هل يُمعن النقيب السابق محمد زيان في امتهان (من المهانة) أخلاقيات مهنة المحاماة، وفي إِعلال وإِخلال توازن أجنحة العدالة؟ التي قديما قال عنها فقهاء القانون والفلاسفة بأنها تتألف من جناحين متراصين، أحدهما يمثله القضاة والثاني تجسده هيئة الدفاع والمحاماة.
ومنشأ هذا الحديث، يشرح مسؤول قضائي، هو أن النقيب السابق اختار أن يكون صوتا نشازا في قضية زجرية عادية، إذ طالب بلغة “مشفرة” من مؤسسة النيابة العامة أن تستنكف عن تطبيق القانون في حق عناصر القوات المساعدة لسبب سريالي تغذيه خلفية مجافية للقانون وتخرق كل الأعراف المهنية، مؤداه أن “إعمال القانون في هذه النازلة سيعتبر اصطفافا وانحيازا لجانب ممثل النيابة العامة من جهة، وأنه بمثابة ضرب لمبدأ المساواة بين المواطنين من جهة ثانية”!.
والذي استرعى انتباه الرأي العام أيضا حول هذا الموضوع، ليست هي مواقف الرجل “النشاز” من قضية لا زالت في طور البحث التمهيدي، حتى أن نادي قضاة المغرب لم يحسم موقفه نهائيا احتراما للسرية المفروضة في هذه المرحلة من مراحل الخصومة الجنائية، بل المثير للامتعاض هي معلومات الرجل الخاطئة حول القضية، إذ أنه زايد على جهاز النيابة العامة بدعوى اعتقال عناصر القوات المساعدة، والحال أن وكيل الملك بطنجة لم يقرر الوضع تحت الحراسة النظرية ولا سلب حرية المشتكى بهما قبل المحاكمة، وهو ما يجعلنا أمام نقيب سابق ربما ينشر أخبارا غير دقيقة حول مؤسسة قضائية يشترك معها، للأسف الشديد، في أجنحة العدالة.
فالنقيب السابق، حاول استغلال وضعية نائب وكيل الملك بطنجة لتصريف رسائل سياسية وأخرى لها خلفيات ذاتية، ترتبط ترجيحا باعتقال نجله في قضية الكمامات الطبية المزيفة، وهو ما جعله يسقط في نقيض قصده، خاصة بعدما تحلّى النائب الضحية بدماثة الخلق واختار باب “العفو عند المقدرة”، وآثر أن يكون من ” العافين عن الناس والكاظمين الغيظ”، حيث تناقلت العديد من الأوساط الاعلامية أنه قرر التنازل عن حقه في كل متابعة ومطالب مدنية، وهو إن صح ، سيترك النقيب السابق يلهج بمفرده، ويردد صدى صوته المتفرد، الذي يتحدث فيه عن متابعات واعتقالات خارج إطار القانون.
ولا شك أن مواقف النقيب السابق ستثير “حفيظة وتحفظ” رجال القضاء، وستدفعهم إلى مطالبة الهيئات المهنية التي أوكلها القانون والأعراف مهمة الدفاع عن القضاة، خاصة الودادية الحسنية للقضاة ونادي قضاة المغرب، بأن يتخذا موقفا حازما إزاء مثل هذه التصريحات والتدوينات التي لا تشكل فقط ضربا لاستقلالية القضاة ومسا بكرامتهم واعتبارهم الشخصي، بل هي خرق لسرية الأبحاث التمهيدية، وتأليب للمتقاضين ضد مؤسسة النيابة العامة، التي هي خضم شريف في الدعوى العمومية، مهمتها الدفاع عن مصالح وحقوق المجتمع في مواجهة المخالفين للقانون.
وبدوره، عقّب مصدر أمني على ما اعتبرها “تمثلات النقيب السابق وانطباعاته اللامنطقية” التي ادعى فيها بأن “رجال الأمن هم فوق القانون، وأنهم يستفيدون من تواطؤ قضائي عن أعمالهم المخالفة للقانون”، إذ أوضح ذات المصدر بأن هذا الكلام غير منطقي، ومؤسف جدا أن يصدر عن نقيب سابق، معزيا ذلك إلى مواقف مطبوعة بالشخصية تكونت لدى المعني بالأمر بعد توقيف ومتابعة نجله في قضية الكمامات الطبية المزيفة.
وأردف المصدر الأمني تصريحه، بأن اتهامات النقيب السابق تدحضها وتفندها القرارات التأديبية التي تصدرها المديرية العامة للأمن الوطني، وكذا الأبحاث القضائية التي تباشرها مصالح الشرطة القضائية في حق كل موظف شرطة ثبت تورطه في ارتكاب أفعال مشوبة بعدم الشرعية، بل إن هذه العقوبات والأبحاث شملت جميع الرتب الأمنية بما فيها درجة والي أمن، وهو ما يؤكد بالملموس بأن “كلام النقيب السابق هو مجرد رجع صدى لاستيهاماته وانطباعاته الخاطئة”.
وشدّد ذات المصدر، ” بقدر ما نجد مصالح الأمن الوطني حريصة على تطبيق القانون في حق موظفيها المخالفين وتطهير المؤسسة الأمنية من كل الشوائب، فإنها أيضا ملزمة بتنزيل مبدأ حماية الدولة الموكول لموظفي الأمن الوطني جراء كل الاعتداءات الجسدية واللفظية التي تطالهم. وتوفير المؤازرة والدفاع لموظفي الأمن عند تطبيقهم السليم للقانون، لا يجعلهم فوق القانون، كما يزعم النقيب السابق، بل يضعهم في كنف وحماية القانون”.
وختم المصدر الأمني تعقيبه ” بأن موظف الأمن هو من أكثر الموظفين خضوعا للمراقبة، فهناك المراقبة الداخلية التي يباشرها الرؤساء الإداريون المباشرون وهيئات التفتيش، وهناك المراقبة القضائية التي تضطلع بها مؤسسة النيابة العامة والغرفة الجنحية وغيرها من المتدخلين القضائيين، وهناك كذلك المراقبة المواطنة التي يعهد بها للمواطن وللهيئات المدنية بالنظر إلى كون الشرطي هو في خط التماس الأمامي مع المواطن.. وكل هذه المراقبات المتعددة والمتداخلة، تجعل موظف الأمن تحت القانون لا فوقه، كما يدعي ذلك بشكل معيب النقيب السابق، الكبير… في السن”.