مندوبية التخطيط..الميزانية الاقتصادية التوقعية لسنة 2022
تقدم الميزانية الاقتصادية التوقعية لسنة 2022 مراجعة لآفاق الميزانية الاقتصادية الاستشرافية الصادرة خلال شهر يوليوز من سنة 2021. ويتعلق الأمر بتقديرات جديدة للنمو الاقتصادي الوطني لسنة 2021 وبمراجعة توقعات تطوره خلال سنة 2022 وتأثيراتها على التوازنات الماكرو اقتصادية الداخلية والخارجية.
ويرتكز إعداد هذه الميزانية على الآفاق الاقتصادية العالمية الصادرة عن مختلف المؤسسات الدولية، خاصة صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية واللجنة الأوروبية والبنك الدولي. كما تعتمد هذه الميزانية على معطيات المحاسبة الوطنية وعلى نتائج البحوث الفصلية وأشغال تتبع وتحليل الظرفية التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط. كما ترتكز على المعطيات النقدية ومعطيات المالية العمومية وإحصائيات المبادلات الخارجية، الصادرة على التوالي عن بنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية ومكتب الصرف.
وترتكز الآفاق الاقتصادية الوطنية لسنة 2022، على فرضية إنتاج متوسط للحبوب خلال الموسم الفلاحي 2021 2022-وعلى التدابير الجديدة والمقتضيات المعلنة في القانون المالي لسنة 2022. كما تعتمد هذه التوقعات على مجموعة من الفرضيات المرتبطة بتطور العوامل الخارجية التي تؤثر على الاقتصاد المغربي سواء على المستوى الوطني أو الدولي.
أهــــم الــــمـــؤشـــــرات الـــمــــاكـــرو اقــــــتــــــصـــــاديــــة
بعد الركود العميق الذي سجله سنة 2020، متأثرا بتداعيات الأزمة الصحية، سيعرف الاقتصاد العالمي خلال سنة 2021، انتعاشا قويا لتدارك منحى نموه الطبيعي. غير أنه وبناء على فرضية التحكم التدريجي في الوضعية الوبائية بفضل التغطية الملائمة للتلقيح، ستعرف سنة 2022 صعود تحديات جديدة، حيث ستقوم البنوك المركزية بتوحيد سياساتها بالإضافة إلى تعدد المخاطر الجيوسياسية والنظامية. وهكذا، ستتباطأ وتيرة النمو الاقتصادي سنة 2022 لتعود تدريجيا إلى وضعيتها الشبه طبيعية، في سياق يتميز بارتفاع التضخم.
على الصعيد الوطني، تمت مراجعة توقعات النمو الاقتصادي لسنة 2021 الصادرة في الميزانية الاستشرافية نحو الارتفاع. ويعزى هذا الانتعاش القوي المرتقب للاقتصاد المغربي إلى النتائج الجيدة للقطاع الفلاحي والزيادة الكبيرة لأنشطة القطاع الثانوي مصحوبة بتحسن الخدمات التسويقية. غير أن وتيرة النمو الاقتصادي الوطني ستتباطأ خلال سنة 2022، نتيجة تراجع تأثيرات الأساس الذي استفادت منها هذه الوتيرة سنة 2021 وانخفاض القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بعد موسم استثنائي تميز بإنتاج قياسي للحبوب سنة 2021.
غير أن هذه الآفاق الاقتصادية يكتنفها الكثير من عدم اليقين والغموض، خاصة العوامل المرتبطة بتطور الوباء الذي لم يتم التحكم فيه بشكل نهائي، حيث أن متحور أميكرون الذي يصنف على أنه أقل خطرا من المتغيرات الأخرى، خاصة في اقتصاديات الدول المتقدمة التي كثفت من عملية التلقيح لديها، ينتشر بشكل أسرع كما يوضح ذلك العدد الكبير لحالات الإصابة بالعدوى والوفيات. وستؤدي هذه الحالة من عدم اليقين إلى تقليص الطلب وتفاقم العراقيل أمام العرض وتأثر النمو الاقتصادي الوطني سلبا بالتنفيذ المرتقب لقيود احترازية جديدة.
المحيــط الدولـــي
انتعاش طفيف للاقتصاد العالمي في سياق استمرار المخاطر الصحية والضغوطات التضخمية
رغم الانخفاضات والاضطرابات الناتجة عن المتغيرات الجديدة لكوفيد-19، يتضح أن 2021 سنة إيجابية نسبيا بالنسبة لاقتصاديات وأسواق معظم مناطق العالم. وسيعرف النمو الاقتصادي العالمي سنة 2021 انتعاشا ملحوظا ب%5,5 بعد تراجع حاد ب 3,4% سنة 2020. ويعزى هذا النمو، أساسا، إلى التوجهات التوسعية للسياسات الماكرو اقتصادية وقوة نفقات الاستهلاك. غير أن هذا التحسن الكبير سيتباطأ نتيجة تراجع أثر انتعاش الطلب وتفاقم الاختلالات على مستوى العرض وكذا تشديد القيود على هوامش السياسات العمومية. وهكذا ستتباطأ وتيرة نمو الاقتصاد العالمي لتستقر في حدود%4,1 سنة 2022، مصحوبة بارتفاع كبير للمديونية على الصعيد العالمي.
