هل يُسقط فيروس كورونا ما تبقى من وهم “الدويلة” الانفصالية؟
الدار / رشيد عفيف
تجد الأنظمة السياسية العتيدة والدول الراسخة صعوبات كبيرة في مواجهة فيروس كورونا وفي التخفيف من تداعياته الاجتماعية والاقتصادية الهائلة. لقد عانت الصين لأسابيع طويلة قبل أن تحد من انتشار الجائحة، وتعاني أوربا التي أصبح مستقبل اتحادها على كف عفريت، كما تعيش الولايات المتحدة أياما عصيبة بسبب ارتفاع نسب الإصابات لتتربع واشنطن على عرش أكثر الدول التي تعرف انتشارا للفيروس. كل هذه الدول تتمتع بأنظمة صحية متطورة وقوية وعلى الرغم من ذلك سقط الكثير من الضحايا، وبدأت المستشفيات تئن تحت وطأة الخصاص في المعدات والموارد البشرية.
وفي ظل هذه الأزمات عادت للدولة هيبتها، وتبين أن النموذج القائم على تقليل تدخلاتها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية ليس بالضرورة نموذجا ناجحا. وقد ظهرت هذه الحاجة أكثر في مناطق النزاعات والحروب والمخيمات حيث حذرت منظمة الصحة العالمية غير ما مرة من المخاطر التي يشكلها تفشي وباء فيروس كورونا على السكان. ويعاني سكان مخيمات تندوف المحتجزين لدى الجزائر معاناة مضاعفة مع هذا الخطر الجديد. ففي ظل غياب الرعاية الطبية، وأنظمة اليقظة الوبائية وعجز قيادة جبهة البوليساريو الانفصالية عن تحمل مسؤولياتها تجاههم، يطرح السؤال عن جدوى الاستمرار في الحديث عن الانفصال و”الجمهورية الوهمية”.
وكانت السلطات الجزائرية في مدينة تندوف قد أغلقت حدودها مع مخيمات الصحراويين التابعين لسلطات جبهة البوليساريو، وهو ما أثار قلق أوروبا حول مسؤولية الجزائر في حماية الساكنة الصحراوية في ظل تفشي وباء “كورونا” داخل المخيمات أيضا. واتخذ قرار إغلاق الحدود مع مخيمات الصحراويين بتعليمات من الرئيس عبد المجيد تبون؛ ولم يسمح للمتواجدين هناك بالدخول إلى المدينة، وهو ما أثار غضبا بين ساكنة المخيمات الذين اعتبروا الأمر بمثابة تخلٍّ عنهم في زمن أزمة “كورونا”.
ويعيش المحتجزون في مخيمات تندوف وضعا كارثيا بعد تجهيز الانفصاليين لأماكن عشوائية للحجر الصحي في ظل تسجيل عدد من الحالات بفيروس “كورونا” المستجد، لكن إغلاق السلطات الجزائرية لحدودها مع المخيمات جعل الوضع أكثر تعقيدا، لأن الساكنة الصحراوية تعتمد بشكل كلي على مدينة تندوف المجاورة للتزود بالوقود والتبضع بالمواد الغذائية، ما يُنذر بوقوع كارثة إنسانية إذا استمر هذا الوضع كثيراً. ويظهر هذا الارتباك والعجز الذي عبرت عنه قيادة الانفصاليين في مواجهة هذه الأزمة، وكذا تخلي الجزائر عن حلفائها، مدى هشاشة أسطورة الدويلة الموعودة، التي دفعت الجزائر لأجل إقامتها ملايير الدولارات من جيوب المواطنين الجزائريين. وبينما تعاني الجزائر في الظرفية الحالية من أزمة اقتصادية خانقة بسبب تدني أسعار المحروقات في الأسواق الدولية، يعيش المواطنون الجزائريون على وقع هشاشة الخدمات الطبية التي تقدمها الدولة للحد من انتشار فيروس كورونا.
وتنضاف أزمة تدبير وباء كورونا إلى الصراعات التي تعيشها الجبهة الانفصالية حول تصريف المساعدات الغذائية والمالية التي تتلقاها من الخارج، لتضع القيادة على صفيح ساخن، وتثير المزيد من علامات الاستفهام، حول جدوى الاستمرار في تغذية هذا النزاع المفتعل، ودعم الأطروحة الانفصالية. ويطالب المغرب منذ سنوات بتمتيع المحتجزين في المخيمات بالحرية في العودة إلى الوطن، وكذا بإجراء إحصاء جديد ورسمي للساكنة التي تعيش ظروفا إنسانية صعبة، تحت وطأة الاستغلال والتهديد. ومن المؤكد أن تداعيات الجائحة التي يعيشها العالم تؤكد أن الكيانات الانفصالية التي لطالما دعمتها بعض القوى الدولية أو الإقليمية لتصفية حسابات سياسية وإيديولوجية لا مستقبل لها في ظل حجم وخطورة التحديات التي تقبل عليها الإنسانية في الألفية الثالثة.