أسيمي غويتا… الرجل القوي في مالي الذي أطاح برئيسين في أقل من عام
تحول اسم أسيمي غويتا في ظرف أقل من عام إلى رقم أساسي بمعادلة الحكم في مالي، مستأثرا باهتمام الرأي العام في القارة السمراء وخارجها، لا سيما وأن بلاده تلعب دورا محوريا في الحرب ضد الإرهاب بمنطقة الساحل. لقد ظل غويتا كولونيلا مجهولا في الجيش المالي لسنوات، أنيطت به مهام متعددة في حرب هذا البلد الأفريقي على الجهاديين، لكن منذ أغسطس/ آب 2020، تاريخ الانقلاب الأول ضد الرئيس المنتخب إبراهيم كيتا، صار هذا العسكري الشاب محط اهتمام وسائل الإعلام الدولية باعتبار أنه الرجل القوي في مالي الذي قاد انقلابين خلال سنة واحدة. فمن هو غويتا؟
بعد الإطاحة بالرئيس المالي المنتخب إبراهيم أبو بكر كيتا في 20 غشت 2020، عاود قائد الانقلابيين الكولونيل أسيمي غويتا الإثنين الكرة مجددا بانقلاب آخر ضد الرئيس الانتقالي باه نداو ورئيس حكومته مختار وان، حيث كان من المفروض أن يقودا البلاد لغاية 2022 موعد إجراء انتخابات جديدة وانبثاق سلطة مدنية.
وفي تبرير له بشأن تعطيل العملية الانتقالية جراء هذا الانقلاب العسكري، وجه غويتا اللوم لرئيسي البلاد والحكومة على أنهما قاما بتشكيل حكومة جديدة بدون التشاور معه، معتبرا أن “هذا الإجراء يدل على إرادة واضحة لرئيس المرحلة الانتقالية ورئيس الوزراء بانتهاك الميثاق الانتقالي …، حيث ثبت وجود نية لتخريب العملية الانتقالية”.
يبقى هذا العسكري محط اهتمام الرأي العام الأفريقي والدولي، لا سيما وأنه تحول إلى رقم أساسي في معادلة الحكم المالية، داخل بلد، يعول عليه كثيرا دوليا في الحرب على الإرهاب بمنطقة الساحل، وهذا ما يفسر انزعاج الكثير من القوى الدولية، وعلى رأسها فرنسا، من عدم الاستقرار الذي تعيشه مالي. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تنشر بلاده أكثر من خمسة آلاف جندي ضد الجهاديين في منطقة الساحل، تحدث عن “انقلاب داخل انقلاب وهو أمر مرفوض”.
عسكري “صارم يحب التحديات”
برز اسم أسيمي غويتا في الساحة السياسية والعسكرية المالية في 2020 عندما قاد الانقلاب الأول ضد الرئيس المنتخب إبراهيم كيتا. وتسربت في البداية معطيات قليلة عن حياته الخاصة والمهنية قبل أن يبادر الجيش المالي بتوزيع نبذة عنه على وسائل الإعلام، رسمت باختصار مسار عسكري شاب، يعتقد أنه قد يكون يتوق إلى السلطة بحذر.
ولد غويتا في 1983، يلقبه المقربون منه بـ”أسو”، وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال، يوصف بأنه “رجل صارم، ومثابر، يحب التحديات وقادر على القيادة”. ونقلت إذاعة فرنسا الدولية عن جندي فرنسي عرفه عن قرب، أن قائد الانقلابين في مالي “محترف لا يترك شيئا يمر”.
وتخرج هذا العسكري الذي سار على خطى والده الضابط في الجيش المالي، من مدرسة كوليكورو العسكرية المالية المتخصصة في الأسلحة المدرعة وسلاح الفرسان. وشارك أيضا في العديد من التدريبات بعدد من الدول، كألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة. وتم تعيينه في شمال مالي ابتداء من 2002 في أكثر من منطقة: غاو، كيدال، ميناكا، تساليت وتمبكتو لمحاربة الإرهابيين خاصة.
