نزار بركة: يجب أن يتلو زمن العمل والتحرك زمن خيبة الأمل
الدار/ ترجمة: حديفة الحجام
في مؤتمر احتضنته "مؤسسة الموروث" (Fondation Heritage) قبل عدة أيام بالعاصمة واشنطن، عبّر مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، عن "خيبة أمله الكبيرة" من عدم التوصل لتسوية للنزاع الإقليمي على مستوى "الصحراء"، وذلك بعد مرور 27 سنة على إطلاق الأمم المتحدة لمخطط التسوية.
وبصفتي أمينا عاما لحزب الاستقلال، الحزب الذي تقدم لصاحب الجلالة الملك محمد الخامس، يوم 14 يناير 1944، بعريضة المطالبة بالاستقلال وبالديمقراطية، والذي يتمتع بحضور راسخ في الأقاليم الصحراوية للمملكة، أتفهم خيبة الأمل التي عبر عنها المسؤول الأمريكي السامي وأشاطرها. لكن ليس لنفس الأسباب والمسوغات. فخيبة أملنا، نحن المغاربة عميقة وكبيرة، لأنها تمتد لأزيد من 62 سنة، والسبب في ذلك أن الاستقلال الذي حصلنا عليه في مارس 1956 كان استقلال غير كامل.
استقلال غير كامل
لقد قادنا هذا الاستقلال غير الكامل إلى مواصلة النضال من أجل تغطية حوزتنا الترابية في مجموعها، بما فيها أقاليمنا الصحراوية. وعلى هذا الأساس، استرجع المغرب طرفاية سنة 1958، وسيدي إفني سنة 1969، ثم الساقية الحمراء وادي الذهب بعد "المسيرة الخضراء" التي أطلقها جلالة الملك الراحل الحسن الثاني في نونبر 1975.
ونحن نشعر بخيبة أمل ونحن نرى كيف، أنه بالرغم من الوقائع التاريخية التي تؤكد الروابط الروحية والثقافية والسياسية والإدارية التي طالما ربطت ساكنة الأقاليم الجنوبية بالمغرب –ويؤكدها أيضا الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي سنة 1975–، ما زال ملف الصحراء محلّ نظر على مستوى الأمم المتحدة.
كما أننا نشعر بخيبة أمل ونحن نرى كيف أن المنتظم الدولي يواصل إعطاء جبهة بوليساريو حجما أكبر من حجمها في تمثيل الساكنة الصحراوية، مع أن الاعتراف الذي أدلى به شيوخ الصحراء في إطار برنامج التسوية الذي تقوده الأمم المتحدة أظهر أن الغالبية العظمى من الصحراويين تعيش في الأرض المغربية.
وبناء عليه، فالممثلون الحقيقيون للصحراويين اليوم هم الممثلون المحليون والجهويون والبرلمانيون المنتخبون ديمقراطيا وبالاقتراع العام المباشر على مستوى هذه المنطقة في إطار الجهوية المتقدمة التي ترسخت كاختيار لا رجعة فيه للمغرب في الدستور الجديد.
ونحن نشعر كذلك بخيبة أمل ونحن نلاحظ كيف أن مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كأساس لأي نقاش يهدف إلى التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومتوافق بشأنه ونهائي لهذا النزاع بما يتوافق ومختلف قرارات مجلس الأمن، لم ير النور مع أنه مرت 12 سنة على تقديمه، وذلك في وقت تؤكد القوى الدولية الكبرى وخاصة الولايات المتحدة أنه مقترح "جاد وواقعي وذو مصداقية".
ونحن نشعر مرة أخرى بخيبة أمل ونحن نرى كيف أن المنتظم الدولي يطالب بلدنا دائما ببذل جهود إضافية، علما أننا أصحاب الحق وأننا كنا السباقين لوضع الطلب أمام الأمم المتحدة سنة 1963 لتقييد أراضينا في قائمة الأراضي غير المستقلة للأمم المتحدة، وليس بوليساريو التي لم تر النور إلا بعد مرور خمس عشرة سنة، حينما حدثت أول أزمة بترول عالمية.
مغربية الصحراء
صاحب الجلالة الراحل الحسن الثاني هو أيضا أول من اقترح سنة 1981 في نيروبي تنظيم استفتاء لتأكيد مغربية الصحراء، وأن بلدنا وافق على مخطط بيرك الأول سنة 2001 في وقت رفضته فيه الجزائر وبوليساريو وذهبتا أبعد من ذلك باقتراح تقسيم الأرض كحل سياسي لهذا النزاع الإقليمي.
والمغرب أيضا هو من اقترح سنة 2007 مخطط الحكم الذاتي للخروج من هذا النزاع وضمان مستقبل أفضل لساكنة المنطقة، وذلك بعدما خلصت الأمم المتحدة لعدم إمكانية تطبيق مخطط التسوية وبالتالي استفتاء تقرير المصير، وبعدما لم يكتب لمشاريع الاتفاق الإطار التي وضعتها الأمم المتحدة التوفيق. وبالتوازي مع ذلك، استمرت بوليساريو المدعومة من الجزائر في التشبث بمواقفها، متسببة بذلك في المحافظة على الوضع الراهن الذي تعيبونه وكذا عرقلة قيام الاتحاد المغاربي بسبب حدود أغلقتها الجزائر مع المغرب منذ سنة 1994، مما يحرم منطقتنا من نفس جديد وشبابنا من أفق مستقبلية وحياة أفضل.
نحن نشعر من جهة أخرى بخيبة أمل وإخوان لنا في مخيمات تندوف ما زالوا يعيشون في ظروف مزرية وليس لهم الحق في التنقل والسفر، حيث أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لم تتمكن من إحصاء سكان المخيمات لتمكينهم من الاستفادة من وضعية لاجئين، وذلك بالرغم من قرارات الأمم المتحدة.
وفي الأخير، نحن نشعر بخيبة الأمل ونحن نرى كيف أن الجهود الجبارة التي وافق عليها الشعب المغربي لتحديث أقاليمهم الصحراوية ببنيات تحتية وخدمات عمومية وتنمية بشرية مستدامة، تواجه عقبات وضعتها بوليساريو وداعميها بهدف حرمان هذه الأقاليم من الحق في التنمية وربط مصيرها فقط بحل النزاع على مستوى الأممي، وهي بالمناسبة جهود بلغت حدودا كبيرة ومهمة مع النموذج الجديد لتنمية الأقاليم الجنوبية الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في نونبر 2015.
عيش أفضل
غير أن هذه الساكنة، سيما الشباب منها، لا تستطيع الانتظار إلى حين إحقاق العدالة للتاريخ وساكنة المنطقة، حتى تمكين الصحراويين في النهاية من اللقاء ومن العيش مجتمعين. ولن يتأتى لهم الانخراط في مسلسل تنمية مستدامة ومشتركة إلا بالاتحاد في ظل حكم ذاتي موسع في بلدهم المغرب الذي يمثل، من جهة أخرى، قطبا للاستقرار الإقليمي والديموقراطية الراسخة.