فن وثقافة

“خبز وملائكة”.. فيلم مغربي ينبش في رماد “ثورة الخبز”

الدار/ سعيد المرابط

لا يزال شبح سنوات الجمر والرصاص، يخيم على المغاربة، بعبعاً مقيتاً لذكرى جلاد، طيف من ماضٍ أسود مرعب، انتظار يتيح لقاءً، بشهيد عذب على اسفلت بارد، قتل ودفن دون شاهد قبرية يتيح لقياه.

من هذا المنطلق، ومن عمق شاشة “سينما النهضة”، بالرباط، عرضت جمعية “اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان”، لأول مرة فيلم “خبز وملائكة”، الذي عرض في الشاشة الكبيرة، مكاناً عند تقاطع شارعين من شوارع البيضاء، حيث انتصبت جدران بيضاء، كأنها اتشحت كفنها، مثيرةً الفضول لسكان حي يحيطها، لا يعلمون أن هذه الجدران تخلد ذكرى ضحايا “ثورة الخبز” الذي ألقي بهم في مقبرة جماعية.

هناك في قاعة سينما النهضة “لاغونيسونس”، كان لعشاق الحكايا التاريخية، موعد مع فيلم وثائقي، لمخرجه رشيد بيي، الأستاذ الجامعي؛ الذي استخدم الصوت والصورة سوية من أجل إعادة بناء الأحداث على شريط سينمائي، يحمل ذكرى موجعة، تشبه في هذا الفيلم، وإلى حد ما؛ نوافذ زنزانة لوح فيها ضحايا الجمر والرصا، من بعيد لأحد العابرين الغرباء دون أن يراهم، كأنهم سؤال مؤرق، يحاصر ضجيج العالم، بحثاً عن إجابات، ولكنها إجابات في المحصلة، تبقى كلمات تستمد أوارها ووهجها من حرقة الأزمنة في المغرب، العصية على النسيان.
سلهام الخال حسن، الذي مرت به الذكرى، عبر لقطات هذا الفيلم، التي تتقاسم فيه الأخت ذكرياتها معه، لبناتها، يمغنط نوستاليجا الوجع، ووجع النوستالجيا، في عيون الأم، التي ترقرقت عيونها بالدموع، في ثنايا الحكي، كأنها تصرخ وجه جمر الزمن الرصاصي، للذاكرة رائحة، وللرائحة ذكرى، تستخرج السؤال العصي، الذي ستظل علامة استفهامه، معلقة على جبين التاريخ المغربي المعاصر، كصليب مسيحي، يذكر بصلب الحلم الموؤد.


يجيب هذا الفيلم، عن تساءل الكثيرين ممن لا يعرفون كيف كانت المأساة تجمع وتفرق المغاربة، في الماضي وكيف كان الظلام قيد التشكل في مدينة البلاد بعبعا مقيتاً وجلادا دامياً.
بل يوضح أيضا، مدى قرب رسالة السينما الخلاقة، من كتلة تلك القسوة في تفاصيل تراجيديا سنوات الجمر والرصاص، بكل محيط عائلي مغربي؛ سواء في الماضي أو في الحاضر، أو في العهدة على السينما والفن فيما تبقى من الزمان، خاصة وهو قطعا لن يكفيهما لقول كل الكلام.
وعلاقتها بميدان حقوق الإنسان الثقافية، وشرعية حكاية الحكاية بالصوت والصورة، خاصة تلك التي لا تسامح ولا تتصالح، ولا تنمحي من الذاكرة؛ عبر تناوله قضية الأسر التي تعتبر أن التعويضات التي منحت لها من هيئة الإنصاف والمصالحة، غير كافية، مقررة عدم زيارة تلك القبريات، التي تضم من راحوا وظلوا خطاطيفاً تنهش في الذكرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى