الإبراهيمي يكتب عن المغرب والهند ورائحة الموت التي تزكم العالم
الدار / خاص
نشر البروفيسور عز الدين الإبراهيمي، مدير مختبر التكنولوجيا الحيوية بالرباط، وعضو اللجنة العلمية الوطنية لمحاربة “كورونا” مقالا مطولا على صفحته الفايسبوكية ربط فيه بين الحالة التي وصلت إليها الهند بسبب سماحها لمواطنيها بإقامة شعائر دينية، وبين ما “تجنبه المغرب من كوارث” بسبب منع صلاة التراويح.
ودعا البروفيسور عز الدين الإبراهيمي إلى ضرورة جعل ما وقع في الهند عبرة لجميع الدول، ومنها المغرب، محذرا المغاربة من “الشعور الزائف بالأمان”، والذي قد يؤدي على حد قوله إلى “الهلاك”.
كما تساءل الإبراهيمي عن “ما إذا كان المنتقدون لقرار الحكومة تمديد الإغلاق الليلي في رمضان مازالوا على رأيهم بعد الذي حصل في الهند اليوم؟”، مؤكدا أنه “مع رمضان زايد و تزايد الكثيرون علينا بالمثال الهندي، وحريته الدينية رغم الأزمة”.
وفيما نص المقال/ التدوينة
الهند و رائحة الموت التي تزكم العالم….
مع رمضان زايد وتزايد الكثيرون علينا بالمثال الهندي…. وحريته الدينية رغم الأزمة…. نعم… فمع قرار الاستمرار في منع التنقل الليلي في رمضان وما يترتب عنه من عدم إقامة سنة صلاة التراويح…. خرجت علينا تعاليق مناهضة لهذا القرار مكفرة ومخونة… متحججة بأن القرار يستهدف الإسلام… مبرهنين على ذلك بكون الهند سمحت لملايين الهندوس ليحتشدوا في نهر الغانج ليؤدوا حجهم الموسمي…. و”أن الهندوس قدرو يديرو الفرائض ديالهوم… ونتوما حرمتونا نديرو الشعائر ديالنا” ….. واليوم و أنا أرى ما يحدث ويقع في الهند وكورونا تجتاح الهند طولا وعرضا…. أتسائل هل مازال هؤلاء يقرون بهذا….. أم عفوا وصفحوا عنا….
وقبل أن أقوم بتحليل ما وقع في الهند وأي عبرة لبلد كالمغرب من هذه الوضعية المؤلمة…. أود أن أؤكد وكما قلنا دائما أنه في زمن “حرب الكوفيد” يجب أن نتخندق مع الوطن … وأن نثق بربنا ووطننا وملكنا… وبقرارات مدبري الأمر العمومي… ولنعقلها ونتوكل… وإذا أحيانا الله … فسنصلي الفرائض والسنن وفي المساجد إن شاء الله …. أما أصحاب قيام الله… فيا جمال وقوفك بين يدي الرحمان… وحيدا بالأسحار في مناجاة الريان… وتوفقك بأن تستفرد بالمنان… كل ليلة…. وليس فقط في رمضان….
في تحلليلنا للوضعية الهندية، قد نلق المسؤولية على المتحور الهندي الجديد…. قد نلوم الحكومة الهندية في عدم اتخاذ القرارات الصعبة و الاستباقية… قد نحمل الوزر للسياسيين و الانصياع للمصالح السياسوية …. ولكني أود أن أركز اليوم على دور السلوكيات الشخصية المبنية على الإحساس الزائف بالأمان في مواجهة الفيروس … وكما قلنا دائما فهذا الشعور والإحساس الزائف بالأمان يؤدي حتما للهلاك…
فالشّعب الهندي وكغيره من الشعوب نسي الفيروس ودينامية الجائحة… فمع حالة وبائية شبه مستقرة بحلول شهر مارس… بدأ الجميع بالعودة لممارسة حياته الطّبيعية، وحضور الاحتفالات والأعراس، والتردّد على الأماكن والأسواق الشعبية، والعودة إلى العمل… وزادوا على ذلك بتجمعات للملايين لإحياء حجهم السنوي للنهر المقدس ومواسمهم. وقد أدى هذا لنقل الفيروس وتكاثره الأسي في جميع أرجاء البلد حتى البوادي منها و التي لا تتوفر على مناشئ صحية و هي التي كانت من قبل “محمية” من بالكوفيد… ومن ذلك ….إلى انفجار “القنبلة الوبائية”…والموت… والذي لم يسلم منه هذه المرة لا الشباب ولا الكهول ولا الشياب …و كالنار في الهشيم… انقطع الأوكسيجن عن الهند وبدأ البلد يختنق… وبحرق الجثث، توشحت سماء نيودلهي باللون الرمادي … ولم يعد المواطن يختنق بسبب الكوفيد فقط… بل يختنق بالبكاء والنواح على الموتى… وكذلك بالهواء الملوث الكئيب….
