هل يفتح القضاء السويسري ملفات فساد الملك السابق لإسبانيا؟
يسعى بعض النشطاء الإسبان إلى تكوين جماعة ضغط داخل سويسرا لاتخاذ خطوات قضائية ضد ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس. حيث يتشككون في نزاهة القضاء الإسباني ويأملون أن يكون من شأن حكم قضائي سويسري ممارسة ضغط على إسبانيا، حتى يجري التحقيق في حالات فساد أخرى داخل الأسرة الحاكمة. لكن خلف هذه المساعي تكمن المزيد من الخفايا.
تلاحق الملك المتنحي خوان كارلوس اتهامات بالفساد، وغسيل الأموال والتهرب من الضرائب في إسبانيا. لكن بسبب امتلاكه لحسابات مصرفية في سويسرا، فإن النيابة في مدينة جنيف قد فتحت كذلك تحقيقاً بشأن بعض الأشخاص المرتبطين به.
ويجري بعض النشطاء والناشطات الإسبان مساعٍ في سويسرا، لإصدار أمراً بملاحقة خوان كارلوس قضائياً. وهناك بالفعل منظمتان إسبانيتان تنشطان في سويسرا، وهما المنظمة غير الحكومية الثقافية الناطقة بالكتالانية “أومنيوم كولتورال”وكذلك المبادرة الشعبية “Mujeres x la República” أو “نساء من أجل الجمهورية”.
في سبتمبر 2020، سلمت حركة “نساء من أجل الجمهورية” السفير السويسري بإسبانيا خطاباً مفتوحاً موجهاً للنيابة السويسرية، والذي تم إرساله أيضاً للبرلمانيين السويسريين رجالاً ونساءً وكذلك لوسائل الإعلام السويسرية.
وفي هذا الخطاب الذي وَقَّعت عليه حوالي مائة شخصية، كتبت الناشطات أن القضاء السويسري وحده هو من في إمكانه إصدار حكمٍ مستقلٍ وعادلٍ بشأن الملك الإسباني السابق. ذلك لإن القضاء الإسباني يغض الطرف منذ سنوات عن جرائم خوان كارلوس.
إلا أن منظمة “أومنيوم كولتورال” الأقوى تمويلاً قد تقدمت خطوة أخرى. فقد طالبت مطلع شهر يوليو 2020 بتجميد أرصدة خوان كارلوس بسويسرا. إلا أن السلطات السويسرية قابلت هذا الطلب بالرفض. والسبب: أنه لا يوجد وضع غير طبيعي بالمعنى الذي يتفق مع قانون تجميد وإعادة الثروات المكتسبة بطرق غير شرعية والمملوكة لشخصيات أجنبية سياسية بارزة.
وفي سبتمبر 2020 قام البرلماني كريستيان داندريه بتقديم استجوابا برلمانياً للحكومة حول ثروات ملك إسبانيا السابق. وقد أراد التأكد من “الالتزام بالإطار القانوني ومن إعادة الثروات التي من المحتمل أن تكون قد اكتسبت بصورة غير مشروعة”.
“لم تقم منظمة “أومنيوم كولتورال” بالاتصال بي بصورة مباشرة”، على حد ما كتبه داندريه رداً على سؤال swissinfo.ch له. إلا أنه قد تعاون مع أحد النشطاء في مجال مكافحة غسيل الأموال بمدينة جنيف، والذي كان بدوره على علاقة بمنظمة “أومنيوم كولتورال”.
إنه ليس بالأمر المستغرب في سويسرا، أن تتوجه جماعات الضغط بطلباتها إلى البرلمانيين والبرلمانيات، والذين يقومون لاحقاً بوضع تلك الطلبات على الأجندة السياسية من خلال تقديم التماسات برلمانية. ولا يعد هذا الأمر شائكاً، خاصة فيما يتعلق بالأطراف الفاعلة من الأجانب، كما ظهر خلال “قضية كازاخستان”.
لكن داندريه لا يخشى استغلاله. فالأمر بالنسبة له يكمن في حتمية مكافحة سويسرا لغسيل الأموال بصورة فعالة. “فالمسألة تمس سويسرا، حتى وإن أخذت بعداً عالمياً”.
في سياق متصل، تأمل حركة “نساء من أجل الجمهورية” أن يدان خوان كارلوس في سويسرا. ذلك لإن هذا من شأنه فتح الباب في إسبانيا للتحقيق في حالات فساد أخرى داخل الأسرة الحاكمة، على حد قول كريستينا ريدروجو من “حركة نساء من أجل الجمهورية”. “إن القضاء الإسباني قد أظهر في مناسبات لا حصر لها أنه يغض الطرف عن انتهاكات محتملة للملك، لذلك فإننا للأسف في حاجة إلى مساعدة الدول الأخرى”.
فبحسب تصريحات السيدة ريدروجو، فإن أحد أسباب عجز إسبانيا عن إصدار حكم منصف ومستقل بحق الملك، يكمن في غياب الفصل بين السلطات. كما هو الوضع في سويسرا، فإن اختيار القضاة والقاضيات في إسبانيا يتم على أساس سياسي.
بدورها تعتبر منظمة “أومنيوم كولتورال” القضاء الإسباني منحازاً: “إننا نعتقد أن إسبانيا لن تتمكن أبداً من إصدار حكم مستقل على الأسرة الحاكمة. لإن ذلك سيكون معناه أن البلد حكمت لمدة أربعين عاماً بواسطة شخص فاسد”، كما يقول أحد المتحدثين باسم “أومنيوم كولتورال”.
