بقلم : يونس التايب
انتشر ليلة السبت إلى الأحد، فيديو جديد يصور كيف قام بعض “مناضلي آخر الزمان” بنزع علم المملكة المغربية من على واجهة بناية سفارة المغرب في برلين، وألقوه أرضا قبل أن يتدخل مواطن مغربي ليصرخ في وجوههم بانفعال شديد أفزعهم وجعلهم يهربون كالجرذان. و لأن من قاموا بذلك العمل حرصوا على تسجيله وبثه عبر “لايف” فيسبوكي مشين، فإن وجوههم معروفة و هوياتهم متاحة، كما هي معروفة طبيعة “القضية” التي يناضلون من أجلها، ولحساب من يتحركون، وفي أي سياق، و لأية أغراض و أهداف مشؤومة يسعون.
هذا العمل الجبان الذي تكرر خلال الثلاث سنوات الأخيرة، في بعض المدن الأوروبية، يأتي ضمن تحرك ممنهج لمجموعات تدعي “الفعل النضالي” بينما هي تناصب بلادنا العداء، و تتحرك بالتنسيق مع أجهزة معروفة و جهات لا تريد لوطننا الخير ولا الاستقرار و لا التطور و لا التنمية و لا الديمقراطية. رأينا ذلك في فالنسيا الإسبانية في نونبر الماضي، و قبله في مظاهرة في باريس، و في مدينة هولندية، في سلسلة متناسقة من التحركات التي يعتبرها أصحابها، بوقاحة شديدة “أشكالا نضالية”، ويعتبرها أبناء الشعب المغربي سلوكات نجسة تصدر عن عقول عفنة، تحركها خلفيات مستفزة لتحقيق أهداف غير مقبولة.
وأنا أشاهد ذلك الفيديو، هذه الليلة، تسائلت مجددا عن طبيعة الرسالة التي يريد مقترفو مثل تلك الجرائم أن يوصلوها إلى 36 مليون مغربي، و مبررات وجود مثل تلك العلاقة العدائية التي يكنها البعض للعلم الوطني لبلادنا، و لم أجد مبررات سياسية منطقية أو أسسا فكرية معقولة لمثل تلك السلوكات. و لأن الموضوع مرتبط بالعلم الوطني، تذكرت إصرار بعض قومنا، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، على تحييد الراية الوطنية في “نضالاتهم” و وقفاتهم و مسيراتهم، في مقابل رفع “راية” أخرى ليس حول دلالاتها أي اتفاق بين عموم المغاربة، و لا هم يعتبرونها راية تعزز وحدتهم أو تمثل طموحاتهم.
حينها، استنكرت في بعض كتاباتي ذلك السلوك واعتبرته غير مفيد بالمطلق من الناحية السياسية، و غير مجد بمنطق الترافع والنضال من أجل الحقوق، تماما كما كنت أجد عبثيا ذلك الشعار الذي يستنكر خيانة افتراضية لمنطقة من مناطق الوطن و لا يهتم للكم الهائل من المؤامرات والخيانات التي تستهدف كياننا الوطني الذي يظل هو من يعطي لوجود كل النضالات معنى و دلالة، و يتيح لها مكانة ويؤطرها بقوانين وحريات تسمح بها. وقلت أن أفضل شعار يجب أن نرفعه في كل الحالات وفي كل المواقف، خاصة عندما ننخرط في سياقات نضالية من أجل تحقيق مكتسبات أو الدفاع عن قضية أو التعبير عن أراء معينة، هو شعار “عاش المغرب ولا عاش من خانه!”، و أن الراية الوحيدة التي يتعين أن نرفعها في كل المسيرات والوقفات و الملاحم النضالية، إذا كانت تتم في سياقات مشروعة و شرعية، هي راية المملكة المغربية و ليس شيئا آخر.
وفي هذا الصدد، يتعين أن يستوعب أبناء وطننا أن رفع ذلك شعار “عاش المغرب ولا عاش من خانه!” هو إحالة إرادية على مبدأ أساسي هو رفض أية خيانة للوطن، كل الوطن وليس جزءا منه أو جهة خاصة فيه. و في ذلك تأكيد على قدسية الوطن ووحدت ترابه و توحد شعبه. كما أن رفع الراية الوطنية هو، أيضا، فعل نضالي يجلب الاحترام لأصحاب كل “قضية”، ويعزز شرعية تحركهم من خلال تسجيل التحامهم بالهوية الوطنية المغربية بكل روافدها المتنوعة والمنصهرة في كينونة وطنية واحدة، منسجمة ومتكاملة و أصيلة هي من نبات تراب هذه الأرض و ليست من تراب أرض غيرها.
