من المؤكد أن آخر ما تحتاجه الصحافة في الأزمة الراهنة هو منعها من القيام بواجبها المهني والوطني في آن واحد. فالصحف والمواقع الإلكترونية تمر كغيرها من القطاعات الأخرى بأزمة غير مسبوقة فرضتها ظرفية الحجر الصحي الناتجة عن جائحة فيروس كورونا. أما والحالة هذه، فمن المستغرب أن تعمد السلطات العمومية في شخص وزارة الداخلية إلى الإمعان في تأزيمها من خلال قرار تمييزي خالص يحصر دائرة الإعلام والصحافة في القطاع العمومي والإذاعات الخاصة، ويسمح لها بالاستثناء من حظر التنقل الليلي الذي سيسري بالمقابل على بقية الجسم الإعلامي الوطني بما في ذلك المواقع الإلكترونية وموقع “الدار” واحد منها.
وعلاوة على كونه قرارا مفاجئا بل وصادما لكل مهنيي الإعلام والصحافة، فإنه ينطوي في عمقه على تأويل لا نستطيع أبدا أن نجنب أنفسنا استنتاجه. فما يفهم من حيثيات هذا القرار أن استثناء الإعلام العمومي هو محاولة صريحة لترويج وجهة النظر الرسمية فيما يتعلق بمتابعة أخبار جائحة كورونا، وبأن بقية المؤسسات الإعلامية الأخرى أصبحت مزعجة للدولة بما تنشره وتبثه من مواد إعلامية حول الموضوع ذاته. لا نريد أن نتهم السلطات هنا بالسعي إلى تمكين الدعاية و”البروباغندا” في موضوع مقاربة أخبار الجائحة، لكننا نجد أنفسنا للأسف أمام هذا التأويل الذي يطفو على السطح بمجرد الاطلاع على عبارة الاستثناء الواردة في قرار وزارة الداخلية.
لكن إذا كانت المواد الصحفية التي ننشرها وينشرها غيرنا في المواقع الإلكترونية وباقي المؤسسات الإعلامية مزعجة وتثير غضب بعض الأطراف، فلماذا يسمح لنا إذا بالعمل النهاري؟ ومعنى هذا أننا قد نلتمس العذر للسلطات العمومية فيما يتعلق بالضغوطات التي تمثلها أزمة كورونا، وقد ننوه بكل الجهود التي بذلت منذ بداية الجائحة وبالتدبير النموذجي الذي تم إرساءه، لكن المثالية التي نريدها هي التي ينبغي أن تواصل التعاطي مع الإعلام المقابل بلا تشنج وبنوع من الروح الرياضية العالية، وبضمان المزيد من حريات الصحافة والإعلام. نحن نعلم أن قرار وزارة الداخلية صدر بنوايا حسنة تهدف إلى التحكم في حركة الأفراد في الفترات الليلية لكن ما هو الحجم الذي ستمثله تنقلات الصحافيين ليلا لأداء واجبهم المهني؟
لقد تابعنا جميعا كيف بادرت مصالح المديرية العامة للأمن الوطني إلى فتح تحقيقات في بعض الخروقات التي ارتكبها بعض المسؤولين الترابيين والأمنيين عندما تناقلت صورهم وهم يمارسون بعض الانتهاكات في حق الأفراد أثناء إشرافهم على فرض الحجر الصحي، واعتبرنا هذه المبادرة عنوانا عريضا لمغرب يحترم الحقوق والحريات حتى في عز الأزمة. ولهذا نحن واثقون مجددا أن وزارة الداخلية لن تصر على تقييد حرية تنقل الصحافيين في الفترات الليلية لأن حرية الصحافة ركيزة أساسية لا تكاد تقل أهميتها عن أهمية وحيوية حفظ الأرواح والصحة العامة. ومن هذا المنطلق فإننا ننتظر من وزارة الداخلية أن تبادر في القريب العاجل إلى مراجعة هذا القرار لتمكين صحافيينا من أداء واجبهم المهني والوطني في ظل هذه الأزمة التي يحتاج فيها الوطن صحافته أكثر من أي وقت مضى.