرة.
وأوضح أن الكثير من معرفته بالمجال، قد اكتسابها بفضل البعثات العلمية التي تزور المنطقة، والتي زودته بالكتب والوثائق التي تعلم منها كثيراً خارج حدود خبرته.
يرفض بوعايش، فكرة أن الأحافير مهددة بالنقصان لأنه، في رأيه، “لا يمكن أن يكون الإنتاج ضخمًا لأن البيع بطيء جدًا”.
وفي السياق، تجدر الإشارة، إلى أنه في المغرب، يتم استخراج وبيع وتصدير الأحفوريات (هياكل الديناصورات مثلا) بدون رقابة حقيقية، الأمر الذي يفرغ باطن الأرض المغربية، من كنوز عمرها ملايين السنين ولا تقدر بثمن.
وفي هذا الصدد، تقول نزهة لزرق، الخبيرة في جامعة القاضي عياض بمراكش، أن الاستغلال القانوني الأحفوري لا يمثل تهديدا، لأنه الدولة متحكمة فيه، ولكنها تحذر من الاستغلال غير المشروع.
وتوضح، أن الخطر الذي يهدد الأحافير، يتألف أساسا من استنزافها في بعض المناطق، التي تكون مهمة لدراسة الطبقات الجيولوجية.


وفي العام 2000، أضافت منظمة اليونسكو منطقة تافيلالت، أين تقع أرفود، إلى الشبكة العالمية من محميات المحيط الحيوي لحماية تنوعها البيئي والجيولوجي والثقافي، والذي يشمل الحفريات.

ومن جهتها، تقول حسناء الشناوي، من “جميعة حماية التراث الجيولوجي بالمغرب”، إن “أرفود مشهورة في العالم بأسره بتجارة الأحفوريات”، وتضيف أستاذة الجيولوجيا بجامعة الحسن الثاني، أن المغرب، الذي كان ”مفصلا بين القارتين الإفريقية والأمريكية، عرف محاولة فاشلة لميلاد محيط قبل ظهور الأطلسي، وبالتالي فالكثير من الحيوانات والنباتات تعرضت للانقراض المكثف وتحولت إلى الأحفوريات التي يتم العثور عليها اليوم”. 
ويمكن القول، أن هذا المتحف المفتوح بأرفود، جذب تجارة غير منظمة مكنت من إخراج آثار نفسية جدا من المغرب، مثل هيكل الديناصور الذي ظهر في مزاد علني بباريس بحر سنة 2017، والذي تم استرداده وإعادته إلى البلاد بعد ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين + 13 =

زر الذهاب إلى الأعلى