وستتأثر آفاق النمو الاقتصادي العالمي بعدة مخاطر كبيرة وعوامل عدم اليقين، خاصة التطورات غير المؤكدة للوضعية الصحية مع الانتشار السريع للمتحورات الجديدة من كوفيد-19 ومواصلة تأثر الانتعاش الاقتصادي بارتفاع التضخم وبالتغيرات المحتملة للظروف المالية. بالإضافة إلى ذلك، سيتأثر الطلب الخارجي الموجه نحو اقتصاديات الدول الصاعدة والنامية بتراجع وتيرة نمو بعض القوى الاقتصادية الكبرى كالولايات المتحدة الامريكية والصين.
في الولايات المتحدة الأمريكية، سيسجل النمو الاقتصادي تراجعا في وتيرته ليستقر في حدود 3,7% سنة 2022 عوض 5,6% سنة 2021، بالتزامن مع انخفاض فائض الادخار الناتج عن التحويلات الفيدرالية التي دعمت بشكل كبير استهلاك الأسر والاستثمارات سنة 2021. بالإضافة إلى ذلك، ولمواجهة الارتفاع الكبير للأسعار خلال سنة 2022، سيوقف البنك المركزي الأمريكي دعمه للاقتصاد، عبر تقليص مشترياته من الأصول، ليفتح الباب أمام ارتفاعات في معدل الفائدة الرئيسي سنة 2022. غير أن السياسة النقدية ستبقى ملائمة إلى غاية بلوغ سوق الشغل مستوى التشغيل الكامل.
في منطقة اليورو، ورغم مصادر القلق المرتبطة بتزايد عدد حالات المتحورات الجديدة، سيتعزز انتعاش الإنتاج ليسجل نموا بوتيرة 5,2% و4,2% سنتي 2021 و2022 على التوالي. إلى جانب دينامية الاستثمارات الناتجة عن مختلف سياسات الإقلاع في الدول الأوروبية المعتمدة، ستتعزز نفقات الاستهلاك بزيادة الأجور وتراجع ادخار الأسر.
غير أن النشاط الاقتصادي الأوروبي، سيتأثر بتفاقم الاختلالات التي تعرفها سلاسل التموين، خاصة على مستوى أنشطة الصناعات التحويلية التي تعتمد كثيرا على سلاسل القيم العالمية. في هذا السياق، ستواصل الزيادات في أسعار المواد الأولية تغذية التضخم الشيء الذي سيؤدي إلى تقليص القدرة الشرائية للمستهلكين وإلى تدهور هوامش أرباح المقاولات، وبالتالي، تباطؤ وتيرة انتعاش اقتصاد منطقة اليورو بأكمله.
بخصوص الدول الصاعدة والنامية، تتباين وتيرة نمو اقتصاداتها من بلد لآخر. وستستفيد الدول المصدرة للمواد الأولية من المستويات العالية للأسعار عند التصدير ومن قوة الطلب العالمي، في حين ستواصل اقتصاديات العديد من الدول تسجيل انتعاش بطيء، خاصة ذات الدخل الضعيف والتي تبقى تحث وطأة المخاطر الصحية بسبب ضعف معدلات التلقيح. بالإضافة إلى ذلك، ستحفز الزيادة المرتقبة لمعدلات الفائدة الرئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية على خروج رؤوس الأموال وانخفاض قيمة العملات. وهكذا، ستضطر العديد من البنوك المركزية في اقتصاديات الدول الصاعدة إلى تشديد سياساتها النقدية من أجل التحكم في التضخم ودعم عملاتها.
وبخصوص الصين، يمر اقتصادها بمرحلة تعديلات مهمة كتشديد الرقابة على العديد من القطاعات والمجهودات المبذولة لمعالجة إشكالية مديونية بعض المقاولات، خاصة في قطاع العقار. وهكذا، ستتباطأ وتيرة نمو الاقتصاد الصيني، لتستقر في حدود 5,1% سنة 2022 عوض انتعاش ب 8% المسجلة سنة 2021.
وفيما يتعلق بالاقتصاد الهندي، الذي تأثر مسار نموه الطبيعي سنة 2021 بموجة العدوى الشديدة، فإنه سيتعافى إجمالا، نتيجة تحسن الاستهلاك والاستثمار الخاص مدعما بالسياسات العمومية المرنة. وهكذا سيواصل الناتج الداخلي الإجمالي الهندي وتيرة نموه القوية، لتناهز%8,7 سنة 2022 عوض%8,3 سنة 2021.
بخصوص الاقتصاد الروسي، ستتراجع وتيرة نمو أنشطته لتستقر في حدود%2,4 سنة 2022 عوض 4,3% سنة 2021، نتيجة انخفاض الطلب الداخلي وتشديد السياسات العمومية. وبالمثل، ستتأثر آفاق النمو بالتوترات الجيوسياسية المتصاعدة، بما في ذلك العقوبات الأمريكية الجديدة المفروضة على روسيا خلال سنة 2021 وكذا ضعف معدلات التلقيح.
وفي البرازيل، ستتراجع وتيرة نمو اقتصادها بشكل كبير لتستقر في حدود 1,4% عوض %4,9 سنة 2021. وهكذا، سينخفض الاستهلاك الخاص، متأثرا بالمستويات العالية للتضخم والبطالة. كما أن تراجع وتيرة نمو الاقتصاد الصيني، الشريك التجاري الرئيسي سيعيق الصادرات على المدى القصير. بالإضافة إلى ذلك، سيؤدي انكماش السياسة النقدية بهدف التحكم في التضخم، إلى تقليص وتيرة نمو الاقتصاد البرازيلي.
