الدبلوماسية المغربية تحاصر مربّع تحركات بوليساريو
مكاسب الرباط المتوالية في ملف الصحراء يدفع الجبهة الانفصالية للتشويش على تحركات الدبلوماسية المغربية.
تعيش جبهة البوليساريو الانفصالية على وقع هزائم دبلوماسية وسياسية متوالية بعدما حقق المغرب مكاسب مهمة في ما يتعلق بملف الصحراء، تمثلت في افتتاح قنصليات أفريقية بوتيرة متزايدة، بكبرى مدن الأقاليم الجنوبية إلى جانب مصادقة البرلمان المغربي على مشروع قانون ترسيم حدوده البحرية والتي تضم مياه الجنوب المغربي، علاوة على سحب مجموعة من الدول اعترافها بالجبهة الانفصالية آخرها بوليفيا.
وعبّرت الجبهة عن غضبها من هذه التحولات الكبرى التي تعرفها قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، حيث رفعت احتجاجها على افتتاح قنصليات في الأقاليم الجنوبية المغربية إلى الاتحاد الأفريقي.
وأكد إسماعيل شركي رئيس مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، أنه استقبل لمين أباعلي ممثل البوليساريو، الأحد، على هامش أشغال اجتماعات الدورة 39 للممثلين الدائمين في الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، لمناقشة رسالة إبراهيم غالي زعيم الجبهة الانفصالية حول ما أسماه بـ“احترام الشرعية الدولية في الصحراء”. وبالتزامن مع تشويش الجبهة الانفصالية على تحركات الدبلوماسية المغربية التي أفقدتها كل مصداقية أمام المجتمع الدولي، تضامنت الجزائر مع البوليساريو ووجهت اتهامات للمغرب بعرقلة مسار تسوية النزاع في الصحراء المغربية، متهمة الدول التي فتحت قنصلياتها في الأقاليم الجنوبية بخرق مبدأ التضامن، الذي يجب أن يسود بين الدول المؤسسة للاتحاد الأفريقي.
ورفع المغرب من حصة حضور التمثيليات الدبلوماسية الأجنبية في الأقاليم الجنوبية، خلال الأسبوع الماضي، وعزز ذلك بقراره ترسيم حدوده البحرية على طول الساحل الأطلسي وصولا إلى الحدود مع موريتانيا، وهو ما شكل ضربة قاصمة لمحور خصوم المملكة وعلى رأسهم الجزائر.
وفي هذا الصدد، اتهمت جبهة البوليساريو إسبانيا بـ”التقاعس عن الوفاء بمسؤوليتها القانونية والتاريخية تجاه الصحراء المغربية”، وذلك بعد مصادقة مجلس النواب المغربي الأربعاء الماضي، بالإجماع على مشروعي قانونين يهدفان إلى بسط الولاية القانونية للمملكة على كافة مجالاتها البحرية.
وقال القيادي في جبهة البوليساريو امحمد خداد، إن ما وصفه بـ”تمادي المغرب في سياسته التوسعية” جاء كنتيجة مباشرة “لتقاعس إسبانيا عن الوفاء بمسؤوليتها القانونية والتاريخية تجاه الصحراء المغربية”، وأضاف أن المغرب “يسعى أيضاً لإدراج المياه الإقليمية المحاذية لجزر الكناري ومناطق إسبانية أخرى وذلك نتيجة مباشرة لتقاعس إسبانيا.”
وتابع المسؤول أن “على الحكومة الإسبانية أن تدرك أيضاً أن تقديم المزيد من التنازلات لسياسة الابتزاز التي ما انفك المغرب يمارسها تجاه إسبانيا لن يؤدي إلا إلى تشجيع المغرب على الاستمرار في سياسته التوسعية” على حد تعبيره، والذي هدد باللجوء إلى القضاء الدولي، مؤكدا أن جبهة البوليساريو “ستتابع باهتمام التدابير التي ستتخذها إسبانيا في هذا الصدد.”
واعتبر مهتمّون بملف الصحراء المغربية أن جبهة البوليساريو تتخبط في عدد من الأزمات داخل مخيمات تندوف، وما يزيد من عزلتها ومحاصرتها التقدم الذي يحرزه المغرب في ملف الصحراء على مستوى تنمية الأقاليم الجنوبية ما شجع عددا من الدول الأفريقية على فتح قنصلياتها بهذا الجزء من المغرب، والطريقة التي يدير بها ملف حدوده البحرية مع إسبانيا.
وفي رد ضمني على الجبهة، جددت وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسبانية أرانشا غونزاليز لايا، أثناء زيارة لها للمغرب، التأكيد على موقف بلادها الصريح والواضح والحاسم من قضية الصحراء المغربية، مبرزة أن مدريد تدافع عن مركزية الأمم المتحدة في البحث عن تسوية لهذا النزاع.
وأكدت غونزاليز لايا، خلال لقاء صحافي مشترك مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، على أن موقف إسبانيا بشأن قضية الصحراء هو موقف دولة، وليس رهينا بتغير الحكومات أو التحالفات. وجددت المسؤولة الإسبانية، التأكيد على الموقف الذي عبر عنه رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث لم يتطرق لمسألة تقرير المصير.
وأضافت رئيسة الدبلوماسية الإسبانية أن بلادها تدافع عن مركزية الأمم المتحدة في البحث عن تسوية لهذا النزاع الإقليمي في إطار قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. كما أعربت عن دعم مدريد للجهود التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بهدف التوصل إلى تسوية لهذا النزاع.
وقال مراقبون إن تصريحات المسؤولة عن الدبلوماسية الإسبانية ستساهم في عزلة قيادة البوليساريو، وهو نجاح للدبلوماسية المغربية التي أدارت ملف الحدود البحرية بحنكة وهو ما سيعزز موقف المغرب أمام المنتظم الدولي وكذلك الاتحاد الأفريقي.
وعلى المستوى الإقليمي، من المرتقب أن يحل وفد موريتاني برئاسة المدير العام للأمن الوطني، محمد ولد مكت هذا الأسبوع بالمغرب، حيث تسعى الحكومتان الموريتانية والمغربية إلى العمل على تقوية تدابير المراقبة الأمنية في المعبر البري الحدودي المشترك “الكركرات”، وذلك لمناقشة آليات عملية لضمان العبور السلس للأشخاص وللمنتجات القادمة من المغرب إلى السوق المحلية في المنطقة، وهو ما يشكل ضربة موجعة للجزائر والبوليساريو.
ويشهد معبر الكركرات، عرقلة لحركة المرور من طرف موالين لجبهة البوليساريو، كان آخرها خلال شهر يناير الجاري حينما هدّد انفصاليون بمنع رالي أفريكا إيكو رايس من العبور باتجاه موريتانيا، الشيء الذي دفع مسؤولي المغرب وموريتانيا إلى إرساء آليات التعاون الثنائي الهادف إلى مكافحة الإرهاب.
المصدر: الدار- وكالات