فعلى الرغم من المعلومات الواردة من سويسرا وبرغم التحقيقات الجارية في جنيف، فإن المحاكم الإسبانية قد رفضت حتى الآن رفع قضية ضد خوان كارلوس.
فضلاً عن ذلك، فإن القضاء الإسباني الحالي يضمن للملك حصانة موسعة، والتي تشمل ـ بحسب تفسير المحكمة العليا الإسبانية ـ السلوك الشخصي أثناء فترة حكمه. وهذا بخلاف الحصانة التي يكفلها القانون العام، والتي تضمن حماية التصرفات الرسمية فقط. “لذلك فإننا نرى أن دولة أخرى مثل سويسرا ستتمكن من موقعها المحايد من إصدار حكم بصورة أفضل”، على حد قول المتحدث باسم المنظمة.
إن حركة “نساء من أجل الجمهورية” لا تُعنى فقط بالملاحقة الجنائية لخوان كارلوس. إذ أن المنظمة تشكك في جدوى الملكية برمتها. فاستناداً إلى استطلاع الرأي الذي أجري في مدريد، فإن المنظمة ترى أن غالبية معتبرة من الشعب الإسباني تفضل الجمهورية على الملكية.
على الجانب الآخر، نجد أن منظمة “أومنيوم كولتورال” تتألف من انفصاليين كتلانيين، يسعون لإنشاء دولة خاصة بهم. “فالملك الإسباني يمثل لهم الدولة الإسبانية المرفوضة”، على حد تصريحات أورس زاكسر أستاذ القانون بجامعة زيورخ. ويجدر الإشارة هنا إلى أن “رفض الكتلانيين للدولة الإسبانية يعود لزمن احتلال برشلونة في 11/9/1714، أي إبان حرب وراثة العرش الإسباني. أما رفع قضية ضد الملك السابق فمن شأنه إضعاف الملكية، ومن ثمَّ إضعاف الدولة الإسبانية بصفة عامة”.
أما أن يقوم النشطاء بمناهضة الملكية الإسبانية، فهو ما لا يدهش أستاذ القانون الكتالاني خافيير آربوس مارين من جامعة برشلونة بأية حال. فالحركة الانفصالية الكتلانية قد استهدفت الملكية لإصابة الديمقراطية الإسبانية في مقتل. “وأحد الحجج التي تساق من أجل الانفصال هي الجودة المتدنية للديمقراطية داخل دولة إسبانيا، حيث أن الملكية تعد في ذاتها هدفاً منطقياً. هذا فضلاً عن خوان كارلوس الأول بسلوكه المستهجن”.
بوضعهم مطلبهم على الأجندة السياسية السويسرية، فإن النشطاء والناشطات الإسبان يلفتون انتباه الدول الأجنبية لقضيتهم ـ وهو ما يفيدهم على صعيد السياسة الداخلية.
ووفقاً لرأي الأستاذ زاكسر، فإنه كثيراً ما يحدث “تدويل” لبعض الصراعات الداخلية. “فالانفصاليون من أمثال الكتالونيين يبحثون عن دعم لقضيتهم في الخارج، على أمل أن تمارس الدول والمنظمات الدولية ضغطاً على هذه الدولة أو تلك”.
وفي حالة الانفصاليين، فإن نجاح مطلبهم يتوقف على اعتراف المجتمع الدولي بهم. فلا يمكن تحقق دولة كتالونيا المستقلة بدون دعم من اللاعبين الأوربيين الهامين. “وجزء من استراتيجية التدويل الكتالونية يكمن في حياة بعض الشخصيات الهامة في المنفى من أمثلة شارل بوجديمون في بلجيكا أو بعض الانفصاليين مثل مارتا روفيرا أو أنا غابريل في سويسرا الروماندية (الناطقة بالفرنسية)”.
لقد خلص الكتلاني آربوس مارين لنفس التقييم شأنه في ذلك شأن زميله السويسري: “إن عمل هؤلاء النشطاء في سويسرا أيضاً، يعد جزءً من استراتيجية التدويل”. فضلاً عن ذلك، فإن سويسرا تعتبر من تلك البلدان التي يرجح أن تتعاطف مع الانفصاليين وتظهر تفهماً أقل حيال رد الفعل الإسباني.
إلا أنه من غير المؤكد أن تحقق سويسرا تلك الآمال التي وضعها النشطاء عليها. فأمام الحكومة الفدرالية مهلة للرد على ذلك الاستجواب السالف ذكره حتى تحين الدورة البرلمانية القادمة في ديسمبر.
أما فيما يتعلق بتجميد أرصدة خوان كارلوس، فإننا لا نتوقع أية مفاجآت. “في حقيقة الأمر، إن محددات هذا القانون [ونعني به القانون الفدرالي بشأن تجميد وإعادة الثروات المكتسبة بوسائل غير شرعية والمملوكة لشخصيات أجنبية سياسية بارزة] تنطبق على حالات أخرى، ألا وهي بصفة خاصة تلك الدول ذات الفساد الفاضح أو التي لا توجد بها هياكل سياسية ناجحة”، على حد قول زاكسر. “وهذا الوضع لا ينطبق قطعاً على إسبانيا. ذلك لإن إسبانيا دولة قانون ديمقراطية، لذا يمكنها ببساطة تقديم طلب مساندة قضائية، ومن ثَمَّ تقوم السلطات السويسرية بمراجعته بصورة عادية تماماً وتقديم العون المطلوب لها”.
المصدر: الدار- وكالات