القمة الأوروبية-الافريقية…الشراكة النموذجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي نموذج يحتذى به
الدار- ترجمات
أكدت الصحيفة البلجيكية ” EU Reporter” أن ” انعقاد القمة السادسة للاتحاد الأوروبي-الاتحاد الأفريقي يومي 17 و 18 فبراير الجاري، ببروكسيل، يطغى عليه طموح مشترك لـ “تجديد” شراكة عمرها أكثر من عقدين من الزمن”، مشيرة الى أن ” المغرب بفضل رؤية الملك محمد السادس يمكنه أن يلعب دورا بارزا في هذه الشراكة الأوربية- الافريقية”.
وذكرت الصحيفة بخطاب سابق لجلالة الملك محمد السادس، الذي أكد فيه بأن ” الاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي […] على نفس القدر من الأهمية لبعضهما البعض. متساويان أمام التحديات، وهما بنفس القدر أمام الفرص والمسؤوليات”.
وأشارت الصحيفة في هذا الصدد، الى أن ” العلاقة بين الاتحاد الأوربي- والاتحاد الافريقي استمرت في التطور، مستفيدة من التغيرات التي تعرفها القارة الافريقية التي أصبحت مفترق طرق للفرص، مما يجعل من الضروري إعادة صياغة الشراكة بين القارتين”.
التزام ملكي قوي بدعم الشراكة بين أوربا وافريقيا
واعتبرت ذات الصحيفة أن ” المغرب من بين أكثر البلدان التزاما بتطوير وتعزيز العلاقات بين القارتين الأوربية و الافريقية، حيث توجد المملكة المغربية في مفترق طرق بشكل سيعود بالنفع على مسارات الشراكة بين الاتحاد الأوربي والاتحاد الافريقي، كما أن النموذج المغربي متعدد الأوجه في القارة الافريقية، يعتبر نموذجًا مبتكرًا وعمليًا يمكن من بناء الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي على أساسه بشكل مفيد، فضلا عن المغرب يجر وراءه 50 عاما من الشراكة والحوار مع الاتحاد الأوربي، وكلها عوامل وجب الاستفادة منها لتعزيز الشراكة بين القارة الأوربية و الافريقية”.
وأبرزت الصحيفة البلجيكية أن ” قمة أبيدجان هي الركيزة الأساسية لاستراتيجية الشراكة الجديدة بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا، حيث نهجت الدول الافريقية المشاركة في هذه القمة، بقيادة المغرب، نهجا عمليا يؤمن بأن الشراكة يجب أن تتجاوز الاجتماعات والإعلانات السياسية لتصبح أكثر انخراطًا في إجراءات ملموسة وملموسة تلبي توقعات المواطنين، في أفق إقامة فضاء أوروبي أفريقي يسوده السلام والاستقرار والازدهار المشترك”، مضيفة أن ” المغرب بهذه الروح، أيد في الاجتماع الوزاري في كيغالي بروندا المنعقد في أكتوبر 2021، الاقتراح الرواندي بإنشاء لجنة وزارية لمراقبة تنفيذ الالتزامات المنبثقة عن قمة أبيدجان”.
منذ أكثر من عشر سنوات، حدد المغرب، في ظل حكم الملك محمد السادس، هدفا يكمن في انتاج 42٪ من الكهرباء في البلاد من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2020، و 52٪ بحلول عام 2030، كما أن إطلاق المملكة لـ “شراكة خضراء” مع الاتحاد الأوروبي، في 28 يونيو 2021، هو خير مثال على التزام المغرب بهذا الخصوص”.
في هذا الصدد، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يدعم تعزيز قدرة المغرب في مجال الطاقة من خلال إنشاء محاور إقليمية في هذا المجال؛ على شاكلة “مركز الكهرباء الإقليمي” في إفريقيا، مستوحى من شبكة “نورد بول” الموجودة في شمال أوروبا، كما يمكن للاتحاد الأوربي أن يزاوج بين خبرة أوروبا والمغرب في مجال الطاقة المتجددة لتسريع كهربة المناطق القروية في أفريقيا.
كما أن التطور المستمر للإطار التنظيمي والمعياري الأوروبي المتعلق بقطاع الأغذية الزراعية، يجعل من المفيد إنشاء منصة للتبادل والتشاور بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا، ومن المرجح أن تصاحب هذا التطور على المستوى الأفريقي. وعلاوة على ذلك، فإن تجربة المغرب في تطوير الزراعة ومصايد الأسماك المستدامة تهم العديد من البلدان الأفريقية. في الواقع، استفاد الكثير منهم من خبرة المغرب، لا سيما فيما يتعلق بدعم القطاعات المدرجة في إطار التعاون مع الاتحاد الأوروبي، و هناك إمكانية لتقديم الخبرات في خدمة الشراكة الثلاثية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب وإفريقيا.
علاوة على ذلك، فإن المشاريع المشتركة التي أبرمتها مجموعة “المكتب الشريف للفوسفاط” في نيجيريا، وإثيوبيا تشكل إمكانية للتكامل الرأسي والأفقي في هذا القطاع، كما أن ” مخطط المغرب الأخضر، مكن المغرب من تطوير منطق التجميع والتكامل الفلاحي والصناعي، مما أدى إلى نتائج إيجابية ويمكن أن يكون بمثابة نموذج يحتذى.
وعلى نفس المنوال، اقترح المغرب مبادرة لتكييف الزراعة الأفريقية (AAA) في قمة المناخ بمراكش “كوب22″، والتي تم تبنيها على المستوى القاري. أعلن الملك محمد السادس عن هذه المبادرة في افتتاح “قمة العمل الأفريقي” لعام 2016، المنعقدة في مراكش على هامش الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف.
النهج الصناعي المشترك
يعد النموذج التنموي الجديد بالمغرب خطوة كبيرة. لقد أوجد مشروعًا فيدراليًا مغربيًا أصيلًا، يقوم على نهج تشاركي وشامل. المغرب والاتحاد الأوروبي لديهما القدرة على العمل يدا بيد في القضايا الاستراتيجية مثل النقل الصناعي والإنتاج المشترك. لا ينبغي تقييد مصلحة أوروبا في سياق سياستها الخاصة بإعادة التوطين الصناعي، والتي هي قيد التطوير حاليًا، في نطاقها، خصوصا أن جائحة كوفييد19 كشفت عن نقاط ضعف تتطلب من أوروبا إعادة التفكير في إستراتيجيتها للإنتاج الصناعي.
في هذا السياق، ستستفيد أوروبا من إشراك الشركاء الأفارقة. ومن جديد، فان تجربة المغرب مع العديد من المجموعات الأوروبية في الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة (السيارات، والفضاء، والكابلات ، إلخ ..)، هي رأس مال يجب تثمينه والاستفادة من تجربته.
في 27 يناير الماضي، أطلق المغرب وحدة صناعية جديدة تسمى “سينسيو فارماتك” ببنسليمان، باستثمار يصل الى 500 مليون يورو. هذا المرفق الصناعي الجديد الذي سيتم إنشاؤه بتعاون مع العملاق الأوروبي RECIPHARM، سيسمح بتطوير وتصنيع وتسويق المنتجات الصيدلانية ذات الضرورة القصوى، بما في ذلك اللقاحات، حيث سينتج المصنع الجديد، الذي تم إطلاقه رسميًا تحت رعاية الملك محمد السادس، ما يصل إلى ملياري جرعة من اللقاحات بحلول عام 2025. انشاء هذا المصنع في المغرب يعني ميلاد مركز ابتكار صيدلاني حيوي أفريقي عند بوابة أوروبا، وهو ما ستجني منه افريقيا و أوربا فوائد كبيرة، من حيث المساهمة في الصحة والسيادة اللقاحية.
الشباب ليسوا مشكلة بل حل
يجب أن يسير الاستثمار في القطاعات الرئيسية جنبًا إلى جنب مع الاستثمار في تعليم الشباب وتكوينهم، لتعزيز قابلية التوظيف، ودعم ريادة الأعمال، ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ان أفريقيا موطن أكثر من مليار شخص – معظمهم من الشباب، تحتاج إلى استثمارات في الشباب، و يمكن أن تكون الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي رافعة في هذا الصدد، من أجل المنفعة المتبادلة.
في هذا الصدد، لا يمكن لأفريقيا والاتحاد الأوروبي الاستغناء عن معالجة شاملة، مع مراعاة موضوعات التنقل والتعليم والتكوين والتوظيف. و مع دخول ما يقرب من 30 مليون أفريقي إلى سوق العمل كل عام، يجب على الأفارقة والأوروبيون، التفكير معًا في كيفية خلق الفرص لصالح القارتين.
كما أن الأمر متروك لأوروبا، التي تستفيد أحيانًا من “هجرة الأدمغة الأفريقية”، للقيام باستثمارات ملموسة لدعم البلدان الأفريقية فيما يتعلق بالتعليم، ولا سيما من خلال البرامج الأفريقية والاعتراف بالشهادات في أوروبا. وهنا تعتبر قضية تنقل الطلاب والباحثين قضية مهمة. يمكن أن تكون التجربة الفريدة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في مجال تكوين الطلاب الأفارقة أساسًا ممتازًا يتضاعف في المستقبل. تم إطلاق “الشراكة من أجل جذب المواهب” من قبل الاتحاد الأوروبي في عام 2021، وهي أيضًا جزء من إنشاء طرق دخول آمنة ومنتظمة ومنظمة.
الهجرة… رؤية المغرب هي المنطلق
فيما يتعلق بقضية الهجرة، حان الوقت لأن تنخرط القارتان في حوار واقعي ومتضافر، ليس فقط للتغلب على سوء الفهم، ولكن أيضًا لبناء شراكة هجرة تحمي المهاجرين، تصب في مصلحة الجميع. في عام 2050، سيبلغ عدد سكان إفريقيا ملياري ونصف المليار نسمة. على هذا النطاق، لا معنى للحواجز والجدران. يجب مراعاة الحاجة الطبيعية للتنقل.
وفي هذا الصدد، قال جلالة الملك محمد السادس، في رسالة إلى المؤتمر الحكومي الدولي من أجل المصادقة على الاتفاق العالمي حول الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، الذي احتضنته أشغاله مدينة مراكش أيام 10 و11 دجنبر 2018، ان ” أن مسألة الهجرة ليست – ولا ينبغي أن تصبح – مسألة أمنية. فإذا قامت على العقاب والقمع، فلن يكون لها أي تأثير رادع. بل سـتودي إلى نتيجة عكسية، حيث ستغير مسارات حركات الهجرة، ولكنها لن توقفها”.
هذا يذكرنا بأنه لا يمكن تحقيق أي كفاءة دون تقاسم المسؤوليات بين أوروبا وأفريقيا! بدون تقاسم الأعباء، فإن جميع السياسات الضيقة أو المجزأة محكوم عليها بعدم الفعالية. ويصدق هذا بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بمنع وتفكيك شبكات التهريب، التي تمتلك في الغالب موارد هائلة، وفي بعض الأحيان تقنيات متطورة والذين يستغلون الضعف البشري دائمًا.
يجب أيضًا التغلب على الصور النمطية عن الهجرة الأفريقية من خلال الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. ما يصل إلى 80 ٪ من جميع المهاجرين من البلدان الأفريقية ينتقلون داخل القارة الأفريقية. علاوة على ذلك، تستضيف البلدان الأفريقية نسبة كبيرة من إجمالي عدد اللاجئين والمشردين داخليًا في العالم، ومن المرجح أن تؤدي أزمة فيروس كورونا المستجد “كوفييد19” إلى تفاقم هذه الظاهرة.
فيما يتعلق بالهجرة القانونية، من المهم لأوروبا أن تبدأ بالتفكير في الهجرة الدائرية والموسمية. وبنفس الطريقة، يجب أن يعمل الاتحاد الأوروبي مع إفريقيا لمنع الأسباب الجذرية للهجرة. إن إفريقيا، تماشياً مع “ميثاق مراكش”، في وضع يسمح لها بدعوة الاتحاد الأوروبي لتقليل أو حتى إزالة التكاليف الهائلة للتحويلات المالية من الأفارقة الذين يعيشون في أوروبا، والتي تصل أحيانًا إلى 10٪، أو عدة مليارات من الدولارات في العام، من الأرباح المفقودة للاقتصادات الأفريقية.
القمة السادسة الأوربية- الافريقية ورهان تلبية الطموح المعلن
الرؤية والأهداف لا تحظى بفرصة في حالة فقدان الوسائل المناسبة. ولكن كيف يمكن أن يكون الاتحاد الأوروبي أكثر فاعلية دون الوقوع في فخ المتبرع والمتلقي؟
يقدر البنك الافريقي للتنمية، أن الحكومات الأفريقية ستحتاج إلى حوالي 484 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة لمعالجة الأثر الاجتماعي والاقتصادي لجائحة “كوفييد19″، ودعم الانتعاش الاقتصادي لدى الاتحاد الأوروبي فرصة حقيقية لتعزيز دوره كشريك رئيسي لأفريقيا في سياق يتسم بالمشاركة المتزايدة للقوى الكبرى.
وفي هذا الصدد، يمكن للخبرة التي اكتسبها المغرب أن تكون بمثابة منصة نموذجية للشراكة بين أوروبا وأفريقيا بأكملها. من خلال ترسيخه كقطب إقليمي، يمكن للاتحاد الأوروبي تطوير استراتيجية أفريقية تتماشى بشكل أكبر مع الواقع على الأرض، بالاعتماد على الخبرة المعترف بها للشركات والبنوك المغربية في إفريقيا، و لدى الاتحاد الأوروبي فرصة تاريخية لوضع خطة عمل طموحة تتجاوز اعلانات النوايا، من خلال اقتراح مشاريع ومبادرات منظمة لأفريقيا.
لقد حان الوقت للاتحاد الأوروبي وأفريقيا لبناء أوجه تكامل فعالة بين المبادرات التي تروج لها الدول الأعضاء. إن الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، في بعدها الإقليمي، هي بلا شك نموذج، و ربما تكون أحد أكثر التفاعلات الأوروبية – الأفريقية تقدمًا ونجاحًا.
ان الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا ليست ترفا، بل استجابة ضرورية. المصير المشترك للاتحاد الأوروبي وأفريقيا هو واقع يومي، خاصة في السياق الحالي لجائحة “كوفييد19″”، و أحيانًا يكون للأزمات ميزة تسريع العمليات التي كان من الممكن أن تستغرق وقتًا أطول حتى تتحقق.
سيكون التحدي الذي تواجهه القمة السادسة للاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي هو تحديد خارطة طريق مشتركة وعملية قابلة للتنفيذ، تحدد في جدول زمني دقيق، والإجراءات التي سيتم اتخاذها على المديين القصير والمتوسط. وستكون القمة أيضًا فرصة نادرة لإعطاء دفعة جديدة للشراكة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي على أعلى مستوى.