الدين والحياة

تاريخ ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأوروبية

 د. أحمد نصري*

جذب القرآن الكريم بطريقته المثلى في عرض عقيدته وشريعته، وبأسلوبه المتفرد في صياغة أفكاره ومبادئه، اهتمام كثير من الأوروبيين وبخاصة القساوسة والرهبان. فدعوا إلى ترجمته أولا قبل دراسته ومنافحته بعد ذلك. والذي يفسر لنا ذلك كله أن أول من دعا إلى ترجمة القرآن الكريم هو الراهب «بيتر المحترم» [1] رئيس دير «كلوني» في فرنسا سنة 1143م، وأن اللذين قاما بهذه الترجمة هما الراهبان «روبرت» [2] و«هرمان»[3].

يقول «محمد صالح البنداق»: «أول ترجمة للقرآن الكريم باللغات الأوروبية كانت باللاتينية، وقد تمت بإيعاز وإشراف رئيس دير «كلوني» في جنوب فرنسا الراهب «بطرس المبجل» وهذا اسمه وكان ذلك سنة 1143م، وعلى يد راهب انجليزي يدعى «روبرت الرتيني» وراهب الماني يدعى «هيرمان»[4].

جاء في خطاب «بيتر المحترم» إلى القديس «برنار» ما يلي: «قابلت روبرت وصديقه «هرمان الدلماطي» العام 1141م، بالقرب من «الأوبر» في اسبانيا وقد صرفتهما عن علم الفلك إلى ترجمة القرآن باللاتينية، فأتماها سنة 1143م، وكانت أول ترجمة للقرآن استعانا فيها باثنين من العرب»[5].

والمثير للاستغراب أن الدوائر الكنيسية منعت طبع هذه الترجمة وإخراجها إلى الوجود، لأن إخراجها من شأنه أن يساعد على انتشار الإسلام بدلا من أن تخدم الهدف الذي سعت إليه الكنيسة أصلا؛ وهو محاربة الإسلام، يقول G.H Bousquet: «منذ سنة 1141م، اجتمع رجال الدين بإيعاز من «بيتر المحترم» رئيس «دير كلوني» للترجمة القرآن إلى اللغات اللاتينية، قصد محاربة الإسلام»[6].

وظلت هذه الترجمة مخطوطة في نسخ عدة، تتداول في الأديرة مدة أربعة قرون فقط إلى أن قام «ثيودور بيبلياندر» بطبعها في مدينة «بال» سويسرا في 11يناير 1543م. وسميت هذه الترجمة ترجمة «بيبلياندر» وتميزت بمقدمة لـ«مارتن لوثر» و«فيليب ميلانختون»[7]، تحدث عنها «جورج سال» قائلا: «إن ما نشره «بيبلياندر» في اللاتينية زاعما بأنها ترجمة للقرآن الكريم لا تستحق اسم ترجمة، فالأخطاء اللانهائية والحذف والإضافة والتصرف بحرية شديدة في مواضع عدة يصعب حصرها يجعل هذه الترجمة لا تشتمل على أي تشابه مع الأصل»[8].

وهذه شهادة أخرى على فساد هذه الترجمة ننقلها عن أحد المستشرقين البارزين في مجال الدراسات القرآنية، هو المستشرق الفرنسي «بلاشير» الذي يقول: «لا تبدوا الترجمة الطليطلية للقرآن بوجه من الوجوه ترجمة آمنة وكاملة للنص»[9]. ومع ذلك شكلت هذه الترجمة النواة الأولى لباقي الترجمات الأوروبية الأخرى للقرآن الكريم، بل مارست عليها تأثيرا قويا إلى درجة الاقتباس منها والسير على منهجها[10].

 ثم توالت الترجمات القرآنية إلى اللغات الأوربية بعد ذلك في الظهور، حيث ظهرت أول ترجمة للقرآن الكريم باللغة الفرنسية سنة 1647م، على يد  «أندري دي ريور»، وقد كان لهذا الترجمة صدى كبير لفترة طويلة من الزمن، حيث أعيد طبعها مرات عدة وترجمت إلى مختلف اللغات الأوروبية، يقول J.D Pearson: « إن الترجمة الفرنسية القديمة جدا هي ترجمة «أندري  دي ريور» طبعت كثير بين الأعوام 1647م و1775م، وكانت كلها تحتوي على مختصر لديانة الأتراك وبعض المستندات، وقد نتج من هذا العمل أول ترجمة للقرآن إلى الإنجليزية بوساطة «ألكسندر روس» وكانت أيضا للأب le père ترجمات أخرى إلى الهولندية بوساطة «جلاز ماخر»،  وإلى الألمانية بوساطة «لانج»، وإلى الروسية بوساطة «بستنكوف» و«فريفكين»[11].

