الدار/ رضا النهري:
بقدر ما تركت جائحة “كورونا” في طريقها الكثير من الندوب، والتي لن تنسى قريبا، ما دام أن الجائحة مستمرة حتى إشعار آخر، فإنها أيضا أبانت عن كثير من المفارقات، خصوصا في مرحلة ما يعرف بتخفيف إجراءات الحجر الصحي، والتي باشرتها أولا العديد من البلدان الأوربية التي خفت بها حدة الإصابات بالفيروس.
ومن المثير أنه في بلدان عرفت أعدادا قياسية من الإصابات والوفيات بأوربا، مثل إيطاليا وإسبانيا، كانت محاولة الخروج من الحجر بشكل أسرع رغم كل المخاطر، والهدف كان محاولة استباق الموسم السياحي، الذي يشكل للبلدين منجما من ذهب، حيث صار الخوف على الاقتصاد أقوى من الخوف على الأنفس، تطبيقا للمثل العربي الشهير: قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق.
هذا الخروج السريع من نفق الحجر إلى البحث عن سياح من كل فج عميق، جعل الكثيرين يتساءلون إن كانت حكومات البلدان المعنية عمدت إلى التقليل من نسبة الأضرار في الأيام الأخيرة، رغبة في عدم إثارة سخط الناس عندما تفتح حدودها للسياح من مختلف مناطق العالم.
وما بدا مفارقا أيضا، أنه خلال عملية تخفيف إجراءات الحجر الصحي في أوربا، تم السماح للكلاب أولا بالخروج مع أصحابها، وبذلك ترك الناس أبناءهم الصغار في المنازل، الذي أمضوا أسابيع طويلة من العزلة القاسية بين الجدران، وخرجوا يتنزهون مع كلابهم السعيدة بهذه الحظوة، التي جعلتها تتفوق على الأطفال.
لكن الحكومات الأوربية لم تكتف بمنح الحظوة للكلاب على حساب الأطفال، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، فقررت الترخيص بفتح الحانات قبل فتح المدارس، مع أنه كان من الممكن فتح المدارس وفق نفس الشروط المعمول بها في فتح الحانات، أي عبر نظام الدوريات واحترام مسافة الأمان وغيرها.
وكأن كل هذا لا يكفي، فانفجرت المظاهرات الحاشدة في مختلف مناطق العالم احتجاجا على مقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد، والمثير أن هذه المظاهرات كانت أكثر قوة في البلدان التي تعرف أكبر نسبة من الإصابات والوفيات بفيروس كورونا، ونسي الجميع مسافة الأمان، ما دام أن الشرطي الأبيض لم يعبأ بهذه المسافة وهو يدق بركبته عنق فلويد..