أخبار الدارسلايدر

افتتاحية الدار: هل انتهت المعارضة البرلمانية في مواجهة أغلبية منسجمة؟

الدار/ افتتاحية

من الواضح أن الأرقام والبرامج والمقترحات التي قدمها رئيس الحكومة عزيز أخنوش في تصريحه الحكومي لم تكن معهودة ومألوفة في سياق حكومي سابق. التزامات عشرة محددة في الزمان وبالأغلفة المالية الدقيقة وبالموارد التي ستعبئ من أجل الوفاء بها، مع اندراجها في إطار استراتيجي بعيد المدى. لا شك أن مضمون التصريح الحكومي الأخير كان له وقع مختلف وغير مسبوق بناء على ما تضمنه من إجراءات تهم كافة الشرائح والفئات الاجتماعية والنوعية. وفي مقابل هذا التصريح بدت المعارضة البرلمانية عاجزة عن تقديم انتقادات منطقية وسياسية واضحة للمشروع الحكومي. لكن ما الذي جعل المعارضة تظهر بهذا المظهر الباهت في أول يوم من مناقشة التصريح الحكومي؟

من الواضح أن أول أسباب هذا المظهر الباهت الانسجام والقوة والتناغم الذي يمثله التحالف الحكومي الحالي. ثلاثة أحزاب لا أقل ولا أكثر، تضم كتلا برلمانية واسعة عدديا، ومنتشرة على صعيد رقعة المملكة، ببرلمانيين من مختلف الجهات، إضافة إلى استنادها إلى إرث سياسي متنوع. الإرث التاريخي الذي يمثله نواب حزب الاستقلال برصيد الحزب الذي ينتمي للحركة الوطنية، والإرث المجدد كما يمثله حزب الأصالة والمعاصرة بمختلف نوابه باعتباره حزبا يشكل ماكينة انتخابية حقيقية، وأخيرا حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يجر وراءه تجربة تاريخية مهمة في لحظات صعبة عاشها المغرب، وشكل فيها هو صمام الأمان والمنقذ من الانفلات. لا توجد أحزاب كثيرة في هذه الأغلبية كي تدفعها إلى التشتت أو اختلاف التصورات أو التوجهات، وهذا ما يجعله حائط صد سياسي قوي في وجه المعارضة.

في مقابل قوة الأغلبية، هناك ضعف كبير على مستوى المعارضة. حزب العدالة والتنمية الخارج من الانتخابات بهزيمة ساحقة، لم يعد يمتلك ما يخول له حتى بناء فريق نيابي يمكنه أن يقدم الملتمسات ويتقدم بالمقترحات بصفة مستقلة. ثم من سيصدق خطابا سياسيا أو برلمانيا خرج لتوه من التدبير بالتصويت العقابي الشعبي؟ ما قدمه برلماني حزب العدالة والتنمية في مناقشة التصريح الحكومي لا يعدو أن يكون صيحة في وادي لا يكاد يسمعها أحد بعد أن خسر هذا الحزب كثيرا من قوته سواء البرلمانية أو الشعبية. ثم ماذا عن حزب الاتحاد الاشتراكي الذي كان يمني النفس بدخول الأغلبية الحكومية؟ ما هي مصداقية ما تقدم به من انتقادات للتصريح الحكومي إذا كان إلى حدود الأمس القريب يسعى وراء المشاركة في هذه الحكومة التي قدمت هذا التصريح؟ استمرار الفريق النيابي الاشتراكي في الحديث عن ما يسميه “التناوب الجديد” دليل على أن الحزب لم يستطع بعد الخروج من أجواء الحملة الانتخابية الأخيرة.

أما أحزاب اليسار المشتت التي حاولت وضع بصمتها في المناقشة، فقد انشغلت بخلافاتها الداخلية ولم تستطع تقديم تصور واضح عن نقدها للتصريح الحكومي، وللمعطيات الرقمية والبرامجية التي تضمنها. لكن أغرب الانتقادات فهي التي جاءت على لسان رئيس الفريق الحركي ادريس السنتيسي الذي اعتبر أن لغة الأرقام غابت عن التصريح الحكومي. ومن المستغرب أن يأتي انتقاد من هذا القبيل من حزب الحركة الشعبية الذي كان مشاركا في التحالف الحكومي السابق إلى جانب حزب التجمع الوطني للأحرار، كما أن هذا التصريح يعد أكثر التصاريح الحكومية التي تضمنت أرقاما ومعطيات مدققة عن الميزانيات والاعتمادات المالية التي سيتم تخصيصها لكل المشاريع، وكان من أهم هذه الأرقام توقف الحكومة عند سقف 4 في المائة كمعدل للنمو، من باب الواقعية، علما أن البنك الدولي يتوقع للمغرب أن يحقق هذه السنة معدل نمو يتجاوز 5.5 في المائة.

من الواضح إذن أن أكبر غائب في لحظة التصريح الحكومي الدستورية الهامة هو المعارضة. ومن المؤكد أن نتائج اقتراع 8 شتنبر فعلت فعلها السياسي العميق في تشتيت المعارضة وإضعاف قدرتها على المناورة وتشكيل رأي سياسي عام حول مختلف القضايا، خصوصا في مواجهة أغلبية مقلصة ومنسجمة وعملية.

زر الذهاب إلى الأعلى