هل ستلقي جائحة كورونا بظلالها على نتائج الانتخابات؟
الدار / افتتاحية
من المؤسف أن حصيلة جائحة فيروس كورونا في المغرب لن تكون خفيفة مثلما كنا نتوقع في بداياتها. لقد انهارت أمام أعيننا جميعا تلك الصورة النموذجية التي ظهر بها المغرب عندما كان يقدم كبلد مثالي في مواجهة كوفيد 19، ويتخذ كقدوة في الإجراءات الاحترازية الاستباقية التي اتخذها. في تلك الفترة كانت أعداد الإصابات المسجلة يوميا بفيروس كورونا لا تتعدى العشرات، بينما كانت نسب الوفيات جد متدنية، وكانت روح التعبئة الوطنية تخترق جميع المكونات وكانت درجة الالتزام بالتدابير والتعليمات عالية جدا. هذا الإنجاز سهله كثيرا الحجر الصحي الذي فرض على الجميع ذلك التباعد الاجتماعي المطلوب.
لكن سرعان ما أظهرت حدة التداعيات الاقتصادية للجائحة أن الاستمرار في خيار الحجر الصحي أمر مستحيل بما يشكله من مخاطر على الموارد ومصادر العيش بالنسبة للمواطنين. كان من الطبيعي جدا أن يعود الناس لأعمالهم ويتم فتح المناطق الصناعية والمراكز التجارية وتسترجع الحياة شيئا فشيئا روتينها. وإذا كان الالتزام بالحجر الصحي مسؤولية المواطنين بالدرجة الأولى، فإن تنظيم العودة والخروج منه كان مسؤولية الحكومة أساسا. وعندما نتحدث عن المسؤولية الحكومية فإننا نستحضر معها شرط المحاسبة. ولن يختلف اثنان على أن الحكومة ارتكبت الكثير من الأخطاء في تدبير جائحة كورونا بعد نهاية الحجر الصحي. كان أول هذه الأخطاء ذلك الانفتاح غير المعقلن خصوصا في المناطق الصناعية بما شكله من بؤر ساهمت في انفجار الوضع الوبائي.
وكان أكبر هذه الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة التشبث بشعيرة عيد الأضحى بالرغم مما تنطوي عليه من مخاطر بالنظر إلى ارتباطها بالتواصل والزيارات الاجتماعية. وكم كان مظهر الخطأ فاضحا عندما اتخذت الحكومة قرارها المرتبك قبيل العيد بمنع السفر بما أثاره ذلك من فوضى وهيجان ساهما بدورهما في انتشار الفيروس بين الأسر التي استقبلت أبناءها العائدين من مناطق موبوءة. وها هي ذي الحكومة تقبل على قرار قد تكون له، لا قدر الله، تداعيات خطيرة على الوضع الوبائي، بعد أن اتخذت قرار تخيير المواطنين في نوعية التعليم الذي يرغبون فيه لأبنائهم، وتبين أنه سيكون تعليما حضوريا.
ولن نبالغ إذا قلنا إن حصيلة الحكومة الحالية ستلخص كلها في أدائها في أزمة كوفيد 19. لن يتذكر الناس الفترة التي سبقت الوباء بما لها وما عليها، بل ستظل نظرتهم للحكومة مرتبطة بما قامت به خلال فترة الجائحة. ولا أحد يختلف على أن الحصيلة الحكومية في تدبير الجائحة انهارت من التعاطي العقلاني والمنظم إلى مرحلة الفوضى والارتباك بعد أن أضحت نسب الوفيات اليومية تسجل معدلات عالية، بينما يستمر الفيروس في الانتشار. وهذا المعطى يعني أن الانتخابات التشريعية المقبلة، المرتقبة في صيف 2021، ستتأثر تأثرا كبيرا بتداعيات جائحة فيروس كورونا.
وإذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتحسس رأسه في أفق انتخابات نونبر المقبل، فإن الأمر لن يختلف كثيرا في المغرب في ظل غياب آلية أخرى لمحاسبة الحكومة على تفريطها أو فشلها. الآلية الوحيدة المتاحة للناخبين هي الاقتراع الذي يمكن أن يتيح لهم فرصة تقييم أداء الحكومة الحالية. وبناء على ذلك فإن من المتوقع أن يخسر التحالف الحكومي الحالي الكثير من مقاعده، وربما يكون حزب العدالة والتنمية من أكبر الخاسرين باعتباره هو الذي يتولى مسؤولية رئاسة الحكومة الحالية. لقد تولى حزب البيجيدي مسؤولية الحكومة الحالية بعد أن احتل الرتبة الأولى بـ125 مقعدا في البرلمان، أي بتفوق عددي واضح، وفي ظل سياق هادئ وطبيعي يميل إلى استمرارية تجربة حكومة عبد الإله بنكيران، فهل تشكل تداعيات جائحة كوفيد 19 قطيعة مع ميل الناخبين للاستمرارية؟