في ظل هذه الظروف، ستعرف التجارة العالمية نموا معتدلا تناهز وتيرته حوالي 5,8% سنة 2022، بعد القفزة السريعة ب 9,5% المسجلة سنة 2021، نتيجة قوة الطلب نحو منتجات الصناعات التحويلية، خاصة السلع المستدامة. غير أنه وبناء على القدرات الاستيعابية المحدودة للموانئ والخصاص في عدد الحاويات، فإن قطاع النقل البحري على المستوى العالمي يواجه صعوبات لمواكبة هذا المعدل من النمو. وهكذا، ستواصل تكاليف النقل البحري للسلع ارتفاعها على المدى القصير، الشيء الذي سيؤدي إلى استمرار ارتفاع أسعار الواردات.
وعلى مستوى أسواق المواد الأولية، عرفت أسعار المواد الأساسية زيادة كبيرة خلال سنة 2021، نتيجة ارتفاع الطلب العالمي مصحوبا بالقيود على مستوى العرض. وهكذا، سيصل متوسط أسعار النفط “برنت” إلى حوالي 69 دولارا للبرميل، أي بزيادة سنوية قدرت ب %67,2. ويعكس هذا الارتفاع الكبير استمرار سياسة التدبير الحذر للعرض من طرف مجموعة الدول المصدرة للنفط، في حين سيتواصل الاستخدام الكثيف للمنتجات البترولية في إنتاج الكهرباء كبدائل للغاز الطبيعي والفحم، التي ارتفعت أسعارها سنة2021. وسترتفع أسعار البترول سنة 2022 لتستقر في حدود 100 دولارا للبرميل، غير أنها ستعرف بعض التقلبات نتيجة الاختلالات الناجمة عن تطور الوباء والتوترات الجيوسياسية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط. وبخصوص أسعار الغاز الطبيعي والفحم فإنها ستنخفض سنة 2022، نتيجة تراجع الإكراهات التي تعيق العرض، غير أنها تبقى أعلى من المستويات المسجلة قبل الوباء.
ومن جهتها، ستعرف أسعار المنتجات غير الطاقية التي سجلت سنة 2021 ارتفاعا قويا ب %31,9، خاصة أسعار المعادن الأساسية والأسمدة والمنتجات الغذائية، انخفاضا طفيفا ب %-2 . في ظل هذه الظروف، سيعرف التضخم للسنة الثانية على التوالي ارتفاعا كبيرا في معظم الدول الشيء الذي سيؤثر بشكل كبير على الطبقة الشغيلة ذات الدخل الضعيف وتعيق تدابير السياسات النقدية.
على مستوى سوق الصرف، ستتأثر قيمة اليورو بالسياسة النقدية المرنة للبنك المركزي الأوروبي، في حين سيستفيد الدولار الأمريكي من مكانته المميزة في الأسواق، في ظل تباطؤ وتيرة النمو الصيني وتشديد قيود السياسة النقدية من طرف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وبالتالي فإن قيمة اليورو مقابل الدولار ستتراجع إلى 1,16 سنة 2022 عوض 1,18 سنة 2021 و%1,5 سنة 2020.
في ظل هذه الظروف، سيستفيد النشاط الاقتصادي الوطني من انتعاش الاقتصاد العالمي. وهكذا، سيسجل الطلب العالمي الموجه نحو المغرب بحوالي %7,3 سنة 2022 عوض %10 سنة 2021 وانخفاض ب %10,9 المسجل سنة 2020.
الوضعية الاقتصادية لسنة 2021..انتعاش ملحوظ للنمو الاقتصادي
بعد ركوده العميق سنة 2020، سيعرف النشاط الاقتصادي الوطني انتعاشا قويا سنة 2021، بوتيرة نمو قدرت ب%7,2 سنة 2021 عوض انخفاض ب%6,3 المسجل سنة 2020. ودون احتساب تأثير الأساس، تعزز النمو الاقتصادي لسنة 2021، بالموسم الفلاحي الجيد وتحسن الوضعية الوبائية وانتعاش الطلب الخارجي والداخلي.
تعزى هذه الدينامية إلى إنتاج فلاحي كبير…
وسيسجل القطاع الأولي نموا قويا ب%17,9 سنة 2021 عوض انخفاض ب %6,9 المسجلة سنة 2020. ويعزى ذلك إلى النتائج الجيدة الذي عرفها الموسم الفلاحي وتلك التي سجلتها أنشطة تربية الماشية والصيد البحري. ومكن التوزيع المجالي والزماني الجيد للتساقطات المطرية خلال هذه السنة، من تحقيق مستوى قياسي لإنتاج الحبوب بلغ 103,2 مليون قنطار، أي بارتفاع ب %221 مقارنة بالموسم الفلاحي الماضي ومن زيادة إنتاج الزراعات الأخرى، خاصة أنشطة زراعة الحوامض (29+%) وأشجار الزيتون (14+%) نتيجة تأثيرات درجات الحرارة المعتدلة نسبيا وإنتاج الزراعات النباتية الجديدة حيث استفادت هذه الأخيرة من التأثير الإيجابي للتساقطات المطرية لشهري أبريل وماي. بالموازاة مع ذلك، ستتعزز أنشطة تربية الماشية بوفرة وتحسن الغطاء النباتي، في حين ستستفيد أنشطة قطاع الصيد البحري من النتائج الجيدة للأنشطة التسويقية لمنتجات الصيد الساحلي والتقليدي، والمنحى التصاعدي للصادرات الوطنية.