اللهم لا شّماتة….. فيجب أن نعلم اليوم أنا مايحدث في الهند يحدث بالبرازيل و لا يستثني بلدا إذا وجدت الظروف الوبائية السانحة لذلك… يجب اليوم أن نحس بألم ما يمر به إخواننا الهنود…. فكلنا بشر في مواجهة “فيروس خبيث ولكن ديموقراطي” …. يستهدف الكيان الإنساني في جميع أرجاء الكرة الأرضية بغض النظر عن اللون والدين والعرق…. علينا أن نتعاطف مع بعضنا البعض عسى أن يخفف ذلك من وقع المصيبة…. طبيعي أن نتأثر ونتألم لهذه المشاهد الدامية والمآسي …. ونذكر أنفسنا بأن للفيروس ديناميته الخاصة التي تمكنه من قلب حالة وبائية شبه مستقرة إلى كابوس…. وفيلم رعب هندي…. قد يطول
بالطبع…الهند ليست المغرب، والمغرب ليس الهند… ولكن تقاطعان مهمان يجب أن نأخذهما بعين …
… كغالبية المغاربة لا يرتدون الكمّامات، وأغلب حامليها لا يستعملونها بالطريقة الصحيحة… أما التباعد الجسدي فثقافةٌ جديدة علينا وغير متعارف عليها فالعناق والسلام وحرارتهما لا يزالان مقرونان عندنا بقدر و”كمية” المحبة…. والأسوأ من ذلك كله هو التهاون بالفيروس والاستهتار والاستهانة به… وعدم الالتزام بالاجراءات الحكومية لمنع الاختلاط والحجر المنزلي الجزئي كلما دعى الأمر ذلك…
ثانيهما هشاشة المنظومة الصحية في البلدين…. ومن نافذ القول أن البنية التّحتيّة للنّظام الصحي بالمغرب هشةٌ ولعقود من الزمن…. لذا وجب أن لا نضغط بسلوكياتنا على نظامنا الصحي حتى نجعله ينهار…. نود لمستشفياتنا الاستمرار في استقبال مرضى الكوفيد وغيرهم من ذوي الأمراض الأخرى… نرفض أن نضع طّواقمنا الطّبيّة وهي التي تتفانى في تقديم المساعدة ومعالجة كل المرضى… نضعها في موقف لا أخلاقي في انتقاء من يعيش ومن يموت كما يقع في الهند اليوم بسبب عدم توفر قنينة أوكسجين…. أرفض أن ينتقي طبيب بين مريض الكوفيد أو مريض السرطان أو مصاب في حاثة سير.. أن يقرر من يموت أو يعيش…. ولم؟… بسبب أن غالبيتنا لا تود الانخراط في سلوكيات عالم ما بعد كورونا….
“الله يرحم الواليدين”…. رفقا بمنظومتنا…. ولنعد إلى سابق عهدنا بالالتزام بالاجراءا ت الاحترازية ولينخرط الجميع في عملية التلقيح ولاسيما بعد وصول الألاف من الجرعات هذا الأسبوع…. فالتلقيح و الاجراءت الصعبة التي اتخذناها مع رمضان هي التي تمكننا اليوم من هذه الوضعية الوبائية الشبه مستقرة… غالبية الدول التي وصلت إلى نسبة كبيرة من تلقيح مواطنيها تتمتع بحالات وبائية متشابهة وتستعد لرفع كثيرا من القيود المفروضة حاليا…. من حقنا، إن استمر الوضع الحالي، أن نفكر في ذلك لفترة ما بعد العيد إن شاء الله….
وكما رددنا دائما فالمسؤولية تبقى مشتركة بين الفرد والمجتمع والدولة معا، ولا يمكن التقليل من أهمية أي طرف…و إذا لا قدر الله تراخي طرف أو كل الأطراف… فالفاتورة تستخلص من أرواح أحبة وإخوة لنا …بل أولا وأخيرا تستخلص بروح إنسان بغض النظر عن لونه و دينه وعرقه…. ضحايا و مكلومين بالآلاف…. اقتصادات تحتضر… ومجتمعات يتمكن منها الرّعب والهلع…. تنهار…. وإنسان لا يتنفس بسبب الكوفيد… بل من هواء ملوث بكثرة المحارق…. كما يحدث بالهند….لك الله يا هند غاندي….
حفظنا الله جميعا…