لا يمكن للمتتبع لحركية التدوين الافتراضي إلا أن يلاحظ ركونا متزايدا ونزوعا مطردا للتعبير الرقمي في مختلف فضاءات التواصل الاجتماعي خلال فترة الطوارئ الصحية وما تبعها من تطبيق إجراءات الحجر الصحي ببلادنا، خاصة وأن الحملات الإعلامية مثل تلك التي تحمل شعار “خليك فدارك” التي تدعو المواطنين لالتزام منازلهم أضحت على رأس محتوى التدوين في شبكتي تويتر وفيسبوك، مدفوعة في ذلك بتنامي الوعي العام والإجماع الوطني على ضرورة دعم ومساندة الجهد المؤسساتي والمجتمعي لمكافحة جائحة كوفيد-19.
وفي خضم هذا الزخم المتزايد، لوحظ مؤخرا بروز ممارسات وتدوينات متعارف عليها دوليا لكنها مستجدة في السياق المغربي، تتمثل في تنشيط متزايد لأعداد كبيرة من الحسابات الجديدة على شبكة تويتر على الخصوص، تحمل هويات ومعطيات شخصية وصورا افتراضية، لا يوجد لها أي نشاط سابق أو تفاعل مع حركية التدوين، لكن قاسمها المشترك هو تنفيذها لحملات تدوين متزامنة ومنسقة عبر نشر وتقاسم “هاشتاغات” معينة ورفعها على سلم “Tendance” محليا بشكل يشبه نسق عمل الكتائب الإلكترونية.
ومن النماذج الواضحة لهذه الكتائب الإلكترونية التي تم رصدها على الويب المغربي، على هامش متابعة التدبير العمومي لجائحة فيروس كورونا المستجد، تلك الصفحات والحسابات المحسوبة على أنصار حزب رئيس الحكومة، والتي توحدت في ظرف وجيز وتقاسمت عشرات المرات هاشتاغ “شكرا العثماني”، مرفوقا بتدوينات فضفاضة تمجد إنجازات وزراء “المصباح”، وذلك بشكل أثار انتباه المتابعين الذين اعتبروا الأمر نشازا ضمن حركية التدوين بين المغاربة، بل إن اللافت للانتباه هو أن هذه الحسابات حاولت ممارسة “التمجيد المجاني” لقطاعات حكومية كان بعضها مصنفا خارج الجهد العمومي لمكافحة الجائحة، وهو الأمر الذي جعل بعض المدونين يعلقون على الموضوع بأن أنصار حزب المصباح يمنّون النفس باستغفال المغاربة، حيث أنهم وإن فشلوا في التدبير العمومي، فهم يصنعون مجدا افتراضيا لمواليهم.
ولهذا الغرض، اختار مسيرو هذه الحملات الافتراضية تكتيكا يعتبر الأقل تكلفة ماديا ومعرفيا، وذلك باللجوء إلى خلق وتنشيط حسابات حديثة، لكنها وهمية لا يوجد لها أي نشاط معروف قبل بروز الأزمة الصحية العالمية، وتتضمن في الغالب معطيات تعريفية فضفاضة، بل إن أصحابها سقطوا عن قصد أو بدونه في اعتماد نمط شبه موحد للبروفايلات الوهمية، بحيث تجتمع كلها في نفس العلامات التعريفية والعقائدية، قبل أن تتوحد في نشر نفس التدوينات والهاشتاغات، مما يؤكد أن العجلة والشرع في تنفيذ أمر “شكر العثماني افتراضيا” كانا أكثر إلحاحا من ضرورات الاحترافية المفروضة في هذا النوع من صناعة المحتوى.
وفي سياق متصل، لقد أكد المهتمون بهذا الموضوع، على أن الجيوش الإلكترونية نفذت في سياقات دولية مختلفة حملات دعاية افتراضية ناجحة، وصلت في بعض الأحيان إلى تغيير موازين القوة بين القوى السياسية في بعض البلدان، لكنهم أجمعوا في المقابل على التأكيد بأن ما تقوم به “القناديل” لا يعدو كونه “كب الماء في الرملة”، كما يقول المثل الرائج، وذلك لسبب بسيط، وهو أن المغاربة شعب يعرف بعضه بعضا حتى في العالم الافتراضي، ومن يصنع الرأي العام ويؤثر فيه ويوجهه من خلال التدوين هم مؤسسات وأشخاص تضم بروفايلاتهم ومعطياتهم الشخصية وهوياتهم الحقيقية، وبالتالي يروجون مواقف ومنجزات حقيقية، وليس ذبابا إلكترونيا يختبئ وراء صور معظمها تم تحميلها من شبكات « Pinterest » لتقاسم الصور من أجل التطبيل لإنجازات لا يراها إلا “البيجيديون” والراسخون في التطبيل السياسي.