ولكن أيضا بطلب داخلي وخارجي متزايد
ستتعزز القيم المضافة لأنشطة الصناعات التحويلية والمعادن بدرجات متباينة، نتيجة تقوية الطلب الأجنبي والآثار الإيجابية للقطاع الفلاحي. وهكذا، مكنت الزيادة في الطلب الأجنبي على مشتقات الفوسفاط واستقرار طلب الصناعات التحويلية المحلية، قطاع المعادن من مواصلة نموه بوتيرة موجبة، قدرت ب %1,3 سنة 2021 عوض %5 سنة 2020. وبخصوص الصناعات الغذائية، فإنها ستستفيد من التأثير الإيجابي للقطاع الفلاحي، لتسجل أنشطتها انتعاشا ب%3,2 سنة 2021. وبالمثل، ستستفيد أنشطة النسيج والجلد من الطلب الخارجي القوي الوارد من الاتحاد الأوروبي على الملابس الجاهزة، لتسجل انتعاشا ب%13,5 سنة 2021، بعد أن عرفت ركودا ب %10,6 سنة 2020.
وستستفيد الصناعات الميكانيكية والمعدنية والكهربائية، من انتعاش قطاع السيارات، نتيجة زيادة الطلب الخارجي الموجه نحو المكونات الإلكترونية والأسلاك الكهربائية، حيث ستسجل أنشطة هذه الصناعات نموا موجبا بحوالي%8,6 سنة 2021. بالإضافة إلى ذلك، ستواصل أنشطة قطاع صناعة الطائرات، تأثرها بالصعوبات المرتبطة بتدابير القيود على التنقل على المستوى العالمي، الشيء الذي سيقلص من مستوى إنتاجها. وبالمثل، ورغم قوة الطلب العالمي على منتجات الأسمدة الكيميائية خاصة الوارد من البرازيل وأمريكا الشمالية وتقلص العرض نتيجة انخفاض صادرات الصين من الأسمدة، ستسجل الصناعات الكيميائية وشبه الكيميائية تحسنا طفيفا ب%1,2 سنة 2021. كما سيستفيد قطاع الطاقة خاصة نتيجة تحسن حجم إنتاج الطاقة الكهربائية من الدينامية الناتجة عن انتعاش العديد من الأنشطة الصناعية، حيث ستسجل أنشطته نموا ب %5,8 سنة 2021.
ومن جهته، سيعرف قطاع البناء والأشغال العمومية انتعاشا قويا ب %10,8 سنة 2021. وسيستفيد هذا القطاع، بالإضافة إلى تأثير الأساس المتعلق بتوقف الأنشطة خلال فترة الحجر الصحي، من دينامية فروع أنشطة البناء، المدعمة بالتحفيزات الجبائية والانخفاض النسبي لأسعار الأصول العقارية، في سياق يعرف ارتفاعا في القروض على السكن.
وستمكن إعادة فتح الحدود تدريجيا وتخفيف القيود الاحترازية على المستوى الوطني من تحسن الطلب على أنشطة القطاع الثالثي، الذي تأثر بشكل كبير بتداعيات الوباء سنة 2020. وهكذا ستعرف القيمة المضافة لقطاع السياحة انتعاشا طفيفا ب%20 ، بعد أن سجلت انخفاضا كبيرا ب %56 سنة 2020. وبالمثل ستسجل أنشطة قطاع التجارة نتائج جيدة خلال سنة 2021، لتبلغ وتيرة نموها%11,3 . كما ستتحسن أنشطة قطاع النقل ب%10,1 ، مدعمة بانتعاش أنشطة النقل السككي والطرقي وبدرجة أقل أنشطة النقل الجوي. غير أن تراجع رواج الموانئ، نتيجة الصعوبات المرتبطة بالاختلالات في سلاسل التموين على المستوى الدولي، ستؤثر بشكل سلبي على أنشطة قطاع النقل البحري.
في ظل هذه الظروف، وبناء على تطور الضرائب والرسوم على المنتجات الصافية من الإعانات ب%6,5 ، سيسجل النمو الاقتصادي الوطني انتعاشا ب%7,2 سنة 2021 عوض تراجع ب%6,3 المسجلة سنة 2020. وسيؤدي الارتفاع الكبير للأسعار العالمية للمواد الأولية، مصحوبا بانتعاش الطلب الداخلي، إلى زيادة المستوى العام للأسعار ليستقر في حدود %1,8 عوض%0,8 المسجلة سنة 2020.
وسيعرف سوق الشغل خلال سنة 2021 تحسنا نسبيا، حيث تم خلق 184 ألف منصب شغل صافي كما تحسن معدل النشاط، بعد المنحى التنازلي الذي عرفه خلال السنوات الأخيرة. في ظل هذه الظروف، سيسجل معدل البطالة على المستوى الوطني زيادة طفيفة ليصل إلى حوالي %12,2 عوض %11,9 المسجل سنة 2020.
انتعاش ملحوظ للطلب الداخلي نتيجة عودة الثقة
سيمكن التقدم المحرز في عملية التلقيح وتحسن الوضعية الصحية وعودة الثقة تدريجيا، إلى انتعاش حجم الطلب الداخلي ب 8%، عوض انخفاض ب 6% سنة 2020، حيث سيساهم في نمو الناتج الداخلي الإجمالي ب8,6 نقط. وهكذا، سيعرف الاستهلاك النهائي الوطني، كمكون رئيسي للطلب الداخلي، ارتفاعا ب%6,1 سنة 2021 ، ليسجل مساهمة في نمو الناتج الداخلي الإجمالي ب4,8 نقط. ويعزى هذا النمو أساسا إلى استهلاك الأسر المقيمة، المدعم بانتعاش مداخيلها وزيادة القروض على السكن وعلى الاستهلاك وكذا بارتفاع المداخيل الواردة من باقي العالم ب %24. وبخصوص الاستثمار الإجمالي، فإن وتيرة نموه ستصل إلى %13,3 سنة 2021، مستفيدا من الاستمارات في أنشطة البناء(+10,8%) وفي القطاع الصناعي (+9%).
