إسلاميات.. معالم الإسلاموية في إفريقيا جنوب الصحراء (1/2)
منتصر حمادة
نروم في هذه المقالة (والموزعة على حلقتين) التوقف عند معالم الإسلاموية في إفريقيا جنوب الصحراء، ونخص بالذكر الدول التالية: النيجر، بوركينا فاسو والسنغال، بما يتطلب بداية التدقيق في طبيعة هذه الإسلاموية من جهة، لأن الأمر لا يهم تياراً إسلامياً واحداً وحسب، كما يتطلب الأمر من جهة ثانية، التذكير بمعطى تاريخي سابق يُذكر ببعض أسباب هذه التحولات في أنماط التديّن، تلك التي تمر منها المنطقة، ومعها المنطقة العربية، بل إن الإسلاموية نعاينها اليوم حتى في الساحة الأوروبية (من إخوان وسلفية، وتشيع..)، فالأحرى في المنطقة العربية ودول إفريقيا جنوب الصحراء.
ــ في التدقيق الأول الخاص بمعالم الإسلامويات، يجب التذكير أننا إزاء أنماط “شاذة ثقافياً” لم تكن موجودة من قبل في المنطقة، لأن التديّن السائد منذ قرون فيها، لا يخرج عن التديّن السني التقليدي، في شقه الصوفي على الخصوص، لأن دخول الإسلام إلى هذه المناطق جرى عبر عدة محطات، أهمها التجارة، ولم يكن التجار حينها يعرفون ما يُسمى اليوم الإسلاموية أو الإسلام السياسي أو شيء من هذا القبيل، يما يُحيلنا على الشق الثاني الخاص بالتدقيق، أي معالم التديّن الإسلامي قبل ظهور الإسلاموية. [سوف نقتصر هنا بالتحديد على الإسلاموية السياسية، أو المحسوبة على المرجعية الإخوانية، ونترك جانباً الإسلاموية السلفية والجهادية والتيار الشيعي، فهذه ملفات مؤرقة هي أخرى، كانت دول وشعوب المنطقة في غِنى عنها].
ــ يجب التذكير بأن تأسيس الإسلاموية جرى ابتداءً من سنة 1928 في مصر، أربع سنوات بعد سقوط الخلافة العثمانية، مع مشروع “الإخوان المسلمين” والذي سوف يُفرز جماعات لا حصر لها في مصر والمنطقة وحتى في الخارج، والحال أن دخول الإسلام إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء يعود إلى قرون مضت قبل تأسيس الإسلاموية التي تزايد علينا في الدين والهوية والسياسة.
فمثلاً، مع حالة السنغال، دخل الإسلام هناك منذ القرن الحادي عشر، وكان طيلة قرون تديناً صوفياً بالدرجة الأولى، ومُجسّدٌ اليوم على الخصوص في طريقتين أو زاويتين: التيجانية والمريدية، وبدرجة أقل الطريقة القادرية، لكن جرت تحولات أفضت إلى ظهور الإسلاموية والشيعة وحتى الأحمدية.
بعد هذا التدقيق، نتوقف في حلقة اليوم عند معالم الإسلاموية الإخوانية في بوركينا فاسو والنيجر، قبل التوقف في حلقة يوم الغد بحول الله عند الإسلاموية الإخوانية في السنغال، مع التذكير أيضاً بأن العمل الصوفي والمُجسد في الحضور الوازن للطرق الصوفية، بقي أهم حصن ديني ــ ثقافي ــ اجتماعي في سياق مقاومة مُجمل هذه الحركات والجماعات الإسلامية.
إسلاموية بوركينا فاسو: سقف الجمعيات الخيرية
لا يتجاوز أداء المشروع الإخواني في بوركينا فاسو سقف الجمعيات الخيرية، رغم قلتها وتواضع أدائها، ومرده على الخصوص العمل الميداني التي قامت به طيلة عقود مجموعة من الجمعيات الخليجية، سواء كانت سلفية أو إخوانية، من قبيل النماذج التالية، وهي النماذج نفسها التي نجدها في باقي دول غرب أفريقيا:
ــ جمعية “إحياء التراث الإٍسلامي”، وهي جمعية خيرية نفع عام تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بدولة الكويت، أنشِئت على يد مجموعة من رجال الكويت، وتوجد في أكثر من 42 دولة.
ــ “مؤسسة الشيخ ثاني بن عبد الله للخدمات الإنسانية”، وهي مؤسسة خيرية قطرية لديها مشاريع متنوعة عديدة داخل قطر وخارجها، توجد في أكثر من 97 دولة على امتداد القارات الخمس.
ــ “جمعية العون المباشر”، وهي منظمة خيرية إنسانية كويتية، تقوم بأعمال تنموية تستهدف بها قارة أفريقيا، وتتخذ من الكويت مقراً لها، ويُعتبر التعليم من أكبر أولويات الجمعية ولهذا فهي تسير 840 مدرسة من رياض الأطفال إلى الجامعات، حيث تسعى الجمعية في التوسع في الجوانب التعليمية إلى أقصى حد، وتروم تأسيس جامعة في المجتمعات المهمشة في أفريقيا كل سنة، عبر دعم آلاف الطلبة الفقراء في الجامعات، ضمن مبادرات أخرى.
