تظاهرة ضد الوجود الأميركي في العراق وقتيلان جديدان بالاحتجاجات المطلبية
تجمع الآلاف من مؤيدي الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر الجمعة في تظاهرة للمطالبة بطرد القوات الأميركية، فيما يسعى شارع المتظاهرين المطلبيين إلى إعادة الزخم إلى احتجاجاتهم الداعية إلى الإصلاح منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
ويشهد العراق منذ الأول من أكتوبر الماضي حركة احتجاجات مطلبية، تراجعت في الآونة الأخيرة بعدما اغتالت الولايات المتحدة بطائرة مسيّرة مطلع يناير الحالي قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب بغداد، ما أثار موجة غضب لدى فئات واسعة من العراقيين.
وقبل عشرة أيام دعا الصدر إلى مسيرة “تندد بالوجود الأميركي وبانتهاكاته”.
وفي ساعات الصباح الأولى الجمعة، تجمع الآلاف من الرجال والنساء والأطفال من كل الأعمار في حي الجادرية بشرق بغداد، رغم الطقس البارد.
وأطلق بعضهم هتافات “أخرج أخرج يا محتل” و”نعم نعم للسيادة”.
ولم يحضر الصدر نفيسه إلى التظاهرة، لكن ممثلاً له تلا بياناً يدعو جميع القوات الأجنبية إلى مغادرة العراق وإلغاء الاتفاقيات الأمنية مع الولايات المتحدة وإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات العسكرية والمسيّرة الأميركية، وألا يتعامل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ب”فوقية واستعلاء وعنجهية” عند مخاطبته المسؤولين العراقيين.
وأضاف البيان “إذا تم تنفيذ ما ورد أعلاه، فسيكون تعاملنا على أساس أنها دولة غير محتلة، وإلا فهي دولة معادية للعراق”.
وحظيت دعوة الصدر، التي جاءت بعد تصويت في البرلمان على تفويض الحكومة بإنهاء تواجد القوات الأجنبية في البلاد، بتأييد واسع من الفصائل الشيعية المقربة من إيران، المتهمة بالوقوف وراء بعض أعمال العنف ضد المتظاهرين الذين يتجمعون في ساحة التحرير المركزية، ما يثير مخاوف من اشتباك بين الطرفين.
وبعيد اغتيال سليماني، شددت طهران على وجوب خروج كل القوات الأميركية من المنطقة. وأصدر المرشد الأعلى الإيراني الجمعة بياناً داعماً لتظاهرة الصدر في بغداد.
من جهة ثانية، قال الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي في تغريدة “إلى ترامب الأحمق، المليونية كانت واضحة (…) إنك إذا لم تخرج بإرداتك، ستخرج رغماً عن أنفك”.
على الجهة الأخرى، سعى المحتجون المطلبيون إلى استعادة الزخم وتشديد الضغط على السلطات، وبدأوا منذ مطلع الأسبوع بقطع الطرقات في العاصمة ومدن جنوبية.
وقتل متظاهران وأصيب العشرات بجروح الجمعة، وفق الشرطة ومصدر طبي. وقال المصدر إن أحد القتيلين أصيب بالرصاص الحي والثاني بقنبلة غاز مسيل للدموع.
وأسفرت أعمال العنف التي شهدتها التظاهرات في أنحاء البلاد عن مقتل نحو 470 شخصاً غالبيتهم من المحتجين، وإصابة أكثر من 25 ألفاً بجروح، بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استناداً إلى مسعفين ومصادر أمنية ومفوضية حقوق الإنسان العراقية.
وكانت هناك خشية الجمعة من أن تتواجه التظاهرتان في بغداد. لكن التيار الصدري أوضح أنه لن يكون تحركه قريباً من ساحة التحرير.
ولخص المتحدث باسم الصدر تظاهرة الجمعة بمطلبين، هما خروج القوات الاجنبية وضرب الفاسدين.
وأوضح صلاح العبيدي في مقابلة أجراها مساء الاربعاء مع قناة العراقية الرسمية إن “هناك أطرافاً يمثلون ثوار تشرين يعتقدون أن ايران فقط هي المسؤولة عن الخراب في العراق، وأطراف أخرى يمثلها الحشد أو أنصاره يقولون أميركا السبب في الخراب”.
وأضاف “نحن نعتقد أن الاثنين معاً هم وراء الخراب، ويحاول السيد أن يوائم بين الطرفين”.
وشهد وسط بغداد الجمعة إغلاقاً لطرقات رئيسية عدة وانتشاراً كثيفاً للقوات الأمنية.
وتحدث الشارع عن سيناريوهات عدة. وأعرب كثيرون عن قلقهم من أن ينجر المتظاهرون إلى السفارة الأميركية، وتكرار المسلسل نفسه الذي حصل الشهر الماضي وأطلق شرارة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وجعل من العراق ساحة لتصفية الحسابات.
من جهة أخرى، أصدرت الفصائل الشيعية المتشددة مثل حركة النجباء وكتائب حزب الله العراقي، تهديدات شديدة اللهجة تجاه رئيس الجمهورية برهم صالح، تعليقاً على لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الأربعاء.
وقدم أحد مستشاري صالح، وينتمي إلى حركة عصائب أهل الحق، استقالته من منصبه اعتراضاً على اللقاء أيضاً.
لذا، كان البعض يتخوف أيضاً من أن تتجه التظاهرات إلى قصر السلام الرئاسي.
لكن الصدر أعلن قبل ليلة عبر المقربين منه عن دعمه لرئيس الجمهورية، واصفاً إياه بـ”حامي الدستور”.
وقال الخبير بالشأن العراقي في مركز كارنيغي حارث حسن لوكالة فرانس برس إن الصدر كان يحاول الحفاظ على “هوياته المتعددة” من خلال دعم احتجاجات مختلفة.
واعتبر حسن أنه “من ناحية، يسعى إلى وضع نفسه كزعيم لحركة إصلاحية، كشعبوي ومناهض للمؤسسة”.
وأضاف “من ناحية أخرى، يريد أيضاً الحفاظ على صورته كزعيم لمقاومة +الاحتلال الأميركي+”، جزئياً لكسب تأييد إيران.
لكن قد يكون للصدر دوافع محلية، بحسب حسن.
فأشار الصدر لاحقاً في تغريدة الجمعة إلى أنه لن يتدخل بالحراك المطلبي “لا بالسلب ولا بالإيجاب”.
وأشار الخبير السياسي إلى أن “هذا الاحتجاج، سيظهر أن الصدر ما زال قادراً على تعبئة مجموعات كبيرة من الناس في الشوارع، لكن من المحتمل أيضاً أنه يريد من المجموعات الأخرى أن ترد من خلال منحه مساحة أكبر لاختيار رئيس الوزراء”.
وعلى صعيد آخر، أعلنت جمعية كاثوليكية فرنسية الجمعة فقدان أربعة من موظفيها هم ثلاثة فرنسيين وعراقي منذ الاثنين في بغداد، مشيرة إلى أنه “لم يتم طلب فدية” ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن فقدانهم.
المصدر: الدار ـ أ ف ب