وفي القرن السابع  عشر، عملت ترجمة من العربية مباشرة إلى اللاتينية للإيطالي «مركي» سنة 1698م، وتعتبر هذه الترجمة عمدة كثير من الترجمات الحالية، في كتاب Islamologie وكانت كما يلي: «في العام 1698م نشر «لودفيك مركي» بعد أكثر من أربعين سنة من دراسته للقرآن، ولمختلف المفسرين المسلمين ـ النص العربي للقرآن مصحوبا بترجمة لاتينية وجيزة جدا وبنقط وردود، وقد كان هذا المؤلف مصدرا لكثير من المترجمين الحاليين الذين أخذوا منه أهم المواد[12].

 واعتبر «هنري لامنز» هذه الترجمة أكثر الترجمات إنصافا للقرآن الكريم، ومرجع كثيرين من الأوروبيين، غير أنهم لا يشيرون إليها في معظم الأحيان، والنتيجة كما يقول «لامينز»: «إننا لا نملك ترجمة وحيدة للقرآن لا عيب فيها وأكثر انصافا هي الترجمة اللاتينية القديمة لـ«مركي» (1691ـ1698م) والتي تستند إليها جميع التراجم اللاحقة من غير اعتراف في أكثر الأحيان»[13].

وفي القرن الثامن عشر ظهرت ترجمات أنجزت أيضا على أصل عربي، حيث نشر الإنجليزي «جورج سال» ترجمة مباشرة من العربية إلى الإنجليزية سنة 1743م. زعم في مقدمتها أن القرآن إنما هو من اختراع «محمد» ومن تأليفه، وأن ذلك أمر لا يقبل الجدل [14]، ونشر الفرنسي «سافاري» ترجمة مباشرة إلى الفرنسية سنة 1751م «حظيت بشرف نشرها في مكة سنة 1165هـ» [15]، وإن كان «إدوارد مونتيه» E.montet  يقول: إنه رغم أن ترجمة «سافاري» طبعت مرات عدة وأنيقة جدا، لكن دقتها نسبية» [16].

وفي سنة 1840م ظهرت إلى الوجود ترجمة «كزيمرسكي» التي تعتبر مقارنة مع ترجمة «سافاري» أكثر عراقة واستعمالا [17]، رغم عوزها بعض الأمانة العلمية وفهم البلاغة العربية يقول «مونتيه» عن ترجمة: « لا يسعنا إلا الثناء عليها فهي منتشرة كثيرا في الدول الناطقة بالفرنسية [18].

وفي سنة 1925م ظهرت ترجمة «إدوارد مونتيه» التي امتازت بالضبط والدقة والتي تحدث عنها الأستاذ «محمد فؤاد عبد الباقي» بما نصه: « كنمت طالعت في مجلة المنار مقالا للأمير «شكيب أرسلان عن ترجمة فرنسية حديثة للقرآن الكريم وضعها الأستاذ «إدوارد مونتيه»، وقد قال عنها: «أنها أدق الترجمات التي ظهرت حتى الآن، وقد نقل عنها إلى العربية مقدمة هذه الترجمة، وهي في تاريخ القرآن، وتاريخ سيدنا رسول الله، وقد نشرت في المنار، فاقتنيت هذه الترجمة فوجدتها قد أوفت على الغاية في الدقة والعناية، وقد ذيلها المترجم بفهرس لمواد القرآن المفصل أتم تفصيل»[19].

وفي العام 1949م ظهرت ترجمة «بلاشير» التي توجد السور فيها مرتبة حسب التسلسل التاريخي، يقول الدكتور «صبحي الصالح» يرحمه الله: «تظل ترجمة «بلاشير» للقرآن في نظرنا أدق الترجمات، للروح العلمية التي تسودها لا يغض من قيمتها إلا الترتيب الزمني للسور القرآنية» [20].

وأهم ما يميز هذه الترجمة استعمال «بلاشير» أساليب مطبعية مناسبة، وإرفاق نص الترجمة ببعض التعاليق والبيانات، وكثيرا ما يورد للآية الواحدة ترجمتين يبين في إحدها المعنى الرمزي وفي الثانية المعنى الإيحائي وغالبا ما جعلها أكثر الترجمات الفرنسية انتشارا وطلبا، جاء في كتاب Islamologie: إن المطلوب «من مجموع هذه الترجمات ما هو لـ«بيل» الإنجليزي ولـ«بلاشير» الفرنسي ولـ«بوسني» الإيطالي»[21].

 ويبدو أن لـ«جاك بيرك» رأيا مخالفا حول هذه الترجمة، إذ يقول: ترجمة (بلاشير) لها مزاياها، فهو رجل من أفضل المستشرقين الأوروبيين اطلاعا وضلاعة في قواعد اللغة العربية وآدابها، ولكن من نواقصه أنه كان علمانيا، أي أنه لم يكن قادرا على تذوق المضمون الروحي للقرآن وأبعاده الصوفية، ولا شك أن (بلاشير) هو أستاذ عظيم فذ فقد كان أستاذ لي وصديقا كبيرا، ولكننا لو تكلمنا كعلماء بعيدا عن العلاقات الخاصة فإنني أقول: «إن ترجمته للقرآن على الرغم من مزاياها فإن لها نواقصها، ولكنها تبقى من أفضل الترجمات الفرنسية للقرآن»[22].

ومع مرور الوقت كما يقول Bousquet: لم تلق الترجمات الجديدة للقرآن الكريم في فرنسا الاهتمام نفسه[23]، رغم ظهور ترجمات كثيرة غمرت السوق الفرنسية في السنوات الأخيرة إلى أن صدرت في العام 1990م ترجمة «جاك بيرك» التي استغرق في إنجازها ثمان سنوات من العمل المتواصل استعان فيها بعشرة تفاسير أولها تفسير «الطبري» وتفسير «الزمخشري» من التفاسير القديمة، وتفسير «محمد جمال الدين القاسمي» من التفاسير الحديثة، وأهم ما ميز هذه الترجمة تلك المقدمة التي خصها «بيرك» لتحليل النص القرآني ومميزاته ومضامينه والخصوصيات التي يتمتع بها، لكن بالرغم مما أحدثته هذه الترجمة من ضجة كبيرة في الأوساط الفرنسية، واعتبرت حينها حدثا ثقافيا بارزا فإن صاحبها يرى أن عمله الترجمي لن يصل إلى مراحلة الكمال، وإنما سيكون موجها إلى المسلمين الذين لا يحسنون اللغة العربية ويحسنون اللغة الفرنسية.وبالرجوع إلى تاريخ الترجمات الفرنسية للقرآن الكريم، يتضح لنا أنها مرت بثلاث مراحل:

1) مرحلة الترجمة من اللاتينية إلى اللغات الفرنسية.

2) مرحلة الترجمة من اللغة العربية مباشرة إلى اللغة الفرنسية، وهذا مسلك نهجه كثير من المستشرقين الفرنسيين في ترجماتهم للقرآن في القرن العشرين، أمثال «بلاشير» و«بيرك».

3) مرحلة دخول المسلمين ميدان الترجمة إلى اللغة الفرنسية مثل ترجمة الجزائريين «لايمش» و«ابن داود» والتي كانت كما يقول Bousquet: بأسلوب بليغ عجيب [24] وترجمة «حميد الله» سنة 1959م، وترجمة الدكتور «صبحي الصالح» يرحمه الله سنة 1979م.وفي سنة 1966م ظهرت ترجمة المستشرق الألماني «رودي بارت»  وتعتبر أحسن ترجمة للقرآن الكريم باللغة الألمانية، بل باللغات الأوروبية عموما، وقد حرص صاحبها على أن يكون عمله علميا وأقرب ما يكون من الدقة والأمانة في نقل المعاني القرآنية من العربية إلى الألمانية، حتى حينما تعترضه كلمة يشكل عليه فهمها على الوجه المقصود، أو لا يطمئن إلى قدرته على تحديد معناها  باللغة الألمانية فإنه يثبتها بنصها العربي كما وردت في الآية الكريمة، ولكن بالحروف اللاتينية ليفسح المجال أمام القارئ لأن يتوصل بنفسه إلى إعطائها المعنى الذي يراه ملائما لسياق الكلام دون أن يفرض عليه وجهة نظره الشخصية[25].

هذه أهم الترجمات القرآنية إلى اللغات الأوروبية المختلفة وهناك ترجمات أخرى كثيرة لا يتسع لنا المقام لذكرها كلها، لكن للمزيد من التوسع في هذا المجال يستحسن الرجوع إلى كتاب «شوفان»[26].