وضعية خارجية هشة…
سيؤدي انتعاش الاقتصاد العالمي المدعوم بالتقدم المحرز في عملية التلقيح إلى انتعاش المبادلات التجارية لتبلغ مستويات مماثلة لتلك التي سجلت قبل الأزمة. على الصعيد الوطني، ستتعزز بوادر انتعاش المبادلات الخارجية التي ظهرت بداية سنة 2021 والتي همت جل القطاعات التصديرية، خاصة الفوسفاط ومشتقاته وصناعة السيارات والفلاحة والصناعات الغذائية. وستساهم دينامية الأنشطة الإنتاجية المحلية وانتعاش الطلب الداخلي في ارتفاع ملحوظ للواردات من أنصاف المنتجات وسلع التجهيز ومنتجات الاستهلاك النهائية. وتهم هذه الواردات أساسا واردات السيارات وأجزائها وواردات الأدوية ومنتجات الصيدلة. بالإضافة إلى ذلك، ستؤدي التدابير المتخذة لتسهيل عودة المغاربة المقيمين بالخارج ودخول الوافدين من السياح الأجانب، إلى انتعاش معتدل للمبادلات من الخدمات خاصة خدمات الأسفار والنقل.
وستمكن التأثيرات الإيجابية للأنشطة الفلاحية من تقليص الحاجيات من المنتجات الغذائية، خاصة من الحبوب، الشيء الذي سيساهم في تقليص الفاتورة الغذائية المستوردة. غير أن ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الأولية سيؤثر بشكل متباين على المبادلات، حيث ستستفيد الصادرات الوطنية من منتجات الفوسفاط من هذا الارتفاع في الأسعار العالمية التي بلغت المستوى المسجل سنة 2008، في حين سيؤدي ذلك إلى زيادة ملحوظة في فاتورة الاستيراد خاصة في هذه المرحلة من الانتعاش.
تحسن هذه الوضعية نتيجة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج…
ستؤدي الدينامية التي عرفتها المبادلات من السلع والخدمات سنة 2021 إلى زيادة الواردات (+11,2%) بوتيرة أعلى من معدل نمو الصادرات (+9,5)، الشيء الذي سيفرز تدهورا في عجز الميزان التجاري ليصل إلى 16,2% من الناتج الداخلي الإجمالي ومساهمة سالبة لصافي الطلب الخارجي في نمو الناتج الداخلي الإجمالي ب1,4 نقطة. وبالتالي، تفاقما لعجز الحساب الجاري لميزان الأداءات. وهكذا، ورغم الفائض المسجل في حساب الدخل، فإن الحاجيات التمويلية ستتفاقم لتبلغ %2,5 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2021 عوض%1,8 سنة 2020. ويعكس ذلك هشاشة الوضعية التجارية الخارجية وعدم كفاية الادخار الوطني الذي سيصل إلى%28,7 من الناتج الداخلي الإجمالي مقابل معدل الاستثمار الإجمالي، في حدود %31,3 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2021. وبناء على هذه العجوزات وعلى تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، سيتعزز المستوى الملائم لصافي الموجودات الخارجية سنة 2021، لتيمكن من تغطية 7 أشهر و18 يوما من الواردات.
سياسات الدعم…..
ستتعزز الدينامية التي عرفها الاقتصاد المغربي سنة 2021 بسياسة مالية حذرة تهدف التحكم في تطور العجز، الذي سيواصل خلال هذه السنة تسجيل مستويات عالية ليناهز حوالي%6,5 من الناتج الداخلي الإجمالي. غير أن هذا العجز سيتراجع مقارنة بمستواه المسجل سنة 2020 (%7,6)، خاصة نتيجة الارتفاع القوي لمداخيل الضرائب غير المباشرة، بناء على الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية التي ستستفيد من انتعاش استهلاك الأسر وارتفاع الواردات. وبخصوص الضرائب المباشرة ستعرف مداخيل الضريبة على الشركات تراجعا سنة 2021، متأثرة بانكماش النشاط الاقتصادي سنة 2020، في حين ستتحسن مداخيل الضريبة على الدخل، نتيجة ارتفاع مداخيل الضريبة على الأجور وعلى الأرباح العقارية. غير أن هذه النتائج الجيدة للمداخيل الجبائية سيرافقها استقرار نفقات الاستثمار في مستويات عالية (7 %من الناتج الداخلي الإجمالي) والمنحى التصاعدي لنمو النفقات الجارية (+%8,7)، والتي تعكس ارتفاع نفقات التسيير وزيادة نفقات دعم أسعار الاستهلاك (+%50)، خاصة نتيجة ارتفاع متوسط أسعار غاز البوتان بحوالي 67%.
