الجزائر: الشارع والجيش على أعتاب معركة “العهدة الخامسة”
الدار/ تحليل: رشيد عفيف
تنذر الاحتجاجات المتصاعدة في الجزائر ضد العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بقرب نهاية مرحلة سياسية عمرت طويلا في تاريخ الجزائر الحديث. بعد أكثر من 20 سنة قضاها على رأس السلطة يجسد شبح بوتفليقة بامتياز وضعية النظام العسكري الجزائري الذي يناضل لأجل البقاء في مواجهة رياح التغيير. فعلى ما يبدو فإن الاحتجاج ضد العهدة الخامسة ينطوي في الحقيقة على تمرد شعبي مكبوت ضد نظام يقوده الجنرالات وينخره الفساد والاستبداد وحصد الفشل على كل الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
فمنذ أن أعلن في 10 فبراير الجاري ترشحه رسميا للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في أبريل المقبل، فتح الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة أبواب جهنم على النظام الجزائري. فالرجل الذي لم يحدث شعبه منذ أكثر من سبع سنوات ونادرا ما يظهر في أنشطته الرسمية وأصبح يعوض في الشهور الماضية بصوره المضخمة لتدشين المشاريع يحمي بجسده المنهك المؤسسة العسكرية التي تحكم الجزائر منذ استقلالها. هذا الوضع الذي يعرفه الجزائريون جيدا لم يعد مقبولا بالنسبة لشرائح واسعة منهم وعلى الخصوص في أوساط الفئات الشابة التي تقود كل المظاهرات وأشكال الحراك المختلفة التي تعرفها الجزائر اليوم.
ومنذ السبت الماضي خرجت مظاهرات سلمية في عدد من ولايات الجزائر السبت احتجاجا على بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل المقبل للمرة الخامسة على التوالي. أكبر المظاهرات خرجت في خراطة الواقعة في ولاية بجاية، ومنطقة القبائل الكبرى ولاية تيزي وزو، وبرج بوعريريج وولايات أخرى. ومن المتوقع أن يشهد يوم الجمعة المقبل مظاهرة مليونية دعا إليها نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي. وبالموازاة مع التعبئة الاحتجاجية الجارية في العالم الافتراضي تحاول القوى السياسية والحزبية استغلال الأوضاع واختلال موازين القوى لصالح الشارع من أجل تحقيق بعض المكاسب على حساب النظام.
وفي هذا الإطار جاءت دعوة بعض الأحزاب المحسوبة على المعارضة للاتفاق على تقديم مرشح واحد لمواجهة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن الخلافات التي تشتت تيارات المعارضة قد تحكم على هذه المبادرة بالفشل بعد أن أعلنت بعض الشخصيات السياسية البارزة رفضها للمشاركة في اجتماع بهذا الخصوص. ومن أهم هذه الشخصيات اللواء المتقاعد علي غديري الذي يرى بعض المراقبين أنه خليفة بوتفليقة المقبل. كما أن النشطاء الشباب رأوا في هذه الدعوة محاولة مفضوحة للالتفاف على مطالب الشارع التي لا تسعى لهزيمة بوتفليقة انتخابيا وإنما تطالب بعدم ترشحه من الأصل.
ويبدو اليوم أن الفراغ الكبير الذي يعكسه ضعف الأحزاب والنخب السياسية قد يحصر معركة "العهدة الخامسة" بين الشارع والجيش. وتزداد بوادر هذه المعركة حدة بعد التهديدات المبطنة التي تضمنتها رسالة ترشيح بوتفليقة الذي حذر من مغبة اللعب باستقرار الجزائر وأمنها. فمنذ إعلان هذا الترشيح رسميا وتتابع التصريحات الداعمة من بعض المسؤولين لبوتفليقة أصبح بطل المشهد هو هاشتاغ "#حراك22فيفري" الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي للحشد لمليونية ضد العهدة الخامسة يوم الجمعة المقبل.
هذا الاجتياح الافتراضي هو الذي دفع المؤسسة العسكرية، الحاكم الفعلي، للخروج عن صمتها أمام عودة الحديث بقوة عن التظاهر في الشارع، لتهديد الجزائريين وثنيهم عن فكرة الاحتجاج. ومن أجل ذلك استعمل اللواء بوعلام ماضي مدير الإيصال والتوجيه بوزارة الدفاع الجزائرية يوم الإثنين الماضي لغة سمعها الجزائريون عشية الحراك الذي عرفته الدول العربية في 2011 في سياق الربيع العربي. إنها مناشدة المحتجين من أجل مراعاة "الوضع الجيو استراتيجي على المستويين الإقليمي والدولي". عندما عصفت ثورات الربيع العربي ببعض الأنظمة المجاورة كانت الجزائر من بين الدول العربية القليلة التي عرفت مظاهرات محتشمة سرعان ما تم تحجيمها بسبب ذلك الهاجس النفسي المتولد عن ذكريات العشرية السوداء التي قضى فيها الآلاف تحت وطأة العنف والإرهاب.
ومن المفترض أن تظهر احتجاجات الجمعة حقيقة موازين القوى في المشهد الجزائري، ومدى استعداد المعارضين للعهدة الخامسة إلى الذهاب بعيدا في مطالبهم التي قد لا تقف عند سحب بوتفليقة لترشيحه. فالأزمة الاقتصادية المزمنة وتهريب عائدات البترول وتردي الخدمات الاجتماعية وتنامي ظاهرة الهجرة السرية كلها أعراض تؤكد أن مرض بوتفليقة ليس سوى جزء من مرض نظام الجنرالات.