مؤتمر طنجة.. محطة تاريخية بارزة لتعزيز الوعي بالمصير المشترك للشعوب المغاربية
شكل مؤتمر طنجة، الذي تحل يوم غد الثلاثاء ذكراه الـ 63، محطة تاريخية بارزة في تعميق وعي الشعوب المغاربية بمصيرها المشترك.
ويمثل هذا المؤتمر، الذي نظم بمبادرة مغربية، أقوى تعبير عن حلم لا زال يراود شعوب المنطقة، التواقة إلى تحقيق الاندماج في إطار تكتل جهوي يمكنها من رفع التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، في ظل العولمة والتكتلات الإقليمية الكبرى التي يشهدها العالم.
فقد اضطلعت الأحزاب التي شاركت في مؤتمر طنجة (27-30 أبريل 1958)، وهي حزب الاستقلال المغربي والحزب الدستوري الجديد التونسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، بدور مهم في تعميق الوعي وحشد الطاقات لإعطاء دفعة جديدة لحركات التحرر الوطني، من أجل استكمال مقومات السيادة والكرامة ووضع حد لمرحلة الاستعمار.
وكان قادة هذه الأحزاب، الذين اجتمعوا بقصر مارشان بطنجة، مقتنعين بأن الوقت قد حان لتجسيد إرادة الوحدة المغاربية في إطار مؤسسات مشتركة، من أجل تمكينها من الاضطلاع بالدور الملقى على عاتقها داخل المحافل الدولية.
وقد تضمن جدول أعمال هذا المؤتمر أربع نقاط، تناولت الأولى حرب التحرير في الجزائر ووسائل دعمها لتحقيق استقلالها، فيما تطرقت الثانية إلى ضرورة تصفية السيطرة الاستعمارية في كافة الأقطار المغاربية، وعلى الخصوص التواجد الاستعماري الفرنسي في الإدارة والاقتصاد، وسحب القوات الأجنبية، وتسوية مشاكل الحدود بين الأشقاء.
أما النقطة الثالثة، فقد تدارست سبل إنجاز الوحدة بين الأقطار المتجاورة، وما ينبغي أن يكون عليه محتواها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، في حين اتسمت النقطة الرابعة والأخيرة بطابع إجرائي، وتمثلت في ضرورة إنشاء هيئة دائمة للمتابعة.
وصادق المشاركون في ختام هذا المؤتمر على توصية أكدوا فيها إرادتهم في العمل على تحقيق الاتحاد، وعيا منهم بضرورة التعبير عن الإرادة الجماعية لشعوب المغرب العربي في توحيد مصيرها، واقتناعا بأن الوقت حان لتحقيق هذه الإرادة في إطار مؤسسات مشتركة.
ومع ذلك، تطلب الأمر انتظار زهاء ثلاثة عقود ليخرج هذا الحلم إلى حيز الوجود بإنشاء اتحاد المغرب العربي في فبراير سنة 1989 بمراكش، والذي جاء تأسيسه من أجل إعطاء دفعة جديدة للعمل المؤسس الذي تم إرساء أسسه بطنجة، وليعزز مسيرة تنمية المنطقة المغاربية لتجسيد التضامن الفعلي بين مكوناتها وضمان تقدمها الاقتصادي والاجتماعي.
وتنص وثيقة إنشاء اتحاد المغرب العربي بين كل من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا على “فتح الحدود بين الدول الخمس لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع، والتنسيق الأمني (…)، وتمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها (…)”، وهو أمر بعيد التحقق في ظل تمسك الجزائر بالإبقاء على حدودها الغربية مغلقة، ما يرهن مصير اندماج بلدان شعوب شمال إفريقيا لسنوات أخرى.
لا شك أن ما يجمع الإخوة المغاربيين أقوى بكثير مما يفرقهم، إذ الدين واحد واللغة واحدة والمصير مشترك، ورغم أن هذا التكتل كان يمتلك كل مقومات النجاح، إلا أنه ظل يحصد الخيبة تلو الأخرى، لينكسر حلم شعوب المغرب العربي في تحقيق التقدم والرفاه على صخرة الحسابات السياسية الضيقة، وعداء جزائري راسخ للمغرب ووحدته الترابية.
فبرغم سياسة اليد الممدودة التي ما فتئ المغرب ينهجها تجاه الجزائر، منذ عقود، ودعواته المتواصلة لمد الجسور لتكتل مغاربي يستجيب لآمال وانتظارات شعوب المنطقة، ويواكب تحديات العولمة، وبرغم جميع المبادرات الحميدة التي بدرت عن أكثر من جهة، فإن كل المحاولات لنفخ الروح في هذا الكيان لم تتكلل بالنجاح أمام تعنت حكام الجزائر.
وهكذا، فإن الاحتفاء بالذكرى الـ 63 لمؤتمر طنجة يشكل مناسبة ملائمة لإعادة إطلاق هذه المبادرة التاريخية المشتركة، ومواصلة العمل من أجل خدمة المصالح المشتركة للدول والشعوب المغاربية، وتوحيد الجهود لتجاوز العقبات وبناء اتحاد مغاربي قوي وفعال.
فما أحوج المنطقة اليوم إلى الروح التي كانت وراء إطلاق نداء طنجة من أجل استشراف مستقبل أفضل للمغرب العربي، إذ بات مطلوبا، في سياق اقتصادي وسياسي عالمي صعب، وتشابه التحديات التي تعترض بلدان المنطقة، إحياء الاتحاد المغاربي لتجسيد تطلعات شعوب المنطقة وتحقيق اندماج يرقى إلى مستوى الإشعاع التاريخي الذي طالما ميز منطقة المغرب العربي.