…بتكلفة عالية
ستضطر الخزينة أمام هذا المستوى من الحاجيات التمويلية لسنة 2021 إلى الاقتراض. غير أن لجوء الخزينة سنة 2020 إلى الأسواق الدولية في مناسبتين سيقلص من هوامش تعبئة تمويلات إضافية من السوق الخارجي، الشيء الذي أدى إلى مراجعة السحوبات الخارجية المبرمجة في القانون المالي لسنة 2021، نحو الانخفاض. في هذا السياق، سيعرف الدين الخارجي للخزينة تراجعا ليصل إلى%17,6 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض%18,3 سنة 2020 غير أنه يبقى مرتفعا بالمقارنة مع المتوسط السنوي%14,2 المسجل خلال الفترة 2012-2019.
وبالمقابل، ستعتمد الخزينة سنة 2021 على المديونية الداخلية، مستفيدة من الظروف التمويلية الملائمة في سوق إصدارات الخزينة. وهكذا، سيناهز الدين الداخلي حوالي 690 مليار درهم، ليمثل حوالي%59,3 من الناتج الداخلي الإجمالي و%77 من الدين الإجمالي للخزينة، حيث سيتراجع هذا الأخير بنقطة واحدة من الناتج الداخلي الإجمالي، منتقلا من %76,4 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2020 إلى%75,4 سنة 2021، غير أنه سيفرز تفاقما حادا ب12 نقطة مقارنة بالمتوسط السنوي%63,4 المسجل خلال الفترة 2012-2019. ومن جهته، سيسجل الدين الخارجي المضمون تطورا معتدلا سنة 2021 ليمثل حوالي%14,9 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض%16,1 سنة 2020، ليرتفع مستوى الدين الخارجي العمومي إلى %32,5 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض %34,4 سنة 2020. في ظل هذه الظروف، سيبلغ معدل الدين العمومي الإجمالي حوالي %90,3 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض %92,5 سنة 2020 و %78,3 كمتوسط سنوي للفترة 2012-2019.
في هذا السياق، ستواصل السياسة النقدية توجهاتها المرنة، عبر استقرار معدل الفائدة الرئيسي في %1,5 منذ نهاية سنة 2020. في ظل هذه الظروف، سيعرف السوق النقدي سنة 2021، تباطؤا في وتيرة نمو الكتلة النقدية لترتفع ب%6,3 ، خاصة نتيجة تراجع معدل النمو لصافي الموجودات الخارجية، التي تعززت بانتعاش تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبتقوية تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وكذا برصد صندوق النقد الدولي ما يعادل10,9 مليار درهم لصالح المغرب في إطار حقوق السحوبات الخصوصية. وسيمكن هذا المستوى من الاحتياطي من العملة الصعبة، مصحوبا بتراجع وتيرة نمو النقود المتداولة، من تقليص عجز السيولة البنكية. كما ستواصل القروض على الاقتصاد والقروض على الإدارة المركزية وتيرة نموها الموجبة، غير أنها ستتباطأ مقارنة بالسنة الماضية. وتعزى الزيادة المرتقبة للقروض البنكية بحوالي %3,1، أساسا، إلى تسارع الحسابات المدينة وتسهيلات الخزينة وانتعاش القروض على السكن والقروض على الاستهلاك. غير أن الصعوبات التمويلية التي واجهها العديد من الفاعلين ستؤدي إلى ارتفاع حصة الديون المعلقة الأداء لتصل إلى حوالي %8 بالنسبة للمقاولات غير المالية للقطاع الخاص و %10 بالنسبة للأسر.
آفاق الاقتصاد الوطني خلال سنة 2022..استمرار انتعاش النشاط الاقتصادي الوطني
ترتكز آفاق النمو الاقتصادي الوطني لسنة 2022 على سيناريو متوسط لإنتاج الحبوب خلال الموسم الفلاحي 2021/2022 وعلى المقتضيات الجديدة المعلنة في القانون المالي لسنة 2022. كما تعتمد هذه التوقعات على تقوية الطلب العالمي الموجه نحو المغرب وانتعاش الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتعزيز مستوى تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج.
غير أن هذه التوقعات تبقى رهينة بالعديد من العوامل المرتبطة بتطور الحالة الوبائية، خاصة في ظل ظهور متحورات جديدة من الفيروس، حيث ستؤثر التدابير الاحترازية لمواجهتها سلبا على منحى العرض والطلب، وبالتالي ستؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي.
وبناء على هذه الفرضيات، سيستمر انتعاش الاقتصاد الوطني سنة 2022، رغم تباطؤ وتيرة نموه بعد الانتعاش القوي المسجل سنة 2021. وبالتالي، سيسجل القطاع الأولي انخفاضا في قيمته المضافة ب%1,6 سنة 2022 مقارنة بارتفاع ب%17,9 خلال السنة الماضية، في حين سيستفيد القطاع غير الفلاحي من تحسن النشاط الاقتصادي لأهم الشركاء التجاريين وتفعيل مخطط الإقلاع الاقتصادي لسنة 2022. وستعرف هذه الأنشطة غير الفلاحية نموا في قيمتها المضافة بوتيرة تناهز حوالي%3,5 سنة 2022 عوض%5,6 المقدرة سنة 2021.
