فن وثقافة

كتاب “بابلو إسكوبار والدي”… الدار تقدم النسخة العربية (الحلقة 8)

الدار/ ترجمة حديفة الحجام

الفصل الثالث

إحلال السلم مع "الكارتيلات" (1)

كان لخبر إعلان قدوم مالك الخيول فابيو أوتشوا ريستريبو لزيارتنا في "ريسيدينسياس تيكينداما" ظهيرة يوم 5 دجنبر 1993كفيلا بإخراجنا من حالة الحزن والغموض، وذلك بعد دفن والدي في ميديين بأربع وعشرين ساعة. وكنا على علاقة به منذ أواسط الثمانينيات.

سمحت بإدخاله، فما كان من دون فابيو إلا أن تركنا مندهشين بسبب حضوره محملا بعشرات القدور من كل الأحجام مليئة بالطعام. بدا كما لو أنه أفرغ مطعم "مارغاريتا" الخاص به والكائن بأحد زوايا منطقة "أنتي أوكيا"، على الطريق السريع شمال بوغوتا. حمل معه حوالي مائة وخمسين صينية كانت كافية لإطعامنا نحن والجنود والشرطة ومحققي "قسم مكافحة المخدرات في كولومبيا وأمريكا اللاتينية" و"مديرية التحقيقات الإجرامية والانتربول" المكلفين بحراستنا. صحيح أن الأمر كان مبالغا فيه لكننا رحبنا به بطبيعة الحال.

ضمّت السُّفرة ما لذ وطاب من أنواع المأكولات والمشروبات. لكن وبما الأشياء الجميلة لا تدوم طويلا فقد قال لنا عند نهاية الحفل، حوالي الخامسة بعد الزوال، بنبرة هادئة وشديدة، أنه كانت هناك أخبار تروج، مفادها كون فيديل كاستانيو، زعيم "لوس بيبي"، ما زال يُفّعل أمر اغتيالي أنا ووالدتي وأختي.

–يقول فيديل كاستانيو إن بابلو إسكوبار كان مقاتلا لكنه ارتكب خطأ تكوين أسرة؛ وهذا هو السبب في كونه وحيدا ليس له أحد، حتى لا يَبكيه أحد – أضاف فابيو أوتشوا وهو ينقل كلمات كاستانيو وتبرير قرار إبادتنا.

الخبر الذي أطلعنا فابيو أوتشوا كان أشبه بحكم بالإعدام، فقد كنا نعلم جيدا السلطات الواسعة لكاستانيو، فوهو الذي قاد مجموعة طاردت والدي وأردته قتيلا. ومنذ تلك اللحظة وإلى أن غادرنا كولومبيا بعد تسعة أشهر، ربطتنا بفابيو أوتشوا ريستريبو علاقة أمتن بكثير مما كان عليه في حياة والدي، حيث كان يرسل الطعام من مطعمه باستمرار، كما كانت أختي مانويلا تذهب بين الفينة والأخرى إلى "مارغاريتا" لتمتطي أفضل خيوله.

حينما علمنا بتمادي كاستانيو في قراره بالقضاء علينا، قررنا محاولة التواصل معه، فبعثنا له رسالة وقعتها والدتي توسلت إليه فيها بحياة أطفالها، ووضحت له فيها أنها لم تشارك في الحرب وأنها مستعدة لإحلال السلام مع أعداء زوجها الفقيد. وكانت والدتي معتدلة في تفاؤلها بسبب أنها، حسب ما ذكرت، شاطرت فيديل كاستانيو الشغف بنفس الفن. حصل ذلك في الفترة التي كان فيها صديقا مقربا لوالدي وكانا يتاجران معا في الكوكايين عبر طرق ناجحة تماما. واعتاد كاستانيو التردد على أوربا، وخاصة باريس، –حيث قال إنه كان يمتلك هناك شقة تضم جزء من كبير ا من مجموعاته الفنية– لزيارة المتاحف وحضور أفضل المعارض واقتناء الأعمال الفنية.

وخلال إحدى المناسبات، ذهب كاستانيو إلى مبنى موناكو في ميديين وأراه والدي مجموعته المكونة من لوحات فنية ومنحوتات موزعة على طابقي منزله الفاخر الممتد على 1500 متر. وكانت حيطان البيت كلها تقريبا تضم إما لوحة فنية أو منحوتة. ولشد ما كان فخرها عندما أخبرها صاحب أحد المعارض المشهورين أن معرضها أهم معرض في أمريكا اللاتينية في تلك الفترة.

في ذلك اليوم، أبدى فيديل كاستانيو اندهاشا كبير من جودة التحف الفنية التي جمّتها والدي لفنانين من أمثال فيرناندو بوتيرو وإدغار نيغريت وداريو موراليس وإنريكي غراو وغرانثيسكو أنطونيو كانو وأليخاندو أوبريغون وديبورا أرانغو وكلاوديو برابو وأوسوالدو غاياسامين وسلفادور دالي وإيغو ميتوراج وأوغوست رودين، وكذا القطع الأثرية القديمة مثل الجرار الصينية والقطع الذهبية والفضية التي تعود لحقبة ما قبل كولومبيا.

ولفعل نفس الشيء ومفاجأة والدي، دعاهما كاستانيو بدوره بعد عدة أسابيع لحفل عشاء بمنزله الكبير المعروف بـ "مونتيكاسينو"، الكائن وسط ميديين وإنبيغادو. كان عبارة عن حصن منيع محاط بأسوار عالية، وقد شهد ميلاد "لوس بيبس"، وخلف أسواره جرى الاتفاق على ارتكاب أكبر جرائم المجموعات شبه العسكرية.

مرّت السهرة بشكل متوتر، إذ أحس والدي بعدم الارتياح هناك، فهو لم يتعود على ذلك العرض الفاخر الذي ضم نادلين، وحتى فيديل نفسه استقبلهم وهو يرتدي بدلة من "سموكنج"، كما استعمل أطباقا من الفضة وخمس أشواك. وحينما حانت ساعة تناول الطعام، سأل والدي والدتي همسا عن كيفية استعمال الملقط لكسر مخالب سرطان البحر لكيلا يُحرج على المائدة.

بعد انتهاء العشاء، أخذهما فيديل في جولة عبر المنزل وعبر قبوه الذي ملئ عن آخره بالخمور الفرنسية، كما أخبرهما أن أعد حماما تركيا بالبخار وحوض الماء مليء بالماء الساخن والرغوة.

–لكي نسترخي قليلا بابلو.

لم يستطع والدي إخفاء انزعاجه فرفض دعوة الحمام التركي متعذرا بموعد كان ينتظره.

طالما اعتقدت أن والدتي كانت معجبة بفيديل كاستانيو، وذلك هو سبب انزعاج والدي الذي كان في الحقيقة غيورا لدرجة أنه منعه من زيارة والدتي في مبنى "موناكو".

تحول تفاؤلنا المعتدل بعدما بعثنا له الرسالة إلى طمأنينة حينما تلقينا جوابه في شكل رسالة من ثلاث فقرات قال فيها إنه لا يحمل أي شيء ضدنا وإنه أعطى أمره بإرجاع بعض الأعمال الفنية التي سرقها "لوس بيبييس" من إحدى المساكن، من بينها اللوحة العملاقة "روك أند رول" للفنان الإسباني سالفادور دالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى