“العنف المفترى عليه” في قضية أساتذة التعاقد
الدار/
قضية الأساتذة المتعاقدين هي شأن حكومي، يفترض تدبيره بشراكة بين رئاسة الحكومة والوزراء الذين يشرفون على قطاعات التربية والتكوين والوظيفة العمومية والاقتصاد والمالية ووزاة الداخلية عند الاقتضاء، في إطار ما يسمى بالتضامن الحكومي.
وهذا التضامن الحكومي لا يسري فقط على أعضاء الحكومة لوحدهم، بل يمتد ليشمل الأحزاب المشكلة للحكومة، على اعتبار أنها معنية بتدبير الشأن العام ومسؤولة عن تصريف قضايا المواطنين، لأنها هي المفرزة للحكومة والمنبثقة عنها تشكيلة الوزراء.
لكن عبث السياسة والسياسيين في بلادنا تجعل الوزير يتولى تدبير الوزارة تارة ويعارض الحكومة تارة أخرى، والبرلماني ينوب عن الوزير زميله في الحزب في الاضطلاع بدور المعارضة وتأجيج الشارع العام في أحيان كثيرة، في لعبة مفضوحة لتبادل الأدوار وازدواجية الخطاب، والتي يكون الخاسر الأكبر فيها هو المواطن وسمعة السياسة ببلادنا.
ومرد هذا الحديث، هو إمعان بعض السياسيين وأشباه السياسيين في الترويج لمغالطات ومهاترات للتزلف عبثا للشارع، في محاولة لتهريب إشكالية التعاقد من نطاقها الحكومي ورميها كجمرة مستعرة في ملعب الأمن، معتقدين أن الترويج لمزاعم العنف المفترى عنه سيكون بمثابة "مهدئ" لخيبات السياسيين، بيد أنهم يلعبون بالنار ويقامرون بورقة الأمن.
فالكل انبرى يتحدث عن "العنف الأمني وتغليب المقاربة الأمنية"، وسارع بعض المحسوبين على الأحزاب السياسية إلى طرح تساؤلاتهم البرلمانية عن ما اعتبروه إفراطا في القوة الأمنية، في ما يشبه كورال يعزف ترانيم سمفونية عبثية، ولا واحد منهم ولا أحد فيهم طرح تساؤلات من قبيل أين هم ضحايا هذا العنف؟ وكم عددهم؟ وما هي طبيعة الإصابات المسجلة في صفوف المتعاقدين ورجال الأمن؟
لا أحد كلف نفسه عناء التساؤل، لكن الجميع تساءل عن سبب العنف المفترى عنه؟ وكأن الجميع يجزم بوقوع العنف حتى دون معاينته! لقد كذبت مصالح الأمن تسجيل اعتقالات في صفوف المتعاقدين، وفندت استخدام القوة لتفريق أساتذة التعاقد، حتى أن الصورة الوحيدة التي تقاسم الجميع نشرها، "كدليل إثبات للعنف"، قال الأمن أنها لأستاذ متعاقد بالراشيدية وشرح ملابساتها وكشف عن توثيقها بالصوت والصورة خلال سقوط عرضي.
صحيح أن هناك مناوشات واستفزازات محدودة وقعت في بني ملال والراشيدية، لكن ذلك ظل في حكم النادر الذي قياس عليه أو معه، لأن الأمر لم يتخط حدود المتداول يوميا في حقل الاحتجاج ببلادنا، في وقت كانت فيه غيرها من مسيرات المتعاقدين تجوب حيزها المكاني في الدار البيضاء وفاس والعيون ووجدة دون أن تتطور إلى مواجهات، اللهم تلك المواجهات التي يختلقها البعض خدمة لخلفيته الشخصية غير المعلنة.
ورغم كل التصويب والتوضيح والتكذيب الرسمي، يصر بعض السياسيين على الجزم بوقوع العنف؟ هل لأنهم يعتبرون الأمن مشجبا تعلق عليه خطايا السياسيين؟ أم شجرة أعياد ميلاد تلقى عليها أماني المتحزبين؟ أم أنه حائط مبكى تنثر على أعتابه عبرات السياسة ودموع السياسيين؟
لا اعتقد بأن هذه هي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الإصرار والتهافت والإمعان. فنزق بعض السياسيين يجعلهم غير مدركين بأن الأمن هو نعمة ومكسب جماعي للمغاربة قاطبة، أكثر منه مرفق عمومي سيادي، وهو مشترك بيننا جميعا لا يقبل المزايدة ولا المقامرة ولا الرهان.
ومن يبتغ مثل هذه الرهانات، فأوراق اليانصيب وألعاب الحظ ومحلات التيرسي هي المكان المناسب له، وليس امتهان السياسة…