الحلف الأطلسي يجري مناورات في إستونيا
وغيّيه هو مساعد قائد كتيبة بريطانية قدمت للمساهمة في تدريب الجيش الإستوني الذي يعد 3 آلاف عنصر شاب من المجندين، وجنود الاحتياط في البلد الصغير البالغ عدد سكانه 1.2 مليون نسمة والواقع على بحر البلطيق، بمحاذاة العملاق الروسي شرقاً.
وكانت إستونيا جمهورية سوفياتية حتى العام 1991، وانضمت لاحقاً إلى الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، محتفظة في قلب ثقافتها بنقمة شديدة على روسيا، ممزوجة بالخوف منها.
وقال الكولونيل برونو ديميسي الممثل الأعلى الوطني للجيش الفرنسي في إستونيا ملخصاً الوضع إنه “آخر بلد إلى الشمال يغلق خليج فنلندا والبلطيق، الحاجز الأخير”.
ويوضح الجنرال إندريك سيريل مساعد رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الإستونية، والذي يقود مناورات “سبرينغستورم” (العاصفة الربيعية)، مبرراً تمسكه بالحلف الأطلسي أن “روسيا الاتحادية لن تتردد في استخدام قوتها العسكرية ضد جيرانها لتحقيق أهدافها الإستراتيجية”.
تشارك فرنسا من خلال عملية “لينكس” بمدرعات خفيفة و12 دبابة من طراز لوكلير البالغة زنتها 56 طناً وتعتبر من الأفضل في العالم، أما البريطانيون، فأحضروا دبابات “واريور”، وهي من طراز أقدم بقليل، وتساند هذه الآليات قوات من المشاة وجنود المدفعية وخبراء المتفجرات.
وتدور المعارك لصد عدو أطلق عليه اسم “ميرينوس”، يمكن تمييز جنوده بفضل أشرطة بلاستيكية صفراء ألصقت عليهم، وفي ساحة المعركة هذه، أي وجه شبه مع دولة مجاورة هو مجرد صدفة.
ويخيم توتر شديد الخميس، فالعدو أقام حواجز ونشر ألغاماً كما في كل يوم على الطريق، وحين ينتشر خبراء المتفجرات لمباشرة إزالة الألغام، يتعرضون لإطلاق نار مصدره خندق تم حفره خلال الليل تحت الأشجار، ويقاتل الجنود ساعة قبل أن يتمكنوا من صد العدو، إلى أن ينصب لهم كميناً جديداً.
وإن كان الرصاص المستخدم فارغاً والألغام مجرّد دوائر خشبية، فإن الوجوه كلها تعكس التركيز والتصميم، ويمكن لمس التوتر في الأصوات التي ترتفع محاولة أن تطغى على جلبة المحركات وإطلاق النار.
وفي خضم المناورات، يتعلم الإستونيون أهمية الدبابات التي يفتقرون إليها، كما يتدرب البريطانيون والفرنسيون وغيرهم من القوات على القتال معاً، فتتداخل مشكلات اللغات والثقافات المختلفة ضمن آليات الحلف الأطلسي.
وبعد عدة أيام، بات الجنود متعبون، غير أن درجة الحرارة تخطت الصفر، فذاب الثلج أخيراً وعم بعض الارتياح بين العسكريين، حتى تحت وابل من المطر، وأوضحت اللفتنانت كاثي البريطانية “بدأ الجميع يدرك أن هناك بلدانا مختلفة، وهذا يعني أننا جزء من إطار أوسع هو الحلف الأطلسي”.
وقال الكولونيل الفرنسي فيليب جينوكان إن “القتال ضمن تحالف يعطي قدراً من الشرعية للالتزام ويضاعف القوة”.
وتهدف المناورات أيضاً إلى التحضير للمستقبل، فبعد عقود واجهوا فيها جهاديين في نزاعات غير متكافئة بمواجهة وحدات مقاتلة صغيرة وشديدة الحركة، يتوقع الغربيون العودة بعد فترة إلى المواجهات بين الدول، حيث تكون الاشتباكات “شديدة الكثافة” تتواجه فيها الدبابات والمدفعية وعناصر المشاة في معارك طويلة ومعقدة وتكتيكية ومشرعة على كل الاحتمالات.
وقال الكولونيل جينوكان مستذكراً مهماته السابقة الممتدة من كوسوفو إلى جنوب إفريقيا مروراً بأفغانستان ولبنان، “الميدان هنا رديء جداً، إنها ظروف مثالية لاكتساب خبرة حربية”.
ويستريح كاسبار البالغ 21 عاماً خارج ساحة المعركة، بعدما “قتل” في المواجهات، ويقول منهكاً “قضينا للتو أسبوعاً كاملاً في الأحراش، لا ننام أكثر من ثلاث ساعات في الليل، لكن من المهم جداً بالنسبة لإستونيا أن تبقي العدو على مسافة منها”.