ومن جهته، سيسجل القطاع الثانوي سنة 2022، وتيرة نمو معتدلة في قيمته المضافة ب%3,3 عوض%6,8 سنة 2021، لتناهز تقريبا مستوى المتوسط السنوي %2,7 المسجل خلال الفترة 2014-2019. وتعزى هذه النتائج المتواضعة للقطاع الثانوي إلى تباطؤ وتيرة نمو القيمة المضافة للصناعات التحويلية التي لن تتجاوز %3 خلال سنة 2022. وستسجل الصناعات الغذائية التي ستستفيد من التأثيرات الإيجابية للموسم الفلاحي الجيد خلال سنة 2021، لتسجل نموا طفيفا ب%0,8 سنة 2022. غير أن الصناعات الكيميائية وشبه الكيميائية والصناعات الميكانيكية والكهربائية وأنشطة صناعة النسيج والجلد ستسجل قيمتها المضافة نموا بمعدل يناهز على التوالي %4,9 و%4,6 و%4,1 . وستستفيد هذه الصناعات من تحسن الطلب الخارجي الموجه نحو القطاعات التصديرية. كما ستستفيد من الاستراتيجية الوطنية لتشجيع “المنتوجات ذات الصنع المحلي” ومن الاستثمارات الجديدة المبرمجة خلال سنة 2022. وسيتعزز قطاع البناء والأشغال العمومية بالتحفيزات السياسات العمومية وانتعاش الطلب الداخلي، حيث سيسجل نموا بوتيرة %3,2. ومن جهتها، سترتفع القيمة المضافة لقطاعات المعادن والطاقة على التوالي ب %4,2 و%4,7.
وبخصوص أنشطة القطاع الثالثي، التي ستتحسن ب %3,6، فإنها ستواصل تأثرها بالتداعيات السلبية للوباء. غير أن الخدمات التسويقية ستعرف انتعاشا، خاصة أنشطة السياحة والنقل الجوي، نتيجة إعادة فتح الحدود سنة 2022.
وبناء على هذه التطورات وعلى ارتفاع الضرائب والرسوم الصافية من الإعانات ب %3,9، يتوقع أن يسجل الناتج الداخلي الإجمالي نموا بمعدل %2,9سنة 2022، بعد ارتفاعه المقدر ب %7,2 سنة 2021.
على المستوى الإسمي، سيسجل الناتج الداخلي الإجمالي تباطؤا في معدل نموه ليستقر في حدود %4,7. ويعكس هذا التطور استقرار معدل التضخم، المقاس بالمؤشر الضمني للناتج الداخلي الإجمالي، في حدود%1,8 .
ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للأسر
سيؤثر تباطؤ النمو الاقتصادي سنة 2022 على نمو المداخيل والاستهلاك والادخار. وسيعرف الدخل الوطني الإجمالي تباطؤا في سنة 2022 ليرتفع بحوالي %2,5 . غير أن هذه الوتيرة تبقى دون مستوى المعدل المتوسط ب %4 والمسجل خلال الفترة 2014-2019. وسيعرف حجم الاستهلاك النهائي للأسر زيادة ب%2,8 ، في حين أن قيمته سترتفع ب %4,6، مما يؤكد تراجع القدرة الشرائية للأسر نتيجة المنحى التصاعدي للأسعار التي ستواصل ارتفاعها سنة 2022 بوتيرة%1,8 .
وهكذا، فإن القدرة الشرائية للأسر ستزيد بنسبة 0.7% فقط في عام 2022 ، مما يُظهر انخفاضًا في معدل تقدمها الذي انتقل من متوسط سنوي قدره 2.4% بين عامي 2000 و 2009 إلى 1.1% بين عامي 2010 و 2019. وسيبقى هذا التراجع مصحوبًا بتفاقم الديون الأسرية التي تقدر بأكثر من 34% من الناتج المحلي الإجمالي (حوالي 400 مليار درهم) وبتباطؤ في نمو قروضهم الاستهلاكية التي انخفضت من متوسط سنوي قدره 20.5% إلى 6.6% بين هذه الفترتين وبانخفاض بنسبة 4.1% في عام 2020 مع أزمة كوفيد. وإجمالاً، سترتفع القروض المصرفية بنسبة 3.7% في عام 2022، في ظل تأثير التعافي المستمر المتوقع في الأنشطة الاقتصادية والأثر المتوقع لبرامج الدعم للأسر والشركات.
وبناء على الارتفاع المرتقب لاستهلاك الإدارات العمومية بحوالي %2,7، سيسجل الاستهلاك النهائي الوطني زيادة ب%2,8 ، ليساهم ب2,2 نقط في النمو الاقتصادي سنة 2022 عوض 4,8 نقط سنة 2021.
ومن جهته، سيعرف الاستثمار الإجمالي ارتفاعا ب%5,3 ، لتستقر مساهمته في النمو في حدود1,6 عوض مساهمة قدرت ب3,8 نقط سنة 2021. وإجمالا، سيعرف حجم الطلب الداخلي زيادة ب 3,5 % عوض%8 سنة 2021، لتستقر مساهمته في نمو الاقتصاد الوطني في حدود3,8 نقط عوض8,6 نقط سنة 2021. في هذا السياق، سيسجل الادخار الوطني تراجعا في وتيرة نموه لتستقر سنة 2022 في حدود %3,3، حيث سيمثل حوالي%28,4 من الناتج الداخلي الإجمالي، غير أنه يبقى دون مستوى معدل الاستثمار الإجمالي، الذي سيبلغ حوالي %32 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2022. وهكذا، ستفرز هذه الوضعية تفاقما في عجز تمويل الاقتصاد ليستقر في حدود %3,6 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض %2,5 سنة 2021.
من ناحية أخرى، سيستمر الاقتصاد الوطني من الاستفادة من المستوى المرضي للاحتياطي من العملة الصعبة. وبالتالي، ستستقر حصة صافي الموجودات الأجنبية من الكتلة النقدية لتبلغ ما يناهز%19,9 عوض%20,7 سنة 2021، لتتمكن من تغطية حوالي 6 أشهر و27 يوما من واردات السلع والخدمات سنة 2022. في ضوء المستوى المتوقع للنمو الاقتصادي والمستوى العام للأسعار، يرتقب أن تسجل الكتلة النقدية ارتفاعا ب%5,1 سنة 2022 عوض زيادة ب%6,3 سنة 2021 و %8,4 سنة 2020.
مزيد من التدهور في عجز الحساب الجاري
إن عجز تمويل الاقتصاد، والذي يعكس أيضًا نتيجة الحساب الجاري لميزان المدفوعات، يبين العجز الهيكلي في التجارة الخارجية لبلادنا. وهكذا، سيتفاقم عجز الميزان التجاري بحوالي نقطة واحدة مقارنة بسنة 2021، ليصل إلى%17,6 من الناتج الداخلي الإجمالي. وبناء على التطورات الصافية للمبادلات من الخدمات، سيتفاقم عجز الموارد ب 0,4 نقطة مقارنة بسنة 2021 ليصل إلى -11,3% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2022. وتعزى هذه النتيجة إلى زيادة الواردات من السلع ب%10,1 و نمو الصادرات ب %10,7. وبالحجم، ستعزز الصادرات الوطنية من وتيرة نموها نتيجة دينامية المهن العالمية لترتفع ب %7,2 عوض %9,5 سنة 2021. ومن جهتها، ستسجل الواردات زيادة ب %7,8 عوض سنة 2021. وهكذا، سيفرز صافي الطلب الخارجي مساهمة سالبة في النمو الاقتصادي ب 0,9 نقطة سنة 2022.
سياسة عمومية لتلبية الحاجيات العاجلة للإقلاع الاقتصادي والتماسك الاجتماعي…
ستواصل السياسة المالية خلال سنة 2022، دعمها للاقتصاد الوطني، بالموازاة مع استقرار عجز الميزانية في حدود %6,1 من الناتج الداخلي الإجمالي. وتندرج هذه التوجهات في الرفع من نفقات الاستثمارات إلى حوالي %7,2 من الناتج الداخلي الإجمالي مصحوبا بصعوبة تقليص النفقات الجارية التي ستواصل منحاها التصاعدي لتمثل حوالي%21,7 من الناتج الداخلي الإجمالي. وتعزى هذه الزيادة إلى ارتفاع نفقات كتلة الأجور إلى%12,1 من الناتج الداخلي الإجمالي ونفقات السلع والخدمات الأخرى (%5,6 من الناتج الداخلي الإجمالي). وبناء على فرضية مواصلة ارتفاع متوسط أسعار غاز البوتان، ستستقر نفقات دعم أسعار الاستهلاك في حدود%1,6 من الناتج الداخلي الإجمالي.
غير أن الرصيد الجاري سيعرف انتعاشا سنة 2022، نتيجة مواصلة ارتفاع المداخيل الجبائية (%18,5 من الناتج الداخلي الإجمالي) بناء على تحسن النشاط الاقتصادي. كما ستتعزز هذه الآفاق بإحداث بعض الرسوم والضرائب وبالرفع من الضريبة الداخلية على الاستهلاك ومن الرسوم على الواردات المطبقة على بعض المنتجات. أما بالنسبة للضريبة على الشركات، فإنها ستستعيد وتيرة نموها التي عرفتها قبل الأزمة، نتيجة تحسن أرباح المقاولات سنة 2021. وبالمثل، ستستفيد الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة من الزيادة المتوقعة للطلب.
ولتلبية احتياجاتها التمويلية، ستلجأ الخزينة العامة إلى القروض المحلية والأجنبية. في هذا السياق، تشير التوقعات لعام 2022 إلى أن معدل الدين للخزينة سيرتفع إلى حوالي %78,5 من الناتج الداخلي الإجمالي، منها %60 من الناتج الداخلي الإجمالي بالنسبة للدين الداخلي و%18,5 بالنسبة للدين الخارجي. وقد كشفت تداعيات أزمة كوفيد-19 أيضًا عن ضعف المالية العامة أمام الصدمات الخارجية وإمكانية خلق حيز مالي. وفي ظل استقرار الدين الخارجي المضمون في حدود%14,7 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2022، فإن الدين العمومي الإجمالي سيصل إلى%93,2 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2022 عوض %90,3 سنة 2021.
وختاما، ستعرف سنة 2021 انتعاشا قويا في النمو الاقتصادي الوطني، مدعومة بالنتائج الجيدة للقطاع الفلاحي وبسياسة مالية ذكية مصحوبة باستراتيجية التدبير الصحي التي تعد مصدرا للتحكم الملحوظ في تداعيات وباء كوفيد-19.
وستكون سنة 2022، سنة التحدي والاختبار العملي للنموذج التنموي الجديد في المملكة المغربية. فعلى المستوى المؤسساتي، وبعد انتخابات شتنبر 2021 وما حملته من مناقشات ووفرة العروض الانتخابية، ظهرت أغلبية مهيمنة إلى حد كبير سواء في البرلمان أو من خلال الرأي العام وتشكيل حكومة يستند برنامجها على اختيارات وأهداف هذا النموذج الجديد. وفي ظل هذه الظروف، يجب أن يشهد هذا العام ديناميكية جديدة للإصلاحات الهيكلية، والتي أصبحت اليوم ضرورية أكثر من أي وقت مضى، حتى تحقق بلادنا مستوى نمو اقتصادي على المدى الطويل وظروف معيشية لسكانها في انسجام تام مع المبتغيات النهائية التي تحق لها بحلول عام 2035.