جمعية خميسة وجماعة العدل والإحسان.. ورهانات السياسة في ملف أساتذة التعاقد
لم تجد حركة “خميسة”، المولودة من رحم الفايسبوك، سوى صور توقيف الأستاذة المتعاقدة نزهة مجدي خلال مشاركتها في مسيرات خرق الحجر الصحي بالرباط، لتصريف رسائل ذات بعد سياسي في مواجهة الدولة وقواتها العمومية المكلفة بحفظ الأمن.
وإذا كان من الثابت، أن الصور المنشورة والتدوينات الفايسبوكية المخدومة، لا يمكنها أن تعكس حقيقة الوضع في الميدان، ولا يمكن ترتيب مواقف حقوقية وسياسية في أعقابها، لسبب بسيط وهو أن طيف العدل والإحسان هو الذي كان يطوف في ساحة باب الأحد وشارع محمد الخامس بالرباط، وأن الصور المنشورة كانت تخضع لعملية توضيب مسبق قبل أن تجد طريقها للنشر، علاوة على أن الشعارات المرفوعة لم تكن نهائيا ذات بعد أو سقف اجتماعي.
وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل مطلب إدماج الأستاذة المتعاقدة نزهة مجدي وغيرها في الوظيفة العمومية يحتاج إلى ترديدها لشعارات تطالب “بتحرير سبتة ومليلية”؟، وهل إسقاط نظام التعاقد يتطلب إهانة رئيس الحكومة والفاعلين العموميين بالصياح والعويل في الأرصفة والطرقات ؟ وهل تحقيق المطالب الاجتماعية يمر حتما عبر خرق قانون الطوارئ الصحية، وعدم الامتثال لقرارات المنع الصادرة عن السلطات العامة؟
إن نبل الغاية لا يمكن أن يغني عن شرعية الوسيلة. وبالتالي، فإن تحقيق المطالب ذات السقف الاجتماعي لا يمكن أن يمر عبر خرق حالة الطوارئ الصحية، أو عن طريق الإمعان في عدم الامتثال وتحقير المقررات الإدارية الصادرة عن السلطات العمومية. كما أن النضال الفئوي أو النقابي لا يسوغ لنزهة مجدي أو لغيرها ازدراء الشخصيات والمؤسسات العمومية في حلقيات الكلام النابي، الذي يعطينا، للأسف الشديد، فكرة وافية عن مستوى من يتولى تدريس أبناءنا في المدارس العمومية.
كما أن النضال من أجل تحقيق المطالب الاجتماعية للأساتذة المتعاقدين لا يحتاج لجحافل العدل والإحسان، الوافدة من قطاع التعليم ومن قطاعات أخرى موازية. فالأستاذة نزهة مجدي ليست بحاجة لدعم من بائعي “خودنجال” لضمان إدماجها في الوظيفة العمومية، كما أنها ليست بحاجة لشخص محسوب على قطاع العدل والإحسان، والذي أصبح صحفيا في غفلة من المجلس الوطني للصحافة، ليقوم بالدفاع عن الأساتذة المتعاقدين عبر نشر بيانات مجهولة يتحدث فيها عن استهداف القوات العمومية لمراسلة ” غير وطنية” في مسيرات التعاقد.
من المؤسف جدا أن تتقاطع خلفيات وأطماع ممتهني السياسة من الهامش، أي من خارج المؤسسات الحزبية والنقابية، حول صورة توقيف الأستاذة نزهة مجدي بالرباط، والتي صارت “أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام”. فجمعية خميسة الفايسبوكية تحاول استغلال مطالب أساتذة التعاقد لإعطاء زخم واقعي لوجودها الافتراضي، والابتعاد قدر الإمكان عن طبيعتها النضالية المناسباتية، بينما تتوسم العدل والإحسان في نزهة مجدي صورة “بوعزيزي جديد” لإذكاء جذوة التوتر الاجتماعي، أما شظايا اليسار الجذري فإنه يقاوم عبثا عوامل الاندثار عبر استغلال مثل هذه المطالب والخرجات.
وفي المقابل، لا بد من التنويه بموقف الحكومة وقوات حفظ النظام من الاستغلال السياسي لمسيرات أساتذة التعاقد. فإصرار الشرطة على تغريم المتظاهرين من أجل خرق حالة الطوارئ الصحية هو إمعان في سمو القانون وسواسية المغاربة أمامه. إذ لا يمكن تغريم أحد الراجلين بسبب عدم حمل الكمامة في تيفلت وتمارة وغيرها بينما يتم السماح لمئات الأساتذة المتعاقدين بنشر عدوى كورونا في الرباط. كما أن مأسسة التدخل الأمني واقتصاره على رجال القوة العمومية وباستعمال المعدات الوظيفية المقننة تنظيميا، بدون استعمال مفرط أو موغل للعنف، قطع الطريق على كل من يزايدون على الدولة بشعارات “حقوق الإنسان”.
إنها صورة المغرب الجديد، الذي يرفض البعض مواكبة تطوراته ورهاناته. فالنضال لا يعني خرق القانون، وإنما يعني أولا وقبل كل شيء سداد مبلغ الغرامة المحددة للخرق. وتحقيق المطالب الاجتماعية لا يمر عبر استعراض العضلات والاستعانة بجحافل العدلاويين في الشوارع العامة. وأكثر من ذلك، فمن يتجمهر عمدا رغم قرار المنع سيجد طريقه إلى المحكمة، لأن القانون يجرم ذلك ويرتب عقوبات لمثل هذه الأفعال المشوبة بعدم الشرعية.