لماذا لا يتم تعميم نموذج مديرية الأمن في التعاطي مع انحرافات الموظفين؟
الدار/ افتتاحية
لا يكاد يمر يوم دون أن تتفاعل المديرية العامة للأمن الوطني مع شريط فيديو مسجل ينقل أو يصور مخالفة أو جريمة أو اعتداء، لتتخذ بسرعة الإجراءات المطلوبة وتفتح التحقيقات اللازمة وترتب العقوبات الضرورية. آخر هذه التفاعلات التي أصبحت شأنا يوميا في المديرية، التعاطي السريع مع قضية اعتداء عميد شرطة في منطقة تارودانت على مواطن وتكسير زجاج سيارته وتهديده. لم تتأخر المديرية في إعلان متابعتها للموضوع وانتظارها لانتهاء تحقيقات الدرك الملكي المعني بالشكاية التي وضعها المواطن المتضرر. وقد رأينا في وقت سابق كيف كانت المديرية تسارع إلى اتخاذ الإجراءات في حق كل من سولت له نفسه أن يستغل منصبه لممارسة الشطط أو النفوذ ضد الآخرين.
ولن نبالغ إذا قلنا أن هذا السلوك نهج دأبت عليه المديرية منذ تولي عبد اللطيف الحموشي مسؤولياته على رأس الجهاز الأمني. إنها ثقافة الشفافية والنزاهة التي يحاول المسؤول الأمني الأول فرضها منذ توليه هذا المنصب. وكان من أهم علامات هذه الثقافة تلك الحرب الشعواء التي خاضتها إدارة الأمن الوطني ضد ظاهرة الغش في امتحانات ولوج أسلاك الشرطة. لقد رأينا كيف تمت متابعة المتورطين في عمليات الغش ومعاقبتهم بشكل لا تسامح فيه. هناك وعي كبير لدى الإدارة الأمنية بأهمية وحساسية وسائل التواصل الاجتماعي ودورها الكبير في تشكيل الوعي الجمعي للمواطنين، وبناء الصورة الجديدة المنشودة عن الجهاز الأمني وعن عناصره وأطره. ومن ذكاء هذه المقاربة أنها أحرقت الكثير من المراحل وسهلت العديد من العقبات في سيرورة التواصل بين إدارة الأمن الوطني والمجتمع.
لقد كانت المقاربة التواصلية السابقة والتقليدية تعتمد على تواصل وظيفي يقدم معطيات مناسباتية لا أقل ولا أكثر، غالبا ما كان يهيمن عليها الطابع الاحتفائي والاستعراضي، مثل عرض بعض عمليات إحباط الجرائم كالتهريب أو تفكيك بعض العصابات أو المنظمات الإجرامية. لكن اليقظة الرقمية الملحوظة لدى مديرية الأمن اليوم، جعلت من تفاعلها المستمر قناة تواصل دائمة وفعالة مع المجتمع والمواطن. ولعل متصفحي شبكات التواصل الاجتماعي يلاحظون كيف أصبح خطاب المواطن البسيط يوجه أحيانا بصفة مباشرة لإدارة الأمن الوطني عبر الفيديوهات التي تستعرض التظلمات والشكايات. كما أن تفشي ظاهرة تسجيل الفيديوهات في النزاعات التي يعرفها الشارع بين المواطنين وموظفي الأمن أو أجهزة الدولة الأخرى ينبئ عن وعي الناس بأن تفاعل المديرية العامة للأمن الوطني مع هذا النوع التسجيلات أمر حتمي ومضمون.
هذا النهج ينبغي الحفاظ عليه بل وتعزيزه بالمزيد من اليقظة والحضور في لحظات التواصل الاجتماعي التي تمثلها تلك الشبكات. كما أنه نموذج ينبغي أن في الحقيقة أن ينتقل إلى قطاعات ومجالات أخرى. من المستغرب أن ننتظر باستمرار تفاعل إدارة الأمن مع مثل هذه الفيديوهات بينما تتقاعس في كثير من الأحيان قطاعات أخرى عن اتخاذ المقاربة ذاتها في التعاطي مع انحرافات موظفيها وعدم أدائهم لواجبهم المهني أو أحيانا في ممارستهم لنوع من الشطط ضد المواطنين. اليقظة الرقمية ليست شأنا لإدارة الأمن وحدها، على وزارة الصحة ووزارة المالية ووزارة الأوقاف وكل الوزارات الأخرى أن لا تتأخر في فتح التحقيقات والأبحاث الضرورية عندما يتم تزويدها بما يلزم من وثائق مصورة وصوتية تؤكد وقوع المحظور. هذا النوع من التفاعل، فرصة تواصلية استثنائية ينبغي استغلالها على غرار ما تفعل إدارة الحموشي، لأجل بناء علاقة جديدة بين المواطن وأجهزة الدولة، واستعادة تلك الثقة المهدورة منذ زمن.