ملاحظات عامة على الترجمات الأوروبية للقرآن الكريم:

إن المطلع على قائمة الترجمات القرآنية إلى اللغات الأوروبية يمكن أن يقف على ملاحظات عدة، نرى من الضروري أن نسجل بعضا مما تبدى لنا منها:

الملاحظة الأولى:لقد كانت الترجمة اللاتينية الأولى للقرآن الكريم، الشرارة الأولى التي فجرت كماً  هائلا من الترجمات بمختلف اللغات الأوروبية حيث استمدت منها أصولها ونهجها فظهرت الترجمة الإيطالية أولا سنة 1547م أي بعدها بأربع سنوات فقط من ظهور الترجمة اللاتينية الأولى إلى الوجود. وبعدها بتسع وستين سنة ظهرت الترجمة الألمانية سنة 1616م، وهلم جرا.

الملاحظة الثانية: أن المدارس الاستشراقية الكبرى التي كان لها الشأن الكبير في مجال الدراسات القرآنية نجدها تبرز بشكل واضح في مجال الترجمة القرآنية كالمدرسة الألمانية، والفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية، والهولندية.

الملاحظة الثالثة: اختفاء أسماء كثير من المستشرقين من ذوي الحظ الوافر في الدراسات الموضوعية للقرآن، عن ترجمة القرآن الكريم إلى لغاتهم، كالمستشرق الألماني «تيودور نولدكه» و«فلوجل» و«براجشترسر» مع احتفاظ مستشرقين آخرين بمكانتكم وحظهم الوافر في ميدان ترجمة القرآن مثل «بلاشير» في حين برزت أسماء أخرى مثل الإيطالي «جيوفاني بانزيري»، والألماني «أولمان لودفيج»، والهولندي «جلازماخر»، والفرنسي «دير يور»، والإنجليزي «جورج سال».

الملاحظة الرابعة: مشاركة بعض المسلمين في ترجمة القرآن إلى اللغات الأوروبية المختلفة، مثل «حميد الله» الذي ترجم القرآن إلى اللغة الفرنسية و«صدر الدين» الذي ترجم القرآن إلى الإنكليزية.

الملاحظة الخامسة: هناك ترجمات أوروبية، اعتمد فيها أصحابها الترتيب الزمني للسور مثل ترجمة الفرنسي «بلاشير» والإنجليزي «روديل» سنة 1861م.

الملاحظة السادسة: عمد بعض المستشرقين في ترجماتهم للقرآن الكريم إلى وضع مقدمات منهجية لترجماتهم وتفسير بعض الألفاظ القرآنية، مثل ما فعل «أربري» و «بلاشير» و«كزيمرسكي» و«بيرك».

 الملاحظة السابعة: تتناثر بعض الترجمات الجزئية إلى جانب الترجمات الكاملة للقرآن، مثل ترجمة المستشرق السويدي «سترستين» الذي ترجم فصولا عدة من القرآن إلى الإسبانية ونشرها في مجلة العالم الشرقي سنة 1911م، وترجمة المستشرق الدنماركي «بول» الذي نقل أجزاء عدة من القرآن إلى الدنماركية أظهر فيها سعة واطلاع على الإسلام[27].

الملاحظة الثامنة: صدور بعض الترجمات بأسماء مستعارة مثل الترجمة الإسبانية التي صدرت الطبعة الأولى بقلم OBB وصدرت الطبعة الثانية بقلم JBB وأخيرا صدرت في الطبعتين الثالثة والرابعة بقلم  .[28]JBBO

الملاحظة التاسعة: أن الظاهرة الغالبة على الترجمات القرآنية أن أصحابها كثيرا ما يصدرونها بالكلام عن تاريخ القرآن، ومصارده وموضوعاته وأحيانا بالكلام عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل ترجمة «بلاشير» و«إدوارد مونتيه».

الملاحظة االعاشرة: أن الترجمات الأوروبية للقرآن الكريم كانت من قبل مترجمين يحسنون اللغة التي ترجموا إليها أكثر من اللغة العربية، أو العكس، ولذلك كانت تلك الترجمات الأوروبية معرضة للخلل والنواقص الكثيرة.

الملاحظة الحادية عشرة: أن القرآن الكريم ترجم من مئة لغة أوروبية تتوزع على الشكل التالي: 57 ترجمة إلى الإنجليزية، و42 ترجمة إلى الألمانية، و33 ترجمة إلى الفرنسية [29].