في عام 2014 انضم إلى القوات الخاصة، وفي العام الموالي أشرف على تنسيق العمليات الخاصة لوزارة الدفاع بعد قصف فندق راديسون بلو في باماكو. وفي 2018 تم تعيينه رئيسا للقوات الخاصة في مالي، وقاد عمليات في شمال ووسط مالي وكذلك خارج البلاد ضمن وحدات دولية بدارفور.
طموحات سياسية؟
كان الكولونيل غويتا قدم نفسه غداة الانقلاب العسكري الأول في غشت 2020 كرئيس للمجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا، معتبرا وقتها أن مالي “لم تعد تتحمل ارتكاب الأخطاء” من جانب السياسيين. وقال للصحافة “أقدم نفسي: أنا الكولونيل أسيمي غويتا، رئيس اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب”، لكن طموحاته السياسية بدأت تتوضح أكثر مع الانقلاب الثاني.
وقد تعهد غويتا وقتها، تحت ضغط دولي، بإعادة السلطة إلى مدنيين منتخبين بعد 18 شهرا بدل ثلاث سنوات كما كان يريد التخطيط لذلك، إلا أنه احتفظ بحضور قوي لرجالاته في الحكومة الانتقالية عبر مجموعة من الوزارات، سمحت له بوضع اليد على مقاليد السلطة، علما أن غويتا كان يشغل نائبا للرئيس الانتقالي ومكلفا بالشؤون الأمنية خلال هذه التجربة المجهضة.
ويبدو أن ثقة الماليين بغويتا والجيش عامة مع هذا الانقلاب الثاني، قد تكون تضررت إلى حد ما. فالعسكريون الذين رحب بهم في البداية السكان الغاضبون من انعدام الأمن والفساد، كانوا هذه المرة عرضة لعدد من الانتقادات جراء إظهارهم أطماعا في السلطة. ولم تلق التركيبة الحكومية المعلنة الإثنين ترحيبا من قبل الجيش رغم أن العسكريين احتفظوا فيها بمناصب رئيسية، لأنه استثني منها شخصيتان في المجلس العسكري السابق من حقيبتي الدفاع والأمن.
بالنسبة لعالم الاجتماع بريما إيلي ديكو فإن ما حصل امتداد متوقع لانقلاب 2020، إذ فسر في حديث لوكالة الأنباء الفرنسية أن “ما نعيشه اليوم في مالي هو نتيجة منطقية لعيوب بداية المرحلة الانتقالية”، نتيجة استبعاد العسكريين للأحزاب وجمعيات المجتمع المدني التي قادت على مدى أشهر الحركة الاحتجاجية ضد السلطة السابقة.
المخاض الذي تعيشه مالي اليوم يوحي لبعض المراقبين أن غويتا قد تكون عينه على الانفراد بالحكم، وإن كان الكولونيل تعهد بأنه سيلتزم بأجندة المرحلة الانتقالية وفق “مسارها الطبيعي”، و”أن الانتخابات المزمع إجراؤها، ستنظم خلال العام 2022”.
في كل الأحوال، المجتمع الدولي لا يرحب بتحركات غويتا العسكرية، والجيش عامة يعي أنه ليس في مصلحته عزله دوليا أمام خطر الإرهاب الذي يتربص بالبلاد، ويحتاج بكل تأكيد للدعم الفرنسي خاصة في المنطقة. لكن الرئيس إيمانويل ماكرون كان واضحا في رسالته للكولونيل وكافة الانقلابيين، حيث أكد في مؤتمر صحفي: “مستعدون في الساعات المقبلة، في حال لم يتم توضيح الوضع، لفرض عقوبات محددة الهدف” بحق الأطراف المعنية.
المصدر: الدار- أف ب