أما عندما يجتمع ذلك الشعار مع الراية في فعل نضالي واحد، فإن في ذلك إعلان صريح على أن كل المطالب، كيفما كانت وكيفما كان حجمها، تتم في إطار الانتماء الوطني و يتم تصريفها تحت سقف الوطن الواحد، دون أي تجاوز لمصالحه الاستراتيجية. إضافة إلى أن الشعار والراية معا، هما تأكيد على أننا و نحن نناضل من أجل قضايانا وحقوقنا، لا يمكن أن نخون بلادنا و لا أن نكون جزءا من مخططات أعداءها، مهما حصل وتحت كل الظروف، لأن بلادنا هي أول القضايا و أقدس الحقوق، وليست هنالك قضية أو حقوق يمكن أن تعتبر مكسبا إذا كان ذلك سيتم على حساب الوطن، وحقوقه علينا.
لا شك أن الأيام القادمة ستكشف مزيدا من الأدلة على كمية الحقد الذي تحمله قلوب من يتطاولون على الوطن، وحجم العداء الذي يكنون له و لرموزه ومؤسساته ومكتسباته وثقافته وتاريخه وقيمه. و بذلك سنعين بعض من لازالوا لم يستوعبوا أصل الحكاية، على أن يفهموا أن عددا ممن يصرخون كل ليلة في “لايفات نضالية” تحريضية يبثونها عبر الفيسبوك و هم “جالسين مفيكين” في عواصم دول أجنبية، أو ينشرون حوارات إعلامية أو تدوينات ناقمة و مليئة بالعداء ضد مؤسسات وطنهم، أو يصورون أنفسهم وهم يحرقون جواز السفر المغربي، أو يعلنون تنازلهم عن جنسيتهم المغربية أو خلع البيعة التي في أعناقهم، هم في الحقيقة يضمرون حقدا دفينا وازدراء لأبناء الشعب المغربي جميعهم، وليس فقط لمؤسسات الدولة المغربية. ومبعث ذلك الحقد والازدراء هو مؤاخذتهم أبناء شعبنا الأوفياء لأنهم لا يثقون في هراء هؤلاء المتكلمين و لا يتفاعلون معهم و لا ينخرطون في عبثية القضايا “النضالية” الخاصة بأصحاب “اللايفات” و بأجنداتهم السرية.
و أجزم أن من بين هؤلاء “المتكلمين” عبر لايفات الليل من بعض عواصم أوروبا، عدد كبير ممن هم، من حيث يعلمون أو لا يعلمون، متواطئون مع أجهزة دول معادية لمصالح المغرب، تواكبهم و تحركهم كمعاول تافهة لهدم بنيان وطنهم. لذلك، يجب أن يكون واضحا أنهم مهما صرخوا، فإنهم لن ينالوا منا شرف منحهم صفة “معارضين سياسيين” لأن في ذلك خيانة عظمى لأرواح معارضين أشاوس حقيقيين اختلفوا في الستينات والسبعينات والثمانينات مع مؤسسات الدولة المغربية، لكنهم أبدا لم يخونوا العهد و لا نزعوا البيعة و لا تخلوا عن جنسيتهم المغربية و لا باعوا وطنيتهم، و لا قاموا بإزالة علم بلادهم من على واجهة بنايات سفارات المغرب ودنسوه بأقدامهم.
و بدون شك، كما يستحق منا هؤلاء المناضلون الحقيقيون وقفة تقدير واحترام لأرواحهم الطاهرة، بغض النظر عن كوننا نتفق أو نختلف حول المضمون الفكري والتصور السياسي الذي كانوا يحملونه، يستحق منا “مناضلو آخر الزمان” الذين لا يريدون لبلدنا و لا لشعبنا أي خير، أن نفضح ديناميكية التحريض التي هم منخرطون فيها و خطاب البلبلة و الفتنة التي يسعون إليها والتي لا حدود لشرورها، و لا سقف لما تحمله من سوء ومصائب للبلاد والعباد.
لذلك، سننبه أولاد البلاد الأحرار أن عليهم أن يحذروا شر هؤلاء المتكلمين في اللايفات و أن لا يتركوا لهم منفذا ليمروا منه إلى عقول الناس، وخاصة الشباب، وأن يبقوا اليقظة بخصوصهم لأنهم هم “العدو”. وبالمقابل سنواصل النضال السياسي والحقوقي المرتبط بديناميكة البناء الديمقراطي الوطني، و سنستمر في تطوير تدبير الأوراش الاستراتيجية التي يريدها أبناء الشعب من أجل التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والمعرفية والصحية، حتى تظل الكرامات محفوظة وتظل الراية الوطنية خفاقة في الأفق و يبقى نموذج الأمة المغربية متميزا بما فيه من ركائز الهوية الوطنية والثوابث التي تؤطر تحركنا و طموحاتنا.