أخبار الدارسلايدر

الدار افتتاحية: يقظة الاستخبارات المغربية في مواجهة عولمة الإرهاب.. من الساحل إلى سيدي الزوين

الدار/ افتتاحية

من قال إن التهديد الإرهابي قد انتهى وزال إلى الأبد؟ لا يزال

هذا الشبح المرعب يخيم على بلادنا مثل باقي بلدان المنطقة والعالم. لا تزال هناك خلايا نائمة وجماعات تحمل فكرا متشددا، وذئاب شاردة يستوطن الحقد والكراهية والطائفية المقيتة عقولها. من هذه الفئة تخرج تلك الخلايا والجماعات التي تحيّدها المصالح الأمنية. ومنها هذه الخلية الجديدة التي تم تفكيكها بمنطقة سيدي الزوين بنواحي مراكش. خلية إرهابية كانت تخطط للانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية بمنطقة الساحل. وتزود أعضاءها وأميرها بما يلزم من العدة والعتاد استعدادا لتنفيذ عمليات إرهابية.

من سيدي الزوين إلى تمارة ومن تيفلت إلى الصخيرات، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، لا تزال المصالح الأمنية تفكك سنويا عشرات الخلايا الإرهابية. وبعد أن كانت الظاهرة الإرهابية تستوطن المدن الكبرى كالدار البيضاء ومراكش أصبح للهوامش والبلدات الصغيرة نصيبها من فكر التطرف والتنظيم العنيف والمسلح. لماذا سيفكر مجموعة من الشبان في بلدة وديعة مثل سيدي الزوين في خلق تنظيم إرهابي والالتحاق بمعسكرات الدولة الإسلامية في منطقة الساحل؟ الجواب لا يمكن أن نجده إلا في مفهوم عولمة الإرهاب الذي تستفيد فيه الظاهرة الإرهابية من كل تقنيات الاتصال والتواصل الحديثة من أجل الانتشار والبحث عن أهداف ومنفذين جدد يعتنقون الفكر التكفيري ويعملون على زعزعة استقرار المجتمعات. لقد نسج أمير خلية سيدي الزوين علاقات مع قيادي في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية من على بعد آلاف الكيلومترات ليتواصل مع شخص يحمل جنسية دولة أجنبية ويقيم خارج أرض الوطن، والذي أوعز له بضرورة الالتحاق بمعسكرات القتال التابعة لتنظيم “داعش”، بغرض التدريب على صناعة المفجرات وانتقاء الأهداف الإرهابية.

إن مجرد الإقدام على هذا النوع من الاتصال يؤكد بالملموس أن عقيدة التطرف والإرهاب لا تزال حاضرة بقوة وتجذر لدى العديد من الشباب، وأن عمليات غسيل الدماغ التي يمارسها ويتقنها القياديون في مثل هذه التنظيمات لا تزال عملية مؤثرة وناجحة في مراحل الاستقطاب والتجنيد. رغم كل ما بذل من جهد واستنفد من طاقات في برامج التوعية الدينية وتحديث القيم الثقافية إلا أن عولمة الظاهرة تتحدى كل المحاولات المحلية للقضاء على التطرف بكافة أشكاله. من مالي أو النيجر أو حتى من بغداد أو الشمال السوري تخرج رسالة الاستقطاب لتصل إلى منطقة سيدي الزوين أو تمارة، وتجند شبانا يبحثون عن ذواتهم، وتشحنهم بالفكر الإرهابي الاستئصالي وتحولهم إلى قنابل موقوتة جاهزة لتنفيذ عمليات انتحارية وإزهاق أرواح بريئة.

ونحن في المغرب أعرَف البلدان العربية بما يعنيه مفهوم عولمة الإرهاب. لقد عشنا لعقود طويلة في مأمن من كل مظاهر التطرف، وكانت الممارسة الدينية طقسا مجتمعيا يجسد المشترك الثقافي والروحي بين أبناء الشعب الواحد، إلى أن ألقت رياح العولمة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي برواسب الفكر الوهابي والتكفيري الذي تطور لاحقا مع تجربة القاعدة وفروعها، ووصل اليوم إلى المرحلة الداعشية التي حولت الإرهاب في زمن وفرة المعطيات إلى ظاهرة مكتسِحة.

لم تخرج الظاهرة الإرهابية بالمعنى الديني المتطرف من المغرب في الأساس، لقد كانت دائما وافدة من الخارج، وهي لا تزال كذلك بمعنى من المعاني بالنظر إلى رفض غالبية المجتمع لها وبسبب اليقظة الأمنية الكبيرة التي تواجهها. إن عولمة الإرهاب تضع مصالحنا الأمنية أمام تحدٍ كبير بحكم أن الأظناء والمشتبه بهم يمتلكون امتدادات خارجية تمثل في الغالب عصب هذه الخلايا والتنظيمات المحلية. بعبارة أخرى إن العمل على فصل الروابط بين العناصر المحلية وبين المراكز الإرهابية في العالم يمثل جوهر العمل الأمني الذي ينبغي القيام به، وهو ما نشهده اليوم بين الفينة والأخرى بتفكيك عشرات الخلايا.

زر الذهاب إلى الأعلى