حتى عقدين تقريباً، كانت بوركينا فاسو تضم مجموعة من المنظمات والجمعيات الإسلامية، من عدة مرجعيات، وخاصة من المرجعية الصوفية والسلفية، من قبيل “الجمعية الإسلامية”، “جمعية أهل السنة المحمدية”، “الجمعية التيجانية”، “جمعية إثبات الوحدة الإسلامية”، “جمعية الطلاب المسلمين في بوركينا”، ولكن جرت تطورات لاحقة، أفضت إلى ظهور منظمات إسلامية أخرى، إما سلفية أو إخوانية، أو تابعة لمؤسسات إسلامية عربية (خليجية على الخصوص)، نذكر منها الجمعيات التي ظهرت منذ عقد تقريباً: “مكتب لجنة مسلمي أفريقيا”، “مكتب الجمعية الإسلامية العالمية للدعوة”، وكان تابعاً للنظام الليبي في حقبة معمر القذافي، “مكتب منظمة الدعوة الإسلامية العالمية” [السودان]، من مرجعية إخوانية، والذي تم حلّه رسمياً في فبراير 2021، وانتقل مقره إلى النيجر.
كان الحضور الإخواني في بوركينا فاسو مجسداً في الأعمال الخيرية التي تقوم بها بعض الجمعيات الخليجية، وفي مقدمتها من خلال مبادرات “جمعية إحياء التراث الإٍسلامي” [الكويت]، “جمعية العون المباشر” [الكويت]، و”الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية [قطر] و”مؤسسة الشيخ ثاني بن عبد الله للخدمات الإنسانية” [قطر]، ولكن، ثمة مستجد مرتبط بالسنة الماضية، سيجعل المتابعات نفسها، سواء كانت إعلامية أو بحثية، تتحدث في الأمد القريب، عن الحضور الإخواني في النيجر، والذي كان متواضعاً من قبل.
إسلاموية النيجر.. في مرحلة البداية
نبدأ بالماضي الإخواني، وإن كان متواضعاً ولكنه حاضر عبر البوابة الأهلية؛ لأنه لم يصل بعد إلى مرتبة العمل السياسي والحزبي، والحديث عن المبادرات الأهلية الخليجية؛ أما المستجد الثاني والحديث زمنياً، والذي يهم الأداء الميداني للمشروع الإخواني في النيجر، على الصعيد القريب والمتوسط، ففي مطلع 2021، أعلنت منظمة “الدعوة الإسلامية” ومقرها السودان، وتعتبر من أذرع “التنظيم الدولي” لجماعة الإخوان المسلمين، أنها ستنقل نشاطها ومقرها إلى النيجر، وفق ما جاء في بيان مؤرخ في 4 فبراير 2021، وصدر عن الأمين العام للمنظمة عطا المنان بخيت، تنفيذاً لقرار لجنة “إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال بالسودان” التابعة لمجلس السيادة السوداني بحلها ومصادرة أموالها وممتلكاتها ومنقولاتها.
يتعلق الأمر بمنظمة عالمية إنسانية طوعية غير ربحية ومستقلة، محسوبة على المرجعية الإخوانية، تشتغل في العمل الخيري والإنساني، حتى إنها تقدم خدمات طوعية من خلال مكاتبها المنتشرة في أكثر من 42 دولة أفريقية كما سلف الذكر، ومرد نقل مقر المنظمة إلى النيجر، مرتبط باستغلال الحالة الاقتصادية والاجتماعية المتواضعة لهذه الدولة الفقيرة، وليس صدفة أن تعلن حكومة جمهورية النيجر موافقتها على استضافة رئاسة المنظمة، وأن توقع على اتفاقية تأسيس مقر، ودخول الاتفاقية حيز التنفيذ.
أحد القواسم المشتركة بين المشروع الإخواني بالنيجر والمشروع الجهادي في بوركينا فاسو، أنه إضافة إلى محددات الفقر والهشاشة الاجتماعية، وتواضع أداء المؤسسات الحكومية في مشاريع التنمية المحلية والتشغيل، نعاين عوامل موازية، ساهمت في ارتفاع أسهم الإسلاموية، ومن بين هذه العوامل، نجد تأثير وسائل الإعلام الجديدة مثل التلفزيون والإنترنت والإذاعات، والتي سهلت الوصول إلى المعلومة، ومنها المادة الدينية.
وإجمالاً، كلما ذكر اسم “الإسلام السياسي” أو الإسلاموية أو الحركات الإسلامية في دول أفريقيا جنوب الصحراء، كانت الإحالة أكثر للحركات الإسلامية القتالية أو “الجماعات الجهادية”؛ لأنها تهمين على المتابعات البحثية والإعلامية، مقابل تواضع الاشتغال على واقع الحركات الإسلامية الإخوانية، بحكم تواضع وزنها التنظيمي رغم حضورها السائد منذ عقود في المنطقة، ولكن تأثير التديّن الصوفي على شعوب هذه الدول، والقلاقل التي تسببت فيها “الجماعات الجهادية” ضمن عوامل أخرى، ساهمت في تكريس تواضع الأداء الإخواني في هذه المنطقة.