الملاحظة الثانية عشرة: إعادة نشر وطبع ترجمات معينة طبعات عدة خصوصا تلك التي سادتها الضغينة وكثر فيها التحريف.والنتيجة كما قال «لامينز»: «أننا لا نملك ترجمة جيدة للقرآن لا عيب فيها»[30]، بسبب أن المترجمين للقرآن الكريم:

1. لم يحاولوا فهم القرآن قبل كل شيء من نصه كما يقضي بذلك قانون علم التفسير، بل إنهم ازلقوا دون تريث في البحث عن معاني الألفاظ.

2. لم  يعنوا بمعاني الآياتولا بمدلولات الألفاظ.

3. لم يكونوا من المسيطرين على دقائق علم النحو ولا هم من المتمكنين من المجاز والاستعارة.

4. عدم اعتنائهم بأسباب النزول.

5. عدم اعتنائهم ببيان الأحكام الفقهية وغيرها من الأحكام الواردة في الآيات.

6. عدم تعرضهم لبعض الأدوات الضرورية التي تساعد على فهم الآيات القرآنية كالنصوص الحديثية مثلا.وأخيرا، فإن ترجماتهم كانت حرة أكثر من اللازم ما أدى كثيرا إلى انغلاق المعنى على القارئ بالإضافة إلى فقدانها لعنصر التأثير والجذب، يقول R.Aznaldez: «إن الترجمات الأخرى للقرآن، مهما كانت نوعيتها وضبطها وقيمة أسلوبها فإنها لا تؤثر في قلب غير المسلم، كما يؤثر القرآن وحده في قلب المتقين»[31].

الهوامش:

[1] «بيتر المحترم» (1092ـ1156م): راهب لاهوتي من رهبان «البندكية» فرنسي، ولد في العام 1092م قرب Auvergne وسط فرنسا، نشأ في دير قريب من «سوكسيلانج» Sauxilanges تابع لدير «كلوني» في سنة 1109م، التحق «بيتر» بعد ذلك بدير «فزليه» Vazelay وأقام فيه عشر سنوات وفي سنة 1122م عين رئيسا لدير «كلوني» لسعة اطلاعه وفي فترة رئاسته للدير عمل على إصلاحه إصلاحا واسعا، وأداره وجماعة «كلوني» بحزم، لكن أهم وأكبر خدمة قدمها للدير المسيحية بعامة هي دعوته لترجمة القرآن إلى اللاتينية، توفي سنة 1156م. انظر «المستشرقون» لنجيب العقيقي (112/1). و«موسوعة المستشرقين» لعبد الرحمن بدوي (ص: 68).

 [2] «روبرت أوف» تشستر Robert of ehester أحد المكلفين من قبل «بيتر» المحترم بترجمة القرآن ينسب «روبرت» إلى «تشستر» التي تلقى فيها العلم، دخل الرهبانية البندكية، ثم قصد الأندلسي، وعين أسقفا على «بامبلونة» سنة 1143م، وتثقف بالثقافة العربية، ولا سيما بالعلوم الرياضية والفلكية منها، اختير مستشارا لـ«صقلية» حاول «بيتر» المحترم أن يصرفه هو و«هرمان» عن العلم، ولم يفلح في ذلك، حيث تابعا نشاطهما معا في العلم، فترجما كتاب «الجبر والمقابلة» لـ «الخوارزمي» في خمسة فصول سنة 1135م، فكانت ترجمتها له ولكتاب الكمياء من بعده فاتحة العلوم المنظمة في أوروبا. تميز نشاط «روبرت» بترجمة كتب الكمياء والفلك، وصنف رسائل عدة، وعاون على إدخال حساب المثلثات. أنظر نجيب العقيقي، المرجع السابق (113/1).

 [3] «الألمانوس هرمان الزلماطي» Hermann Alemanus (ت1172م): شارك إلى جانب «روبرت» في ترجمة القرآن إلى اللاتينية، تقلب في مناصب كنسية عدة رفيعة المستوى، حيث عين رئيسا لشماسة «سربا بيلونا»، ثم راعيا لكنيسة «شيني» (1141ـ1143م)، ثم أسقفا على «أستورجيه». من أنشطته العلمية: نقل إصلاح «المجسطي للمجريطي» وعلم الأخلاق، وبعض الرسائل في الكمياء، وصنف كتاب البلاغة والشعر لـ «أرسطو» مستفيدا من شرح «الفارابي» وتلخيص ابن رشد للشعر. أنظر نجيب العقيقي، المرجع السابق (1/113ـ114).

*د. أحمد نصري: أستاذ بجامعة الحسن الثاني/ الرابطة المحمدية للعلماء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

10 − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى