الدين والحياةسلايدر

سلسلة قراءات رمضانية..التحديات المجتمعية المركبة أمام الشباب المغاربة في إيطاليا

منتصر حمادة

كتاب اليوم مخصص للتوقف عند الإكراهات التي تواجه الجالية المغربية المقيمة في إيطاليا، وبالتحديد الإكراهات التي تواجه الشباب والمراهقين والأطفال المغاربة هناك، والحديث عن كتاب يحمل عنوان “الشباب المغاربة في إيطاليا: الواقع والتحديات”، وجاء في 185 صفحة، وصدر عن منشورات “ملتقى الطرق”، وهو عمل جماعي شاركت في إنجازه الأسماء التالية: جوفاني موتورا، عالم اجتماع إيطالي، حامد بشري، كاتب وعضو مجلس الجالية المغربية بالخارج، يقيم في إيطاليا، فرانشيسكو كاركيدي، عالم اجتماع إيطالي، بييترو ديمورطاس، متخصص في مناهج البحث في العلوم الاجتماعية.


جاء العمل الذي أنجزه مجلس الجالية المغربية بالخارج موزعاً على تقديم وثمانية فصول جاءت عناوينها كالتالي: بعض المظاهر البنيوية للجالية المغربية في إيطاليا؛ الطلبة المغاربة في مختلف أسلاك الدراسة: المعطيات الرسمية والنقاط الحساسة المرصودة؛ الشباب المغاربة العاملون: المعطيات الرسمية والمشاكل المرصودة؛ القاصرون غير المرافقين، الخصائص والمسارات؛ القاصرون في وضعية صعبة؛ الشباب المغاربة وأنواع التنظيمات الجمعوية، وأخيراً، فصل الخلاصات والتوصيات.
نقرأ في الأرضية النظرية للعمل، أن الكتاب يندرج ضمن تيار بحثي يحتل موقعاً متميزاً في الأدبيات السوسيولوجية والأنتربولوجية التي تهتم بحركات الهجرة. يتعلق الأمر بذلك التيار الذي يدرس الشباب المهاجرين الذين تشكل تجاربهم – على جانبي مسار هجرتهم – تداعيات مختلفة بشكل كبير مقارنة بتجارب المهاجرين البالغين المنتمين للجيل الأول. وفي إطار المشهد العام للبحوث والدراسات الإيطالية، فإن هذا التيار يظل في الواقع، إلى حدود العشر سنوات الأخيرة تقريبا، تياراً غير ممثل بالشكل المطلوب، وفي الأساس تیاراً هامشياً.
كما شهدت السنوات القليلة الماضية اهتماماً متزايداً ونقاشاً عميقاً حول هذا الموضوع بدافع من التطور المضطرد للهجرة نفسها إلى إيطاليا، وبالنظر إلى تجذرها على أرض الواقع وبشكل سريع، بوصفها صيرورة وعنصراً هيكلياً للمجتمع الإيطالي سواء من الناحية الديموغرافية أو من الناحية السوسيولوجية والاقتصادية، وبالتالي بوصفها أرضية وعاملاً للتفاعلات المتبادلة وللتغيير الثقافي. وخلال عملية الانتقال هذه إلى المرحلة التي تعرف سوسيولوجيا بمرحلة نضج الهجرة، فإن حضور الشباب في مختلف تجلياته أصبح يتبوؤ موقعاً مميزاً ضمن الدراسات والأبحاث الاجتماعية، وأيضاً ضمن قطاعات التدخل المعنية به، باعتباره أحد المؤشرات الدالة على درجة ومستوى الاندماج بالمجتمع الذي يحتضن مختلف المكونات المهاجرة.
في تقديم الكتاب، اعتبر عبد الله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، أن مسألة تجذر الساكنة الأوربية ذات الأصول والثقافة الإسلامية تثير إشكاليات لم نعهدها من قبل، ولمقاربة هذه الإشكالية نظم المجلس ثلاث ندوات دولية: الأولى بمدينة فاس تحت عنوان «الوضع القانوني للإسلام في أوربا»؛ والثانية بمدينة الدار البيضاء تحت عنوان «الإسلام في أوربا: أي نموذج؟»؛ أما الندوة الثالثة فنظمت بمدينة ستراسبورغ بشراكة مع مجلس أوربا وكان موضوعها «الإسلام في أوربا: تكوين الأطر والتربية الدينية وتدريس الظواهر الدينية».
ويضيف بوصوف أنه من بين الأمور التي أكدتها هذه الدراسة، هو أن الجالية المغربية تبقى الأولى من حيث العدد مقارنة مع الجاليات الأخرى القادمة من خارج الاتحاد الأوربي، حيث يصل معدل الشباب المغربي في إيطاليا إلى 43 % من مجموع المهاجرين في وضعية قانونية من خارج الاتحاد، معتبراً أن هذا البحث يُمكننا من تحيين معرفتنا بخصوص بعض الجوانب المهمة من حياة وخصوصيات وتجارب اندماج الشباب المغاربة في إيطاليا. ويُمكننا من تقديم توصيات بشأن المبادرات التي يمكن للسلطات المغربية أن تقوم بها لتكون بمثابة إجابات لبعض المشاكل الناتجة عن ظروف المهاجرين في إيطاليا، وهي توصيات مرتبطة بتطوير التبادل المثمر بين السلطات المغربية ونظيرتها الإيطالية، تخص مجال العمل والدراسة والمجال الديني ووسائل الإدماج والتفكير المشترك في هذا السياق مع المؤسسات المعنية.
مضامين الكتاب تتقاطع من نتائج دراسة أنجزتها المؤسسة نفسها، واستندت إلى عينة من 1433 شاباً مغربياً تتراوح أعمارهم ما بين 18 و35 سنة، يقيمون في الدول الأوربية الست الرئيسية للهجرة المغربية (فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وألمانيا)، تعميق فهم آراء وتطلعات شباب الجالية المغربية وما يواجهونه من تحديات وما هو متاح لهم من فرص.
فمثلاً، وبخصوص الشباب المغاربة الذين يجدون صعوبة في العثور على عمل، يشكل الوصول إلى مسؤوليات جديدة (55 في المائة)، والعلاقات مع الزبناء (41 في المائة) أكبر الصعوبات التي أبرزتها العينة المشمولة بالدارسة، حيث أظهرت المؤشرات الرئيسية أن العديد من الشباب المغاربة المقيمين بإيطاليا يواجهون صعوبات في الحصول على قرض بنكي (بنسبة 65 في المائة)، وإيجاد سكن (63 في المائة)، والحصول على عمل (57 في المائة). كما كشف الاستطلاع أن غالبية الشباب المغاربة المقيمين بألمانيا يجدون صعوبة بالغة في العثور على السكن بنسبة 69 بالمائة، أو الحصول على العمل (60 بالمائة)، أو ممارسة الشعائر الدينية (58 بالمائة)، والأمر نفسه تقريباً فيما يتعلق بالشباب المغربي المقيم بفرنسا، حيث تشير الدراسة إلى أن غالبية هذه الفئة تواجه صعوبات في العثور على عمل (67 في المائة)، أو على سكن (63 في المائة).
فيما يتعلق بالتمييز في مجال العمل مثلاً، أظهر الاستطلاع أن العلاقة مع الزبناء (بنسبة 54 في المائة) وصعوبة تقلد مسؤوليات جديدة (بنسبة 45 في المائة) تشكلان العائقين الرئيسيين في الحياة المهنية للشباب المغاربة بالمهجر. وبحسب الكتاب، تعد ظروف العمل (بنسبة 31 في المائة)، وكذا معدل الأجور بنسبة (30 في المائة) مجالين للتمييز ضد المغاربة القاطنين بالخارج.
سلّط الكتاب أعلاه الضوء على مجموعة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، ويمكن تقسيمها بشكل مختصر إلى ثلاثة أصناف كبرى: المشاكل ذات الصبغة الاجتماعية والمساعداتية، التي يتعرض لها بالأساس القاصرون الذين يصلون إلى إيطاليا بمفردهم، ومن دون مرافقة أقارب بالغين؛ المشاكل المتعلقة بالتمدرس والتشغيل والتي تمس الشباب العاملين وكذلك الطلبة؛ وأخيراً المشاكل ذات الصبغة الوجودية، وخاصة المشاكل الثقافية والدينية.
من بين خلاصات الدراسة، نقرأ أنه بالنظر لوجودها فوق التراب الإيطالي منذ مدة طويلة، فإن الجالية المغربية تمثل اليوم واقعاً اجتماعياً معقداً ينقسم داخلياً إلى عدة مستويات: اجتماعية وديموغرافية، اقتصادية وتشغيلية ثقافية ودينية. وعلى كل مستوى من هذه المستويات؛ كما أن الجالية المغربية، وبناء على القدرات التي استطاعت تطويرها مع مرور الزمن، تمكنت من ربط علاقات حوار وتفاوض مع المؤسسات الإيطالية أخذاً بعين الاعتبار وبشكل إيجابي المصالح المتبادلة، وذلك في انسجام مع توجهات ومصالح طبقات ومكونات المجتمع الإيطالي المختلفة.
ومن بين توصيات الدراسة، نورد مثلاً: مساعدة الشباب المغاربة الذين يعبرون عن رغبتهم في استكمال دراستهم حتى بعد مرحلة المدرسة الإجبارية، والذين ينتمون لأسر ذات الدخل المحدود، وذلك عبر خلق منح دراسية خاصة؛ مساعدة الشباب المغاربة الذين يضطرون لأسباب مختلفة للانقطاع عن الدراسة بالمدارس الإيطالية العادية، والذين يسجلون أنفسهم بعد ذلك في مراكز التكوين المهني، وذلك بهدف دعم ميولاتهم لمتابعة الدراسة في المسالك التي وقع عليها اختيارهم.
من بين التوصيات أيضاً، تفعيل توأمات بين المدارس الإيطالية والمدارس المغربية تنخرط فيها بشكل خاص المدارس الإيطالية المتواجدة بالمدن والبلدات التي تشهد حضوراً كثيفاً لأفراد الجالية المغربية؛ تفعيل أشكال مختلفة من التوأمة بين الجامعات والتبادل والتعاون بين الأساتذة والباحثين عبر خلق دراسات وبرامج بحث حول القضايا المتعلقة بالمواضيع التي تم تسليط الضوء عليها في هذه الدراسة. كما يمكن إنجاز رسائل جامعية وأطروحات جامعية تتضمن تحاليل مقارنة يتم القيام بها في كل من إيطاليا والمغرب.
وكمثال على ذلك يمكن تحضير رسائل وأطروحات جامعية حول مواضيع تتعلق بالسياسات الاجتماعية، من قبيل القضايا الاجتماعية الشائكة من قبيل القاصرين غير المرافقين، الأمهات اللوات يعشن بمفردهن وبرفقة أطفالهن، التعاطي المخدرات، دعارة الشباب إلى غير ذلك من القضايا.

زر الذهاب إلى الأعلى